صفحة الكاتب : د . صادق السامرائي

تصنيع الآراء!!
د . صادق السامرائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 

العصر المعلوماتي التواصلي الدفاق ألغى الحدود والمَصدات والمعوقات التفاعلية ما بين الموجودات الأرضية , ففي لحظة مباغتة على أعتاب قرن يتلاشى وآخر يتناهض كالأمواج العاتية , وجدت البشرية نفسها مطلة على جميعها , ومنشغلة بحياكات الشبكات العنكبوتية المتسارعة النسج والإنتاج العولمي المتزاحم الألوان والأشكال والأحجام , وبحركات تنافسية للوصول إلى غايات مجهولة أو مكنونة في دياجير اللاوعي البشري المضغوط بأهوال القرون , وخيبات الأجيال وإندحاراتهم ومقهوراتهم المعتقة بأقبية الكينونات المهدورة.
في هذا العالم الأرضي الجديد , أصبح البشر هدفا سهلا , ومادة أولية يمكن تصنيعها وفقا لأهداف الشركات والقِوى المتحكمة بمصائر الموجودات كافة , فما أسهل صناعة البشر لتحقيق الغايات والتطلعات  المطلوبة أو المرسومة , ذلك أن نظريات السلوك والعلوم النفسية قد تمادت بتعريتها لأليات التفاعل البشري , وتعلمت الكثير من المهارات التي يمكنها أن تسخّر البشر بإرادته الكاملة والقوية المتدفقة , لإنجاز أهداف تعجر عن تحقيقها الجيوش الجرارة في العصور الغابرة.
ووفقا لمعطيات وبرامح محسوبة بدقة ومهارات سلوكية نفسية معززة بالتجارب والأبحاث الرصينة والدراسات المتكررة , يمكن تحويل البشر إلى ما تشاء تلك البرامج والقوالب التي يُصب فيها.
فالدماغ البشري مِطواع ويمكنه أن يتخذ شكل القالب الذي يوضع فيه , عندما تتوفر الآليات الكفيلة بإعادة ترتيب قدراته التواصلية وترابطاته العُصيبية , وبتوفر العوامل المساعدة والظروف اللازمة لإنجاز التفاعل والحصول على النتائج المرجوة.
ولهذا فأن تحويل البشر إلى موجودات مُدمّرة أصبح من أسهل الصناعات وأكثرها رواجا , لأنها تحقق أهدافا وطموحات ما تحققت من قبل , وهذه التطلعات ذات تداعيات خطيرة وقدرات تدميرية فائقة على البشر المُستهدف والمُستخدم للقضاء على وجوده ودوره في الحياة , بعد أن يتم تحويله إلى وباء فتاك على البشرية أن تحترز منه وتعاديه وتسعى لإبادته وتطهير الأرض منه , مثلما تم تطهيرها من الطاعون والجدري والأمراض السارية والمعدية الأخرى.
وهذه الصناعات الشريرة المنافية للقيم والأخلاق والأعراف الأرضية والسماوية , والمتقاطعة مع أبسط مبادئ السلوك الرحيم , وجدت لها أبواقا وأقلاما وإعلاما , ومُسوقين ومروجين ومستثمرين , وفتحت أسواقا مطلقة لمصانع الأسلحة والدمار البشري , وأسهمت بإطلاق المطمورات البشرية السيئة التي حاولت العديد من الشعوب ضبطها وتهذيبها بالقانون والدستور , وإقامة العدل وتحقيق المساواة وحماية حقوق الإنسان وتعزيزها بالتشريعات والنشاطات الرحيمة المتنامية. 
والمعضلة الوخيمة التي تواجهها البشرية أنها أصبحت بلا رأي , وإنما يتم حشو أدمغتها بالآراء المُصنعة وفقا لمواصفات معينة تخدم أهدافا معلومة وخفية , مما يدفعها بإتجاهات حمقاوية مزرية , ستتكلف من جرائها الويلات المتعاقبة والأزمات الفتاكة.
ومن الصعب للحكمة والمنطق أن يجدا لهما دورا في مواجهة الفيضانات الآراءوية , والتفاعلات السيئاتوية الساعية لإذكاء الحروب الجديدة المدججة بمنتوجات العصر الإمحاقية الصاعقة.
وهكذا فأن الآراء تصنّعت وتسيّدت وتمترست في غاياتها وأهدافها , وأصبح البشر بلا موقف أخلاقي , ولا إرادة أو قدرة على تقرير مصيره , وإنما هو موجود مُستلب يتغنى بأوهام الديمقراطية والحرية , وما يحصد سوى المزيد من الحروب والصراعات الدامية.
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . صادق السامرائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/04/24



كتابة تعليق لموضوع : تصنيع الآراء!!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net