الافلاس الحضاري
بوقفة رؤوف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
مصيبة ان يكون الواحد منا مفلسا حضاريا وهو لا يدري , يحسب نفسه انه في ارصدته البنكية ما يكفيه من مال ليعيش حياة رغيدة وسعيدة , وحينما يحتاج القليل من ماله يكتشف ان جميع ارصدته فارغة وان ما يملك من عقارات حجزت وتم مصادرتها
انه يعيش صدمة , حالة انهيار عصبي شديد , كل ما بناه ,حصيلة تعبه وجهد السنين وسهر الليالي يكتشف اليوم انه تبخر
وما هو السبب ؟
من هو المذنب ؟
من الذي احتال عليه ؟
لا احد غيره
هو الذي لم يحسبها جيدا
هو الذي ضن ان الاستثمار يكون في علاقته مع الله فقط
هو الذي حسب ان الربح يكون في العبادة فقط
لم يرد ان يعرف ان الاستثمار الناجح يكون مع عباد الله
لم يرد ان يعرف ان الربح يكون في المعاملات مع عباد الله
هو الان مفلس ,لأنه وضع جميع البيض في سلة العبادة ولم يضع اي بيضة في سلة العباد
فالعبادة الحقيقية ليست هي علاقة بين طرفين هما العبد و الخالق فقط , العبادة الحقيقية هي علاقة ثلاثية الاطراف بين العبد والخالق والعباد , فان صلحت العلاقة بين طرفين فقط وفسدت مع الطرف الاخر كانت علاقة فاشلة تؤدي الى الافلاس الحضاري
فلو كانت العلاقة بين العبد والمعبود علاقة جيدة وبين العبد وبقية العباد علاقة سيئة , كانت العبادة ككل فاشلة محكوم عليها بالإفلاس الحضاري
وكذلك الامر لو كانت العلاقة التعبدية بين العبد والخالق سيئة وبين العبد وباقي العباد جيدة , كانت علاقة تعبدية صورية قائمة على الرياء والنفاق الاجتماعي
ان مصيبتنا اليوم اننا نعيش الافلاس الحضاري , ليس على المستوى الفردي فقط بل على المستوى المجتمعي , داخل المجتمع بين افراده ومع بقية المجتمعات وبين الدول , بعد ان حفر في عقلنا الجمعي أن الدين هو العبادة التي هي علاقة بين العبد وخالقه فقط وضننا ان علاقتنا مع العباد مهما كانت سيئة فان صلاتنا وصيامنا وحجنا وقراتنا للقران كفيلة بأن تمحي سيئاتنا , وأننا كمسلمين مطالبين بالقيام بالعبادات فقط وحصر أركان الاسلام فيها بينما الصحيح ان الاسلام يقوم على ركنين يكملان بعضهما البعض ويختلطان ببعضهما البعض ولا نستطيع ان نفصلهما عن بعضهما البعض ولا نقدر ان نركز على احدهما دون الاخر وهما ركن العبادة وركن المعاملة وهما مثل الروح والجسد , والمخلوق الحي يكون بهما معا , فان غادرت الروح الجسد مات وركن العبادة هو جسد الاسلام وروحه هي المعاملة والجاهل المفلس فقط هو من يتصور قيام جسد دون روح , هذا هو المفلس الذي روى مسلم والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتدرون ما المفلس؟" قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال:" إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا و ضرب هذا فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أُخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار".