صفحة الكاتب : نجاح بيعي

السيستاني والعز الذي فقده السياسيون
نجاح بيعي
 في سؤال وجهته ــ وكالة أنباء أسوشيتد برس الأمريكية ــ لمكتب سماحة المرجع الأعلى السيد السيستاني عام 2003م , فكان الجواب عبارة عن خارطة طريق لكل الأحزاب السياسية الممثلة لجميع المكونات والمنضوية , بالعملية السياسية في العراق , لا بخصوص الوسط الشيعي كما ورد في السؤال . لأن العمل السياسي هو واحد عند الجميع , ويجب أن تراعى الأصول والقواعد التي من الممكن اتباعها اثناء التعاطي مع أي شان سياسي كان .
فبجواب سماحته كشف عن الضابطة الكاملة التي ينبغي أن يضعها الجميع نصب أعينهم كسياسيين , والمعيار الأتم الذي ينبغي اتباعه في العمل السياسي بعد سقوط النظام المقبور . وفي نفس الوقت يتكشف المتتبع المنصف , عن مدى دراية وحنكة المرجعية , وهي تتعاطى مع الشأن السياسي العراقي , والتي فاقت تعاطي أكثر العقول تنظيرا في هذا الحقل , وما بيانها للأطر العامة للعمل السياسي , إلا ّ لدرايتها وعلمها بأدقّ تفاصيل الأمور , وهذا مما لا يخفى . 
فلنطالع جواب سماحته لسؤال ــ وكالة أنباء أسوشيتد برس الأمريكية ــ عام 2003م :
ــ سؤال رقم ( 1 ) : \" هل هناك ما ينبغي عمله لتوحيد الصف الشيعي في العراق , خاصة بعد أحداث كربلاء المقدسة مؤخراً ؟ \" .
ــ جواب سماحته رقم ( 1 ) : \" الاختلاف في وجهات النظر , ووجود اتهامات متعددة في الوسط الشيعي , كسائر الأوساط الاخرى حالة طبيعية لا يخشى منها ، والحوار الهادئ بين الاطراف المعينة , هو الاسلوب الأمثل لحل الخلافات ، واحترام الاقلية لرأي الأكثرية , وعدم محاولة الأكثرية للسيطرة على الأقلية والتحكم بهم و هو الأساس الذي يجب ان يراعى في العمل السياسي .. \" .
ــ أسئلة وكالة أنباء أسوشيتد برس الأمريكية .
ــ مكتب السيد السيستاني / النجف الأشرف ــ21 شعبان ــ 1424هـ .
http://www.sistani.org/arabic/archive/242/
 
ــ من ذلك نفهم أن المرجعية تعتبر الوسط الشيعي , هو كسائر الأوساط الاخرى في المجتمع العراقي , وتوجد فيه الاختلافات في وجهات النظر كغيره , حول مجمل القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية وغيرها , وقد تصل الى تراشق بالاتهامات , فيما بينهم في مجالات شتى , وهو أمر طبيعي يحدث في مجتمع خارج توا ً , من نظام شمولي دكتاتوري لأكثر من ثلاثة عقود من الزمن , ومثقل بأرث قمعي دموي شمل كل نواحي الحياة , ولا ننسى أنه حديث عهد بنظام سياسي ديمقراطي جديد . وبالرغم من تلك الإرهاصات , ألا أن المرجعية اعتبرتها حالة طبيعية لا يُخشى منها , إلا ّ إذا اتُبعت الطرق الثلاثة التي حدّدتها المرجعية , كسبيل لحل كل خلاف , وضمنت أنها الأسلوب الأمثل لذلك , بل الأساس الذي يجب أن يراعى في العمل السياسي . 
1 ــ الحوار . هو الاسلوب الأمثل لحل الخلافات بين الاطراف المعنية . والهادئ هي الصفة التي يجب لا يغفل أو يتغافل عنها الجميع .
2 ــ إحترام الاقلية لرأي الأكثرية . وهي اللبنة التي ينبغي يقوم عليها النظام السياسي الديمقراطي الجديد في العراق , وتشير من قرب الى حجوم الكتل السياسية المتفاوتة , والداخلة في اللعبة السياسية . فباحترام الأقلية لرأي ( حـقّ ) الأكثرية , تضمن الاقلية عدم سيطرة الاكثرية عليها أو التحكم بها .
3 ــ عدم محاولة الأكثرية للسيطرة على الأقلية والتحكم بهم . باعتبار أن الأقلية قد ضمنت حقها , بمعرفتها لحجمها وتمثيلها , فعلى الأكثريّة أن تقوم بدورها , فيكون كابح لكل محاولة من شأنها السيطرة على الاقلية أو التحكم بها . والنقطتان ( 1 و 2 ) اعتبرتهما المرجعية , الأساس الذي يجب ان يراعى في العمل السياسي . 
إنّ تركيز المرجعيّة الدينية العليا ومنذ ذلك الوقت , على مبادئ هذا الثالوث , يدلنا بالحقيقة على الرعاية الأبويّة الشاملة لها , لكافة مكونات المجتمع العراقي , وبهذا قد أعطت الدواء الناجع لإشكالية الخلاف السياسي المعقدة . إحساسا ً منها وحرصا ً , بحيث لو أسيئ استخدام هذا الدواء , لأنقلب الى داء ولحلّت الكوارث بالعراق وبالعراقيين جميعا ً . 
فهذا الثالوث يكبح طغيان الأكثريّة , ويمنع استبداد الأقليّة , ويفعّل الحوار الهادئ البنّاء بين الجميع . وبذلك تُطرد مخاوف ووساوس , من يجد نفسه أقليّة , خشية من أن يُسحق من قبل الأكثريّة , وبنفس الوقت يكبح جماح الأكثرية , من خلال منعه من التسلط واحترامه لمن هو دونه حجما ً.
والناظر الى العراق نظرة عامة منصفة , لا يجد إلا ّ الكوارث وقد حلّت على الوضع العام , حتى شملت جميع مفاصل الدولة فكان مردودها أيضا ً كارثيّة على الشعب العراقي . نتيجة عدم أخذ القوى السياسية والنخبويّة , ومن هم في سدّة الحكم , بتلك النصيحة الربانيّة لهم من قبل المرجعيّة الدينية , بل عملوا بالضدّ منها خلال المسيرة السياسية , فآثروا عليها طرقا ً ملتوية أخرى , بعيدة عن الحوار الهادئ البناء , حتى تغلّبت القيم الحزبية والفئوية والمناطقية وغيرها , وغادروا احترام الحجوم السياسية التي افرزتها نتائج الانتخابات , وأتوا على تحالفات سياسية مقيتة , محكومة بالمصالح والامتيازات الحزبية والكتلويّة , حتى أفرزت المحاصصة السياسية و ( التوافقية ) المقيتة , فصارت الأقليّة أكثريّة تتحكم بزمام الأمور , والأكثرية تنصلت من دورها وحجمها , خشية أن تفقد مواقعها في الدولة حتى صارت أقليّة . فانقلب المعيار وانقلبت معه الأمور , وهذا ما كانت المرجعية تحذّر منه مرارا ً وتكرارا ً والى اليوم ( والى الله المشتكى ) .

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نجاح بيعي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/05/16



كتابة تعليق لموضوع : السيستاني والعز الذي فقده السياسيون
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net