في سؤال وجهته ــ وكالة أنباء أسوشيتد برس الأمريكية ــ لمكتب سماحة المرجع الأعلى السيد السيستاني عام 2003م , فكان الجواب عبارة عن خارطة طريق لكل الأحزاب السياسية الممثلة لجميع المكونات والمنضوية , بالعملية السياسية في العراق , لا بخصوص الوسط الشيعي كما ورد في السؤال . لأن العمل السياسي هو واحد عند الجميع , ويجب أن تراعى الأصول والقواعد التي من الممكن اتباعها اثناء التعاطي مع أي شان سياسي كان .
فبجواب سماحته كشف عن الضابطة الكاملة التي ينبغي أن يضعها الجميع نصب أعينهم كسياسيين , والمعيار الأتم الذي ينبغي اتباعه في العمل السياسي بعد سقوط النظام المقبور . وفي نفس الوقت يتكشف المتتبع المنصف , عن مدى دراية وحنكة المرجعية , وهي تتعاطى مع الشأن السياسي العراقي , والتي فاقت تعاطي أكثر العقول تنظيرا في هذا الحقل , وما بيانها للأطر العامة للعمل السياسي , إلا ّ لدرايتها وعلمها بأدقّ تفاصيل الأمور , وهذا مما لا يخفى .
فلنطالع جواب سماحته لسؤال ــ وكالة أنباء أسوشيتد برس الأمريكية ــ عام 2003م :
ــ سؤال رقم ( 1 ) : \" هل هناك ما ينبغي عمله لتوحيد الصف الشيعي في العراق , خاصة بعد أحداث كربلاء المقدسة مؤخراً ؟ \" .
ــ جواب سماحته رقم ( 1 ) : \" الاختلاف في وجهات النظر , ووجود اتهامات متعددة في الوسط الشيعي , كسائر الأوساط الاخرى حالة طبيعية لا يخشى منها ، والحوار الهادئ بين الاطراف المعينة , هو الاسلوب الأمثل لحل الخلافات ، واحترام الاقلية لرأي الأكثرية , وعدم محاولة الأكثرية للسيطرة على الأقلية والتحكم بهم و هو الأساس الذي يجب ان يراعى في العمل السياسي .. \" .
ــ أسئلة وكالة أنباء أسوشيتد برس الأمريكية .
ــ مكتب السيد السيستاني / النجف الأشرف ــ21 شعبان ــ 1424هـ .
http://www.sistani.org/arabic/archive/242/
ــ من ذلك نفهم أن المرجعية تعتبر الوسط الشيعي , هو كسائر الأوساط الاخرى في المجتمع العراقي , وتوجد فيه الاختلافات في وجهات النظر كغيره , حول مجمل القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية وغيرها , وقد تصل الى تراشق بالاتهامات , فيما بينهم في مجالات شتى , وهو أمر طبيعي يحدث في مجتمع خارج توا ً , من نظام شمولي دكتاتوري لأكثر من ثلاثة عقود من الزمن , ومثقل بأرث قمعي دموي شمل كل نواحي الحياة , ولا ننسى أنه حديث عهد بنظام سياسي ديمقراطي جديد . وبالرغم من تلك الإرهاصات , ألا أن المرجعية اعتبرتها حالة طبيعية لا يُخشى منها , إلا ّ إذا اتُبعت الطرق الثلاثة التي حدّدتها المرجعية , كسبيل لحل كل خلاف , وضمنت أنها الأسلوب الأمثل لذلك , بل الأساس الذي يجب أن يراعى في العمل السياسي .
1 ــ الحوار . هو الاسلوب الأمثل لحل الخلافات بين الاطراف المعنية . والهادئ هي الصفة التي يجب لا يغفل أو يتغافل عنها الجميع .
2 ــ إحترام الاقلية لرأي الأكثرية . وهي اللبنة التي ينبغي يقوم عليها النظام السياسي الديمقراطي الجديد في العراق , وتشير من قرب الى حجوم الكتل السياسية المتفاوتة , والداخلة في اللعبة السياسية . فباحترام الأقلية لرأي ( حـقّ ) الأكثرية , تضمن الاقلية عدم سيطرة الاكثرية عليها أو التحكم بها .
3 ــ عدم محاولة الأكثرية للسيطرة على الأقلية والتحكم بهم . باعتبار أن الأقلية قد ضمنت حقها , بمعرفتها لحجمها وتمثيلها , فعلى الأكثريّة أن تقوم بدورها , فيكون كابح لكل محاولة من شأنها السيطرة على الاقلية أو التحكم بها . والنقطتان ( 1 و 2 ) اعتبرتهما المرجعية , الأساس الذي يجب ان يراعى في العمل السياسي .
إنّ تركيز المرجعيّة الدينية العليا ومنذ ذلك الوقت , على مبادئ هذا الثالوث , يدلنا بالحقيقة على الرعاية الأبويّة الشاملة لها , لكافة مكونات المجتمع العراقي , وبهذا قد أعطت الدواء الناجع لإشكالية الخلاف السياسي المعقدة . إحساسا ً منها وحرصا ً , بحيث لو أسيئ استخدام هذا الدواء , لأنقلب الى داء ولحلّت الكوارث بالعراق وبالعراقيين جميعا ً .
فهذا الثالوث يكبح طغيان الأكثريّة , ويمنع استبداد الأقليّة , ويفعّل الحوار الهادئ البنّاء بين الجميع . وبذلك تُطرد مخاوف ووساوس , من يجد نفسه أقليّة , خشية من أن يُسحق من قبل الأكثريّة , وبنفس الوقت يكبح جماح الأكثرية , من خلال منعه من التسلط واحترامه لمن هو دونه حجما ً.
والناظر الى العراق نظرة عامة منصفة , لا يجد إلا ّ الكوارث وقد حلّت على الوضع العام , حتى شملت جميع مفاصل الدولة فكان مردودها أيضا ً كارثيّة على الشعب العراقي . نتيجة عدم أخذ القوى السياسية والنخبويّة , ومن هم في سدّة الحكم , بتلك النصيحة الربانيّة لهم من قبل المرجعيّة الدينية , بل عملوا بالضدّ منها خلال المسيرة السياسية , فآثروا عليها طرقا ً ملتوية أخرى , بعيدة عن الحوار الهادئ البناء , حتى تغلّبت القيم الحزبية والفئوية والمناطقية وغيرها , وغادروا احترام الحجوم السياسية التي افرزتها نتائج الانتخابات , وأتوا على تحالفات سياسية مقيتة , محكومة بالمصالح والامتيازات الحزبية والكتلويّة , حتى أفرزت المحاصصة السياسية و ( التوافقية ) المقيتة , فصارت الأقليّة أكثريّة تتحكم بزمام الأمور , والأكثرية تنصلت من دورها وحجمها , خشية أن تفقد مواقعها في الدولة حتى صارت أقليّة . فانقلب المعيار وانقلبت معه الأمور , وهذا ما كانت المرجعية تحذّر منه مرارا ً وتكرارا ً والى اليوم ( والى الله المشتكى ) .
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat