صفحة الكاتب : د . مسلم بديري

لحظـــــة رجولة - فحولة رضيع-
د . مسلم بديري

 حين فتح عينه و أ غلقها لم تكن عين الطفل ذي العامين هي من  اغرورق بالدمع ولم يكن صدره من شج بنحيب وشهقات عارمة كسرت رتابة الآدمية المتدانية قاب أقواس أو أدنى من شهوة ذلك الحيوان الموغل في نفوسنا 

بالتأكيد لم يكن الطفل هو من زم قبضته ولوح مهددا نفس الهواء الذي يغمر ما حوله
لم يكن الطفل من ثار وغضب ولا يعرف لِمَ..!
لم يكن هو .. إذن من يكون..؟
لم يكن الطفل الذي رمقها بنظرة كاد لوقعها أن يتهرأ جلدها الأبيض العاري ولم يكن هو من أشار لإنهاء كل ما ساد من ضجة وشرع لفتح لوحة من صمت وترقب...
وما إن غادر زوجها مودعا للقاء قريب حتى سادها صمت مشوب بفرحة لا تعرف كنهها بسهولة ما لم تتفحص ذلك الثوب النابض في أعلى صدرها
وما من أحد يعيب عليها تلك الفرحة ربما لأنهم لم يدركوا كنهها أو لأنهم يشاركونها فرحتها أو  لانشغالهم بفرحهم وما دامت هي نفسها لا تعرف ولا تستغرب لذلك الفرح الذي يصاحب الوداع , إذن لِمَ يتعب نفسه غيرها ويعرف 
وما دام قد دار بها المكان ليذيبها بفرح الانتظار والترقب القريب إذن لِمَ لا تدور لتتم الأعمال المنزلية وتفرغ لاستقبال الآتي هي والدنيا تتشابهان بعض الشيء فكلاهما يودع الذاهب بالدمع ويستقبل القادم بابتسام القيان انه قادم ولكل قادم كرامة كما يقال وذاك قد ولى هو من تركها فلا تثريب عليها إن تهلل لمن قدم إليها وبين من ترك ومن قَدِم فرق كبير فمن يذهب عادة ما يكون متعب منهك لا يقوى على مضاجعة لقمته أما من يأتي فعادة ما تأتي قبله عضلاته المفتولة  وعادة ما يسابقه قوامه المعتدل المشع بكل ما يرضي الدنيا هي دنيا ودنيا جائعة وما على الجائع حرج ولا يدرك الجوع إلا الجائع .... لحظات بعد أن دار بها المكان هي الآن من تدور به فرحا وتكاد تطير وتعلن للخلق أنها على منزل الصدق من الله وإنها تنتظر مائدة سماوية لتغنيها من الجوع صحيح أنها تُرِكت جائعة و لكن هناك من يدلي عليها بالموائد العامرة أحست أن الوقت يداهمها ولا تعرف كيف توقف وتجعله يمضي بأسرع ما به من لحظات في التمني ذاته لا تعرف كيف تستقبله وماذا تقول وألف ألف خاطر يمر بأقل من جزء الثانية في رأسها وطُرقَت الباب والقلب يرقص فرحا ثم ينقبض حين تكون الجارة ولسانها الذي لا  يلبث في فمها لحظة 
و أهلا وسهلا تقال بفم متذمر ينتظر ما هو مشوّق ويال هذه الجارة اللعينة كأنها تعرف كل شيء فما بقي شيء لم تسال عنه ولم تخبر عنه بالتطوع غير المرغوب به 
تلك تزوجت وهذه طُلقت وتلك وأخرى وكلمات تنهال كالرصاص على أذن تتوق لتسمع ما سيأتي فقط  وما سيأتي تأخر  والوقت يسرع ويبطئ معادلة الوقت عكسية رجعية وصارت كالصائم الذي ينتظر الإفطار  وحين يؤذن للإفطار ينادى لصلاة الجماعة وإمام الجماعة يقرئ سورة البقرة بعد الفاتحة  وليس للصائم إلا الانتظار .. الانتظار مُر لكنه محبب للنفس 
الجارة تذهب ..ولكن الهاتف يريدها ويلهيها عن الاستعداد والهاتف يذهب والنداء الخفي يزجرها  والنداء يُطرد والجسد يُلح بكل ما به من الأنا الملتهبة وآية الكرسي المعلقة في الجدار اللوحة الأنيقة تتكلم وصوت منها أغن يضرب كطبول الحرب على أذنها ولكن هذه ليست المرة الأولى التي تقف هذه الوقفة ويدور بها المكان ومن ثم تدور به وليست المرة الاولى التي يجيء فيها النداء صارخا رادعا وليست المرة الاولى التي يُلح الجسد فيها بكل ما به من  الأنا الملتهبة ولكن هذه المرة الاولى التي تبعث في اذنها اية الكرسي هذا النوع من النداء الغريب نداء رادع قوي جدا بحجم الوهن ....وحين ينام الإنسان فان القران كله وليس الكرسي فقط
الانسان نائم والجسد يقظان وبه سارت نائمة وتلمست الجدران الى غرفتها والخطوة تنبئ بجديد الجدران تتشوق آذانها لالتقاف الأنات والاقدام تريد ان تسرع لتسبق الزمن والايدي ترنو لسحب الموعد قبل الوعد
الطفل النائم ينظر وبنظراته يستفهم .. أجفانه شفافة يحدق من خلال الجفن النائم ومن خلال الجفن الابيض الشفاف يصبح المستقبل معتما – بالتاكيد- والجاني واقف ويكرر فعله بلا وجل والطفل ينظر ولا  ذنب له غير الطفولة 
نظرت له بنظرة ذات معنى وتحركت لزينتها بعد أن تأكدت من كونه نائم وقبل ان تتم زينتها وبدون ان يفتح الباب وبلا خطوات.. صار رجل شاخصا في فناء الغرفة رجل بكل ما في الآدمية من فتوة وهمة 
وبالأحضان يُستقبل الشاخص فهو قادم ولكل قادم كرامة ولا كرامة غير الأحضان والطفل نائم وينظر من خلال أجفانه الشفافة والآهات تعلو والطفل يستيقظ ويقف في سريره يقف شاخصا هو الآخر وكعادته حينما يستيقظ يقف في سريره النائي قليلا عن سرير الاباء يقف ودير النظر صوب الأم 
ويقف هذه المرة ويدير النظر صوب الام ويرتد البصر عن كتل لحم بيضاء غير متناسقة وكتل أغمق منها بقليل ويصمت الطفل ويقف على أطراف الأصابع وينظر ولا يفعل شيء غير النظر وينظر ومن ثم يبكي ويبكي ويصرخ   وينظر بين ساقيه ثم ينظر الي كوم اللحم الذكوري الملقى في سرير امه ويبكي ولكن هذه الوقفة تكررت بالطفل ولم يبكي حين كان حينها كوم اللحم هو من لحمه ودمه ولكن هذه المرة بكى وليس كبكاء الاطفال 
ولم تفعل الام شيئا غير أنها اعتدلت في شبه جلوس ولم تفعل ما تفعله الأمهات حين يبكي رضيعها فبكائه هذه المرة لا يشبه بكائاته كل مرة يلعن فيها جوعه ولم تفعل ولكنها –يبدو- احست بشيء يشبه الخوف , الندم , الحيرة أو بالأحرى لا يشبه شيء غير كونه إحساس أو شعور جديد والطفل يبكي ويستمر ببكاء يشبه الى درجة كبيرة أنين الرجل , ونظراته تحمل الكثير من العتب واللوم
أليس رجلا ؟
لِمَ لم تحسب له الام حساب الرجل وجودا وفعلا وردا
هل تشك لحظة في طفولته , رجولته , هو طفل هذا صحيح ولكنه رجل لا يشبه أباه   والام الماجنة في نظراته لم تعد تستحق ان تكون هي من يشرب من لبنها لذلك ساد بكائه صمت مفاجئ لئلا تظن أنه جائع 
هو منذ هذه اللحظة رجل لم يعد بحاجة الى الامهات 
الام لمحت في عينه نظرة حقد وحنق على كل الامهات التي عرفتها الطفولة هي لاتعرف معنى الامومة ولا الندم ولكنها تعرف المعنى الحقيقي للرجولة لذلك أحست بلحظة ما ان كل الخطأ الحاصل في المسالة هو وقوع الفعل امام الطفل احست انها جرحت رجولة الطفل وكبرياء الرجل المستقبل المتأصل في اعماقة 
والطفل الذي توقف عن كل شيء الا الصمت احكم قبضة كفه الصغيرة كانه من يريد الانقضاض على من امامه ويداه مقبوضتان ويزمجر ويصك على اسنانه التي لم تنبت بعد
واكوام اللحم الذكورية والانثوية لا تفعل شيء ولكانها خائفة مترقبة وظل المشهد صامتا لا يشوب صمته خلا الانفاس المضطربة ومن ثم تكسر الصمت بابتسامة طفولية لم يستطع الرجل امامها الا ان يهرول هاربا وهو عاري ....
بالتأكيد لم يكن الطفل هو من زم قبضته ولوح مهددا نفس الهواء الذي يغمر ما حوله
لم يكن الطفل من ثار وغضب ولا يعرف لِمَ..!
لم يكن هو .. إذن من يكون..؟
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . مسلم بديري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/07/20



كتابة تعليق لموضوع : لحظـــــة رجولة - فحولة رضيع-
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 4)


• (1) - كتب : د.مسلم بديري من : العراق ، بعنوان : شكرا في 2011/07/21 .

عراقي
مهند
محمد موسى
شكرا على المرور العبق تحية ود واعتزاز

• (2) - كتب : محمد م. من : العراق ، بعنوان : وجهة نظر في 2011/07/21 .

جميل،لكني أخشى ان يكون الإسهاب في سرد حيثيات الموقف سلاح ذو حدين،إترك خيال القارئ يكمل عنك بعض من بناء المشهد،لانه الكاتب الضرورة.

• (3) - كتب : مهند من : العراق ، بعنوان : مبدع كما عهدتك في 2011/07/20 .

وانت تقرأ تجد ان الصور تمر امامك بانسيابية بدون تكلف
لترسم صورة للموقف لتواصل القراءة بشغف الى النهاية

شكرا لك ايها الاخ والصديق على ماكتبت


• (4) - كتب : عراقي من : العراق ، بعنوان : مبدع في 2011/07/20 .

ابداع لا ينتهي هو الوصف الذي تستحقه يا عزيزي
شكرا لك لقد امتعتنا بهذه القراءة




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net