صفحة الكاتب : نزار حيدر

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ : السّنةُ الثّالِثَةُ ( 22 )
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
  {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}.
   هل انَّ من واجبِ الحاكم ان يفرض الإيمان والالتزام على المجتمع؟ وهل يقدر على ذلك؟!.
   ابداً ابداً ابداً.
   فما بالُكَ بجماعات العنف والارهاب والمتزمّتين دينيّاً الذين يُعيّنون أنفسم وكلاء عن الله تعالى لفرض الدّين على الآخرين؟ كما يفعل مثلاً بعض المتعصّبين الذين يعتدون على محلات الحلاقة لفرض (الاخلاق) فيشرّعون ما يريدون وما لا يريدون من طُرُق الحلاقة! او كما يفعل (الابن البِكر) مع أَخَواتهِ في الاسرة اذا كان متزمّتاً دينيّاً فيعتدي بالضّرب على اختهِ بحجّة فرض الدّين وإجبارها على الالتزام!. 
   حتّى الرُّسل والانبياء لم يحمّلهم الله تعالى واجب فرض الإيمان على النّاس، فالخطاب القرآني يكرّر حرّية المعتقد دائماً كما في قولهِ تعالى {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} فالإيمان ليس بالشّيء الذي يُمكن فرضهُ على أحدٍ اذا لم يشأ هو ذلك، ولهذا السّبب هدَّأ المشرّع من روعِ رَسُولِ الله (ص) بقولهِ {طه، مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ، إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ} وقولهِ عزّ وجل {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} والأخرى {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}.
   انّ واجب الرّسول والخليفة والحاكم، كواجبِ المعلّم في التّعليم والتربية، فهل رأيتم معلماً تمكّن من فرض الدّرس او التّعليم او المادّة المقرّرة على كلّ التّلاميذ بدرجةٍ وَاحِدَةٍ؟! ابداً، فهذا امرٌ مستحيل.
   ولذلك وصفَ أَميرُ المؤمنين (ع) حقّ الرّعيّة على الحاكم العادل بقوله {وَتَعْلِيمُكُمْ كَيْلا تَجْهَلُوا} فهو يعلّمهم طريق السداد والصّواب فحسب وليس عليه بعد ذلك ما اذا التزم بذلك كلّ المجتمع ام لا؟!.
   انّ فرض الدّين والاخلاق مرفوضٌ بالمطلق لانّه يُشيع النّفاق في المجتمع، ولذلك نرى انّ المجتمعات التي تتعرّض لذلك تزداد فيها حالة النّفاق (الدّيني) بشكلٍ كبير.
   فالإيمانُ بالاكراهِ يفرضُ على (المؤمن) ان يُظهرَ غير ما يُبطن، في اجواء القهرِ والارهابِ! كما يجري اليوم مثلاً في المناطق التي يغتصبها الارهابيّون في الْعِراقِ وغيرهِ، فعندما يشعر (المؤمن) المجبور ان رأسهُ مُعرَّضٌ للقطع اذا لم يحضر الصَّلَوَات المفروضة في المسجدِ خلفَ (الامام) فسيحضر مُرغماً، ليس بقلبهِ وروحهِ وعقلهِ ومشاعرهِ، وانّما بجسدهِ فقط، وذلك هو النّفاق الذي يشيعهُ الارهاب في المجتمع، والذي يرفضهُ المشرّع بشكلٍ صريح وواضح كما في قولهِ تعالى {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}!.
   وانّ من اكثر ما يُثير السّخرية بهذا الصّدد هو ما يُمارسهُ نظام (آل سَعود) والحزب الوهابي من أساليب التشدُّد لفرض الدّين والالتزام على المجتمع وعلى الحجّاج والمعتمرين من مختلف دول العالم، في مواسم الحجّ والعمرة، في الوقت الذي يغوصُ هو في وحل الفساد المالي والاخلاقي، من جانب، وفي وحل الجريمة والعُدوان والارهاب، من جانبٍ آخر، كما يفعل في العراق وسوريا واليمن والبحرين وغيرها من بلاد المسلمين! وكأنّ الدينُ إمرأة لا تقود السيّارة او إمرأة منقّبة او محلّات تجاريّة تغلق ابوابها وقت الصّلاة!.  
   تأسيساً على هذه الحقيقة فانّ مَن يسعى لفرض الدّين والالتزام بالاكراهِ والقوّة وبالعنف والارهاب والقتل والذّبح والسيّارات المفخّخة والاحزمة النّاسفة بذريعة الواجب الدّيني الذي يفرض على القائمين بالأمر فرض الالتزام على كلّ المجتمع، ان هذا الأسلوب ليس من الدّين في شَيْءٍ ابداً وليس من الاسلامِ في شيء، فهو يتناقض كلّياً مع المنهج القرآني الذي يقول {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}.
   اكثر من هذا، فانّه يتناقض ومفهوم الآيات القرآنية الكريمة التي رسمت العلاقة المتوازية بين الإيمان والكفر والتي لن تلتقي ابداً مؤكدةً انّها ستستمرّ الى يوم القيامة.
   يَقُولُ تعالى {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ* لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ* وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ* وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ* وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ* لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}.
   فالمشرّع لم يتوعّدهم (بالايمان) في يومٍ من الإيمان! بل اقرّ كفرَهم الذي سيظلّ الى النّهاية!. 
   ولذلك فلو انّ الخوارج إِحتفظوا لأنفسهِم بعقيدتهِم الفاسدة فجلسوا في بيوتهِم ولم يقطعوا طريقاً او يقتلوا (كافراً) حسب زعمهِم ولم يبقروا بُطُونَ الحوامل لكفرهِم حسب زعمهم لما قاتلهم الامام (ع) ابداً ولما تعرّض لهم بالسّلاح والقوّة والحرب، بل انّهُ ظلّ يدفع لهم حقوقهُم من بيت المال، كما وعدهم بذلك، ما لم ينفقونها في الاستعداد لشنِّ الحرب على النّظام والدّولة، ولإشاعة الخوف والرّعب في المجتمع.
   فضلاً عن ذلك فانّ الامام لم يقاتلهم الا بعدَ ان بذلَ معهم كلّ جهدهِ المعرفي وقُدُراتهِ الاحتجاجيّة المنطقيّة والحكيمة في محاولةٍ لاقناعهم بالعدولِ عن مواصلة جرائمهم، فلقد ظلَّ يُحاججهم ويبعث لهم من يثق به ليحاججهُم، فلازالت هنالك فرصة لإنقاذ نفسٍ بشريّةٍ من ضَلالها لتعدِل عن التورّط في ارتكاب الجريمة وقبل مقاتلتِها، لم يُبادر الامام الى السّيف، لانّ الأصل هو انقاذ الضالّ وليس قتلهُ، فالنّفس البشريّة محترمة وانّ حُرمة الدّم عظيمة لا ينبغي التورّط بسفكهِ لابسطِ حُجَّةٍ او لأتفه ذريعة، كما يفعل اليوم الطّغاة والإرهابيّون على حدٍّ سواء.
 
  
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/06/29



كتابة تعليق لموضوع : أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ : السّنةُ الثّالِثَةُ ( 22 )
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net