صفحة الكاتب : نزار حيدر

رُؤْيَةٌ فِي الإصْلاحِ* (٤)
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
   لكون النّظام السّياسي في العراق الجديد هو نظام برلماني، فهذا يعني، برأيي، انّ اي مشروع إصلاح لا ينبغي ان يأتي من خارج قُبّة البرلمان، لانّ تجاوز مجلس النوّاب هو انقلاب على الشّرعية وعلى الدستور وبالتالي هو تفريط بكلّ الجهود التي بُذلت لحدّ الآن من أَجل التأسيس للديمقراطيّة التي أداتها الأهم هو صندوق الاقتراع.
   انا لا أَقولُ انّ نظامنا السّياسي كامل ومكمَّل ولا اقولُ انّ دستورنا نصٌّ مُنزل من السّماء لا يجوز المساس به ولا اقولُ انّ برلماننا عال العال ورائع لا ينقصه شيء، ابداً، انّما الذي أريدُ قوله وأُؤكد عليه هو ان التغيير والاصلاح ينبغي ان يأتي من تحت قبّة البرلمان حصراً، او الانقلاب.
   كل دول العالم التي انتقلت من الديكتاتوريّة الى النُّظُم الديمقراطيّة وبكلّ اشكالها، مرّت بمراحل صعبة وقاسية الى ان وصلت الى ما هي عليه الان، فالديمقراطيّة لا تتأسس فجأة، وانّما تأخذ مدياتها الزّمنيّة رغماً عن أنف الجميع، وهي نتاج تراكم خطوات صحيحة الواحدة تلو الاخرى الى ان تستقرّ بشكلٍ يُناسب وطبيعة البلد والمجتمع.
   كذلك دساتير النُّظم الديمقراطية، كلّها بلا استثناء مرّت بمراحل جرت فيها، ربما، عشرات التعديلات الدّستورية الى ان تستقر على نصّها النهائي وقليلةٌ ما هي، لان الدّستور السّليم هو الاخر نتاج تراكم تجارب عمليّة تفرزها ارض الواقع!.
   كلّ هذا يعني ان كلّ حراك خارج قبّة البرلمان هو بمثابة عوامل محرّضة وضاغطة لاجبار البرلمان على تحسين أداءه وليس المقصود بالحراك الخروج على الشّرعية او الانقلاب عليها.
   وللاسف الشّديد فبسبب تراكم فساد وفشل السياسيّين والكُتل البرلمانيّة على مدى اكثر من عقد من الزّمن، فقد حشرونا في زاويةٍ حرجةٍ، حتى أصبحت العمليّة السّياسية اليوم كمريضٍ مُمدّد على مِشرحة العمليّات امام الطّبيب الجرّاح، في حالة إغماء وهو يُعاني من مرضٍ خطيرٍ في القلب، ما يعني انّ اي خطأ في التشخيص او في العمليّة سيودي بحياتهِ، فلنتصوّر كم يجب ان يكون طبيبنا خاذقاً ونبِهاً وذكيّاً ليتمكّن من تجاوز مرحلة الخطر ليُحافظ على حياة مريضنا، وفي غير هذه الحالة سينطبق على حالِنا قول القائل [لقد نجحَت العمليّة وماتَ المريضُ!].
   وبالعودة الى الدّستور سيتبيّن لنا انّ مهام مجلس النوّاب في حقيقة الامر ثلاث؛
   أولاً؛ تأسيس الدّولة، فكل السّلطات التنفيذية والقضائية والمستقلّة تنبع مِنْهُ.
   ثانياً؛ التّشريع، سواء كانت مشاريع قوانين قادمة من مجلس الوزراء أو من النوّاب في آلية معمول بها في كل دول العالم الديمقراطي على الرّغم من تسييس القضاء من قبل رئيس الحكومة السابق والذي تسبّب بتجميد الشقِّ الثاني من مهام التّشريع.
   ثالثاً؛ الرّقابة، وهي تشمل في حقيقة الامر كلّ مؤسسات الدّولة وليس الحكومة فقط.
   هذه المهامّ الثّلاث المنصوص عليها في الدّستور، اضعف محتواها السياسيّون بسبب المحاصصة والتّوافق المتزمّت الذي ترك اثرهُ السّلبي على هذه المهام بشكلٍ قلّل من اهمّية وجود البرلمان ذاته.
   وعندما نعرف انّ مجلس النواب الذي يتشكل من (٣٢٨) نائباً يديرهُ زعماء الكُتل وعددهم لا يتجاوز عدد أصابع اليد! حتى من دون الرجوع الى كتلهِم في اغلب الأحيان، كما حصل ذلك مثلاً عندما وقّع عددٌ منهم مؤخّراً ما عُرف بوثيقة الشّرف والتي تبيّن فيما بعد انّ اغلب أعضاء الكُتل وصل لهم الخبر عِبر الواتس آب او بالفايبر او بالرّسائل القصيرة، الامر الذي سبّب لهم صدمة لم يفِق منها بعضهُم لحدّ هذه اللحظة، فيما عبّر البعض الاخر عن صدمتهِ بالاعتصام في مجلس النوّاب بحركةٍ بهلوانيّةٍ غلّفها بعنوان الاصلاح والتغيير!.
   [وكلُّنا يتذكّر الاتّفاق الثُّنائي السرّي الذي تم بين السّيد المالكي والسّيد البارزاني في أَربيل لضمان الاوّل للولاية الثّانية، اذ تبيّن لنا بعد تسريب الكرد للوثيقة، انّ الاوّل كان قد وقّعها بعنوان (رئيس ائتلاف دولة القانون) من دون الرّجوع حتى لقادة مكوّنات الائتلاف كما صرح بذلك وقتها عددٌ منهم، فيما وقّع الثّاني بعنوان رئيس الحزب الديمقراطي!].
    هذه الحالة الفريدة من نوعِها هي الاخرى في كل دول العالم الديمقراطي، تسبّبت بشللٍ كبيرٍ في منظومة وأدوات السّلطة التشريعيّة ما أفقدها فحواها ودورها الحقيقي في تحمّل مسؤولية المهام الدّستوريّة الثّلاث أعلاه.
   فلماذا حصل ذلك؟!.
   طبعاً الجواب واضح جداً لا يحتاج الى كثير عناء لاكتشافهِ، فعندما يحجز جلّ النوّاب مقاعدهم باصوات زعيم القائمة حسب قانون الانتخابات الحالي، فمن الطّبيعي ان ينظر النّائب اليه كوليّ نعمة ولا يُعير للنّاخب كثير اهتمام لانّ النائب في هذه الحالة لم يحجز مقعدهُ بصوتهِ او بثقتهِ، فهو لم يحصل ربما الا على (١٠٠) صوت او اكثر قليلاً فكيف سيشعر بفضل النّاخب عليه؟! ولماذا عل
يه ارضاءهُ وتنفيذ مطالبه ُ؟ وكيف سيشعر النّائب في قرارة نَفْسهِ انّهُ بالفعل يمثّل (١٠٠) الف ناخب كما ورد في النصّ الدّستوري؟!.
   هو يمثّل هذا العدد على الورق فقط امّا في حقيقة الامر فهو يمثّل زعيم الكتلة حصراً والذي تظلّ عيونهُ متسمّرة نحوه ليراه ما اذا سيرفع يدهُ للتّصويت ليقلّدهُ ليرفع يده مصوِّتا هو الآخر، ام انّهُ سيحتفظ بها ممدودةً تحت الطّاولة علامة الامتناع ليفعل الشيء نَفْسَهُ؟!.
   طبعاً؛ ليس المطلوب من النّائب ان يتمرّد على قائمتهِ، او ان يُعاكسها في كلّ مرّة، أَبداً، ولكن، وفي نفس الوقت، ليس المطلوب منه ان ينبطحَ أَمام حرس الزّعيم وبوّابهُ او ان يُلغي نَفْسَهُ [عقلهُ ورأيهُ وشخصيّتهُ] فيتحوّل الى بوقٍ او الى إمّعة او الى [بُز أَخفش] شغلهُ تحريك ذقنه بالموافقة على كلّ ما يقولهُ او يفعلهُ زعيم الكتلة!.
   [لقد كتبتُ مرّةً قائلاً؛ أَلزَّعِيمُ عندنا كراعٍ يَهُشُّ على غنمهِ في حضيرة الدّواب أَو في المرعى، امّا عندهم فالزّعيم خادمٌ بأجرٍ لِوَقْتٍ معلومٍ] ولذلك فالنّائب عندنا لا يَهُشُّ ولا يبشُّ وهو عديم الطّعم واللّون والرّائحة [الا من رائحة الفساد والفشل التي أزكمت الأنوف] لم يسمع بهم حتى زملاءهم طوال الفصول التشريعيّة، ربما خجلاً من الفضيحة عندما يُدلي برأيٍ او يكتب جملة، امّا عندهم فالنّائب واضح المعالم قويُّ الشّخصية يُحاور ويُناقش ويبدي رأياً ويترك بصماته ويغيّر ويبدّل ويؤثّر ويسجّل براءة اختراع باسمهِ على الكثير من مشاريع القوانين المهمّة والحسّاسة طوال حياتهِ النيابيّة.
   فكيفَ يُمْكِنُ لنا ان نغيّر هذا الحال المريض؟!. 
   *يتبع 
   *بتصرّف، ملخّص حديث النّدوة التي عقدها مركز الرافدين للحوار (٢) على (الواتس آب) والذي يضمّ نُخبة متميّزة من مختلف الاختصاصات والاهتمامات، وذلك في يوم السّبت الماضي [١٤ مايس (أيار) ٢٠١٦].
   ٢٥ مايس (أيار) ٢٠١٦ 
                       للتواصل؛
‏E-mail: nhaidar@hotmail. com
‏Face Book: Nazar Haidar
‏WhatsApp & Viber& Telegram: + 1
(804) 837-3920

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/05/26



كتابة تعليق لموضوع : رُؤْيَةٌ فِي الإصْلاحِ* (٤)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net