صفحة الكاتب : نزار حيدر

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ : السّنةُ الثّالِثَةُ (١٩)
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
  {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.
   في فجرِ هذهِ اللّيلةِ الحزينةِ والأليمةِ من ليالي شهر الله الفضيل، شهر رمضان المبارك عام (٤٠) للهجرة، تخضَّبَ بدمائهِ الطّاهرة في محرابِ الصّلاة في مسجدِ الكوفةِ إِثْرَ ضربةٍ بسيفٍ مسمومٍ على يد ألعن خلقِ الله تعالى [الخارجي] المجرم ابْن مُلجم المرادي، اوّل وأعظم ضحايا القراءات الفاسدة والمنحرفة للقرآن الكريم، الا وهو الامام أَميرُ المؤمنين وقائد الغرّ المحجّلين وخليفة رسول الله (ص) وأخوه وابنُ عمّه عليّ بن ابي طالب عليهِ السلام.
   ولقد تجمّعت في هذه الضّربة اللّئيمة كلّ معاني الغدر والنّفاق والتّكفير والحسد والبغضاء واليأس من رحمةِ الله تعالى، لتغتالَ الدّين والكرامة والعدل والحريّة والإنسانية والشّجاعة والعلم والتّقوى والوفاء وكلّ القِيَم السّماوية العظيمة التي وصف بها ربّ الْعِزَّة رسولهُ العظيم (ص) بقولهِ في محكمِ كتابهِ الكريم {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ} ثمّ اردفها رَسُولُ الانسانيّة (ص) بقولهِ الشّريف {إِنّما بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكارِمِ الأَخْلاقِ}.
   لقد مثَّل نهج الخوارج أَعظم فتنة مرّت على المسلمين لازالت آثارها قائمةً الى اليومِ تدفعُ ثمنها الانسانيّة جمعاء دِماءً ودموعاً وتدميراً! يجدّدها ويحرّض عليها فقهاء التّكفير قرناً بعد قرنٍ!.
   فالخوارج منهجٌ يَعْتَمِدُ على قاعدة محاكم التفتيش، تفتيشُ عقائدِ النّاس ونواياهم، انّهُ منهجٌ يحاكمُ النّاس على النوايا فيكفّر هذا ويفسّق ذاك ويزجّ في النار ثالث ويسوق رابعاً للجنّة، وهكذا، انّهُ منهجٌ عيّن المؤمنون بهِ انفسهم وكلاءَ عن الله تعالى، اذا بأوَّلِ القومِ إسلاماً وأقدمهُم إِيمانناً وافقههُم بدينِ الله تعالى كافرٌ بالله طبقاً لهذا المنهج، يستحقّ القتل او ان يتوبَ عن كبيرتهِ ويعودَ يُسلم بدين الله من جديد!.
  يَقُولُ أَميرُ المؤمنين (ع) يصفُ محنتهُ مع هذا المنهج {أَصَابَكُمْ حَاصِبٌ، وَلاَ بَقِيَ مِنْكُمْ آبرٌ، أَبَعْدَ إِيمَاني بِاللهِ وَجِهَادِي مَعَ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) أَشْهَدُ عَلَى نَفْسِي بِالْكُفْرِ! لَقَدْ (ضَلَلْتُ إِذاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ)! فَأُوبُوا شَرَّ مَآب، وَارْجِعُوا عَلَى أَثَرِ الاَْعْقَابِ، أَمَا إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي ذُلاًّ شَامِلاً، وَسَيْفاً قَاطِعاً، وَأَثَرَةً يَتَّخِذُهَاالظَّالِمونَ فِيكُمْ سُنَّةً}.
   انّهُ منهجٌ يُحاكم النّاس على النّوايا، ويحتكر الجنّة لنفسهِ كما يصفهم القرآن الكريم بقوله {قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِندَ اللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ* وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} انّهم يحتكرون الحقيقة والايمان فيكفّرون الآخرين ويفسّقونهم ويرمون بهم في النار [هكذا] {وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}.
   امّا منهج الامام (ع) منهج الاسلام الحنيف، الذي مرقَ الخوارجُ عَنْهُ، فكان على النَّقيضِ من ذلك جملةً وتفصيلاً، انّهُ منهج {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ* لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ* وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ* وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ* وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ* لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} الذي اساسهُ ضدّ الاكراه {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} ولذلك لم يسجّل التّاريخ حتى حالةً واحدةً لسجين رأيٍ في فترة خلافتهِ عليه السّلام، بل انّهُ رفضَ ان يُقاتل الخوارج لفكرهِم او نهجهِم، وأكثر من هذا فهو (ع) رفضَ ان يمنعهُم من المسجد او ان يُسقط عطاءهم من ديوان بيتِ المالِ، فالمتتبّع لسيرتهِ ونهجهِ معهُم يتيقّن انّ قرار الامام بمقاتلتهِم صدرَ بعد ان قطعوا الطّريق وقتلوا البريء وبقروا بُطُون الحوامل، ما يعني انّهُ لم يُقاتلهم كمعارضةٍ فكريَّةٍ او سياسيَّةٍ او عقديَّةٍ تتناقض او تتعارض مع أفكار السّلطة وعقيدة الحاكم أَبداً، وانّما لكونهِم مفسدون قطّاع طرق قتلة ومجرمون.
   لم يُقاتل أَميرُ المؤمنين (ع) الحاكم والخليفة أحداً لفساد عقيدتهِ ابداً وانّما لفسادِ فعلهِ، كما انّهُ لم يحبسُ او يقاتلُ أحداً لمعارضتهِ السّلطة او لرأيٍ يقول بهِ اويبلّغ لهُ، وانّما قاتلهم لخروجهم عن القانون والدّولة بالسّلاح فقتلوا وأغاروا وانتهكوا الأعراض وهذا حقٌّ يقول بهِ العقل والمنطق كفلهُ القرآن الكريم والقانون الدولي كذلك، فلقد شدّد المشرّع على ردع الفاسدين في المجتمع بأشدّ انواع العقوبة لحمايةِ المجتمع والنّظام، فقال تعالى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} وكحمايةٍ لهم من المجتمع أضاف المشرّع بقولهِ {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} فالأمن المجتمعي أولاً والسّلم الاهلي لا يتقدّم عليهِ شيءٌ.
   في نهج الامام (ع) النّظام أولاً، امّا في نهج الخوارج فالعقيدةُ اولاً، ولذلك حمى نهجهُ (ع) النّظام والعقيدة، فيما أَفسدَ نهجهُم كِلا الاثنَين!.
   يَقُولُ عليه السلام متحدّثاً عن فلسفة النّظام وما أعظمها من فلسفةٍ، وقد سَمِع الخوارج يقولون [لا حُكِمَ الّا لله] لتضليل المغفّلين {كَلِمَةُ حَقٍّ يُرَادُ بِهَا بَاطِلٌ! نَعَمْ إِنَّهُ لا حُكْمَ إِلاَّ للهِ، ولكِنَّ هؤُلاَءِ يَقُولُونَ: لاَ إِمْرَةَ، فَإِنَّهُ لاَبُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ أَمِير بَرّ أَوْ فَاجِر، يَعْمَلُ فِي إِمْرَتِهِ الْمُؤْمِنُ، وَيَسْتَمْتِعُ فِيهَا الْكَافِرُ، وَيُبَلِّغُ اللهُ فِيهَا الاَْجَلَ، وَيُجْمَعُ بِهِ الْفَيءُ، وَيُقَاتَلُ بِهِ الْعَدُوُّ، وَتَأْمَنُ بِهِ السُّبُلُ، وَيُؤْخَذُ بِهِ لِلضَّعِيفِ مِنَ الْقَوِيِّ، حَتَّى يَسْتَرِيحَ بَرٌّ، وَيُسْتَرَاحَ مِنْ فَاجِر}.
   ٢٤ حزيران ٢٠١٦
                       للتواصل؛
‏E-mail: nhaidar@hotmail. com
‏Face Book: Nazar Haidar
‏WhatsApp & Viber& Telegram: + 1
(804) 837-3920

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/06/25



كتابة تعليق لموضوع : أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ : السّنةُ الثّالِثَةُ (١٩)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net