صفحة الكاتب : نزار حيدر

ُؤْيَةٌ فِي الإصْلاحِ* (٥)
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 أَثارت الحلقة الماضية من هذه الرّؤية العديد من التساؤلات تتمحور كلها تقريباً حول فكرة واحدة مفادها:
   اذا كان النّظام الديمقراطي الجديد في العراق فيه كلّ هذه النّواقص والمثالب فلماذا لا نغيّره ونُسقطهُ ونستبدلهُ؟ لماذا نصرّ عليه؟!.
   وللجواب على هذه التّساؤلات أَقول؛
   ١/ انّ بديل الديمقراطية هو الديكتاتوريّة، فاذا أردنا ان نُسقط النّظام الحالي فسنعود حتماً الى الديكتاتوريّة مرّةً أُخرى، ويخدع نَفْسَهُ من يتصوّر انّ بالامكان مثلاً الجمع بين النّظامّين، فالديمقراطية لا تستقيم مع الاستبداد أولاً، كما انّ العدالة لا تتحقّق مع الديكتاتوريّة ابداً، فضلاً عن انّ الديكتاتوريّة التي هي ضد الحريّة، وخاصّةً حريّة التّعبير وضد التداول السّلمي السّلطة اذ اثبتت كل تجارب الشّعوب انّها تعتمد التداول الدّموي (العسكري) للسّلطة، لا تؤمن ابداً بادوات الديمقراطية ومنها حكم الاغلبية التي تفرزها صناديق الاقتراع.
   كما يخدع نَفْسَهُ من يتصوّر انّ من الممكن التراجع خطوة الى الوراء فنعود الى الديكتاتورية لفترة معيّنة ثمّ نعود بعدها الى الديمقراطية!.
   ٢/ ولذلك فانّ العقلاء يبذلون كلّ جهدهم لاصلاح النّظام الديمقراطي على ان يستبدلونهُ بالديكتاتوريّة.
   فمثلاً، عندما أنتجت الديمقراطية في أَميركا إبان تأسيسها حرباً أهليّةً لم يستبدلها الأميركيون بالديكتاتورية بل انّ ذلك زادهم اصراراً على بذل المزيد من الجُهد لاصلاح الديمقراطيّة.
   وعندما قال داعية حقوق الانسان القس مارتين لوثر كينغ قولتهُ المشهورة  
   [I have a dream]
ثمّ دفع ثمن ذلك حياتهُ لم يترك السّود النّضال من أَجل المساواة
وانّما زادهم ذلك عزيمةً واصراراً الى ان دخل أَسودٌ الى البيت الأبيض بعد ٤٠ عاماً من النّضال الدَّؤوب من أَجل المساواة في الحقوق.
   وعندما قال بنو اسرائيل لنبيّهم موسى (ع) {أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا} لم يترك موسى (ع) رسالتهُ ليعودَ قومهُ الى الشّرك وعبادة الأصنام وانّما قال لهم {عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}.
   كما انّ نبيّ الله نوح (ع) ظلَّ يدعو قومهُ الف عامٍ تقريباً بلا توقّفٍ أو يأس {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا} {ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا} ومع انّهم {فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا} و {كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا} مع كلّ ذلك استمرّ بدعوتهِ الاصلاحيّة لانّ بديل التّوحيد الشّرك وبديل الحريّة العبوديّة.
   وهكذا، فَلَو انّ كلّ إنسانٍ سواء أكان فرداً ام مجتمعاً، ترك هدفهُ عند اوّل تحدٍّ وتوقّف عن بذل المزيد من المحاولات لاصلاح الطّريق الذي يسلكهُ لهدفهِ لما حقّق احدٌ هدفاً ولما شهِدت المجتمعات ايّ تطوّرٍ او إصلاحٍ او تغيير.
   انّ المثابرة وتكرار المحاولة والاصرار والعزيمة على تحقيق الهدف الذي يشخّصهُ المرء كبديلٍ عن واقعهِ المؤلم منهجيّة ضروريّة لتحقيق الهدف والا فسيظلّ المرء تائهٌ طوال حياتهِ يتمرجح بين ماضٍ مؤلم ومستقبل مجهول وبينهما حاضرٌ قلِق.
   ولهذا السّبب أكّد القرآن الكريم على مفهوم الصّبر والاستقامة ما لم يؤكّد على ايّ مفهومٍ آخر، لانّ الصبر الذي يعني منح الفُرصة اللازمة والزّمن المطلوب لأيِّ إنجازٍ سليمٍ، والاستقامة التي تعني الرّقابة الدّائمة على المنهج والطريق لئلّا ينحرف بعيداً، هما الأساس في الوصول الى الهدف.
  فلقد ذكر القرآن الكريم قائلاً {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} و {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} و {وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ} {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}.
   مشكلتنا انّنا لا نمتلك نفساً طويلاً عندما نحاول فترانا بعد محاولتَين او ثلاث كحدٍّ أقصى نبدأ نكرّر عبارة[لقد تعِبنا] وعبارة [مَيفيد] وأحياناً حتى قبل ان نُحاول او نجرّب حتّى اذا كانت الفكرة او المنهج او المشروع صحيحاً وسليماً (١٠٠٪‏) كما نراه ونتصوره!.
   ولطالما كتب لي أحبّة يُتابعونَ كتاباتي يقولون [الفكرة صحيحة ١٠٠٪‏ ولكن لا يمكن ذلك!] من دون ان يجرِّب او يحاول!.
   وهكذا تضيع الأفكار السّلميّة بسبب عجزنا وعدم السّعي والمحاولة!. 
   ٣/ الشّيء المهم الذي يجب ان نضعهُ دائماً في الحُسبان هو انّ الديكتاتوريّة لا يمكن إصلاحها والاستبداد لا يمكن تحسينهُ، فهو يعني شيئاً واحداً فقط لا غير، الا وهو سلطة الأقليّة والاستئثار وتكميم الأفواه وقمع الحريّات، امّا الديمقراطيّة فمهما كانت سيّئة فترة تأسيسها وبناء هيكليّتها وترسيخ تقاليدها، ولكن تبقى ممكنة الاصلاح والتطوير وتحسين الأداء والأدوات والنّتائج.
   ولذلك رأينا كيف دفعنا الثّمن غالياً لاسقاط الديكتاتوريّة حتى وصل حال البلد الى ان يتعرّض للغزو الأجنبي والاحتلال بقراراتٍ دوليّة.
   ليس أمامنا اليوم، اذن، الا ان نصمّم على حماية النّظام الديمقراطي مهما كانت المشاكل، وفي نفس الوقت ينبغي ان نبذل اقصى الجهود لإصلاحهِ وتحسينهِ بِما يأخذ بنظر الاعتبار الحاجة والتجربة والواقع، بلا كللٍ او مللٍ او تعب او تضجّر.
   ٤/ في النظام الديكتاتوري تسوء الأوضاع بمرور الزّمن مهما سعينا لإيقاف التدهور، امّا في النّظام الديمقراطي فانّ الأوضاع قابلة للتحسّن بمرور الوقت كلّما بذلنا جهوداً إضافيّة للاصلاح والتغيير. 
   *يتبع 
   *بتصرّف، ملخّص حديث النّدوة التي عقدها مركز الرافدين للحوار (٢) على (الواتس آب) والذي يضمّ نُخبة متميّزة من مختلف الاختصاصات والاهتمامات، وذلك في يوم السّبت الماضي [١٤ مايس (أيار) ٢٠١٦].
   ٢٦ مايس (أيار) ٢٠١٦ 
                       للتواصل؛
‏E-mail: nhaidar@hotmail. com
‏Face Book: Nazar Haidar
‏WhatsApp & Viber& Telegram: + 1
(804) 837-3920

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/05/28



كتابة تعليق لموضوع : ُؤْيَةٌ فِي الإصْلاحِ* (٥)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net