صفحة الكاتب : زهير مهدي

هروب من سجن الضمير الى سجن الذاكرة
زهير مهدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 
ياخذني صوت ترتيل محمود علي البنا و المنشاوي لايات المصحف الى سطح بيتنا القديم الصغير.
 
فساعة التوجه الى النوم في زمن الطفولة كانت و ستبقى من اعز و اجمل ذكرياتي.
 
و الفضل يعود لاخي الكبير قاسم الذي عودنا منذ صباه على النوم كل ليلة على صوت المصحف المرتل من اذاعة القران الكريم من مكة.
 
تضعف الموجة احيانا و تقوى احيانا اخرى لترسم في ذلك شكل الذبذبة بين الوضوح و الوشوشة تنسجم مع سكون الليل و وفرة النجوم و اصوات كلاب الحي و تسبيحات امي او احدى اُختاي.
 
 و احيانا اصوات همهمات الجيران على سطوحهم  تبعث في النفس الطمأنينة ان في الحي رجال تُحَجِم مخاوفنا كاطفال بلا ظل اب مع ان امي كانت بالف رجل.
 
يكون هذا المشهد عادةً بعد وجبة عشاء خفيفة في السطح من (رقي) او بطيخ و خبز ، او  رز و لبن و خضار. 
اخي قاسم كان هو الاب بالنسبة لنا و هو الناصح بالفعل لا بالنطق بعد ان غاب ابي.
 
كان و ما زال خبيرا جدا في اعداد الاجواء العائلية  بلمسات روحانية و المهندس لمشروع صلة الارحام المستديم  
كان صمته كالمطفأة التي تخمد شرارات الخلاف في موقدها قبل ان تلتهم نيران التضاد شيئا من صفو النفوس.
 
كان الهواء اقل تلوثا و الحياة اقل تعقيدا 
و الناس اكثر رحمة و الارض اكثر خضرة.
 
انطوت حربنا مع ايران و الخليج و سنين القحط و الحصار و لا زالت الحروب مستمرة حرب بعد حرب.
 
حروب كانت كفيلة بعزل اهل البلد في غابة يُروض الانسان فيها كي يصير وحشا، و اول ضحاياها هي تلك الذكريات الجميلة التي زهقت قبل الارواح.
 
و ها انذا اليوم بعيد في البلاد الغريبة 
ليس لي و لا لاهلي الطيبين فيها اي بصمة.
 
فالشوارع و المزارع و البضائع 
كلها .. مختوم عليها باختام ذكريات اهلها 
فلا شيء يربطني بمطاعم (McDonald's) 
ولم تكن لي ذكرى نظرات اعجاب من فتاة بين رفوف اسواق ( wal-mart ) 
ولا في ماركات سياراتهم ما يذكرني بسيارة الاحلام في طفولتي التي كنت انافس بها اصحابي بسياراتهم الافتراضية.
 
في كل سنة يتغير كل شيء هنا ، موضة السيارات برامج التلفزيون بضائع السوق عروض الشركات.
 
و في الجانب الاخر حيث بلدي فالتحديث و التغيير مستمر ايضا فالولاءات و اساليب الطاعات و لغة السجالات كلها تتغير و تتطور بنحو خطير 
و اساليب الحروب و معانات الفقراء و اعداد الايتام و الارامل كلها في تصاعد. 
 
لكن الشيء الثابت هنا في هذه البلاد هو الحفاظ على التراث و العادات المجتمعية القديمة و المباني و الشوارع الفلكلورية.
اما الثوابت في بلدي فهي مكانة رجل الدين وليس الدين. و حصانة المسؤول و ليس المسؤولية. 
 
نعم ليس لذاكرتي هنا اي بصمة،  لكن لعل عيشي في الغربة بألم مع بعض ذكريات اهلي هي اقل وحشة من البقاء في صدمة واقع مرير  خلفته الحروب بين "غياب قادة حكماء" و "تكميم افواه أحرار" "و سطوة عقل جمعي بولاءات شتى"
 
ساعدكم الله يا احرار بلدي في بلدي.
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


زهير مهدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/06/04



كتابة تعليق لموضوع : هروب من سجن الضمير الى سجن الذاكرة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net