صفحة الكاتب : محمد توفيق علاوي

كيفية النهوض بألقطاع الزراعي والتخلص من زيادة ملوحة مياه الأنهار من خلال إنشاء المجلس الأعلى للزراعة والري (2)
محمد توفيق علاوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
تطرقنا في الحلقات السابقة إلى الحاجة لتأسيس هيئة عليا أو مجلس أعلى للزراعة والري، وسنتناول أدناه تركيبة هذا المجلس وأهم الواجبات المنوطة به.
 
أما تركيبته فمن المهم أن يترأسه رئيس مجلس الوزراء، أما أعضاءه فبالحد الأدنى، وزير الزراعة ووزير الري ووزير الصناعة ووزير العلوم والتكنولوجيا ووزير البيئة ووزير التعليم العالي  ومن يمثله (المهم  مشاركة عمداء الكليات الزراعية وكليات هندسة الري) ووزير النفط ووزير البلديات وممثلين عن مجالس المحافظات ورئيس هيئة الإستثمار؛ إن أهمية مشاركة رئيس الوزراء نابعة  من أهمية هذا الملف وخطورة ما يمكن أن يتعرض له مستقبل البلد من من تقلص كبير للموارد المائية مما يحذر منه المختصون بهذا الشأن بسبب زيادة إستهلاك المياه في كل من تركيا وأيران بحيث يؤدي إلى قلة المياه في نهري دجلة والفرات وزيادة ملوحتها بحيث لا يمكن ألإستفاد منهما لسقي المزروعات، وقد تطرقنا في الحلقات السابقة إن هناك (٢٠٨) سد داخل تركيا على نهري دجلة والفرات، وهناك مخطط لإنشاء (٢١٠) سد حيث عند إنتهاء تركيا من إنشاء هذه السدود خلال عشرين عام ستتقلص مياه النهرين من تركيا بمقدار (٩٥٪) وسيتبقى بحدود (٥٪) من المياه الحالية وستزداد ملوحتها بحيث  لا يمكن الإستفادة منها للسقي أو للشرب، ولا يمكن أيقاف تركيا عن الإستمرار بهذا المخطط إلا بمقايضة مياه النهرين بالنفط، حيث يمكن أن يتخلى العراق عن نسبة لا تتجاوز ال ١٠٪ من نفطه قبال إستمرار جريان نهر دجلة والفرات لأنه بخلافه معناه نهاية ما يسمى بالنهرين وببلاد ما بين النهرين بعد عقدين من الزمن، وإن كل سنة تمر من دون أيجاد حل لهذه المشكلة معناه تمادي تركيا في إنشاء السدود وإتساع الأراضي الزراعية في تركيا وتوجه نسبة كبيرة من المجتمع التركي نحو الإستثمار في القطاع الزراعي وصعوبة التراجع عن هذا ألأمر مستقبلاً، لذلك يجب أن يشارك وزير النفط في عضوية هذا المجلس، أما مشاركة وزير العلوم والتكنولوجيا في هذا المجلس فهو نابع من الأبحاث المتطورة في هذه الوزارة التي يمكن أن تتعاون بشكل وثيق مع المهندسين الزراعيين في مجال الهندسة الوراثية وصناعة الجيل الجديد من الفلترات بتقنية (النانو) لتخليص المياه من الأملاح بكلف إقتصادية، أما وزير الصناعة فمسؤوليته تتضمن الدفع بإتجاه القطاع المختلط لإنشاء الصناعات التي تستخدم من قبل القطاع الزراعي من الآلات الثقيلة إلى أجهزة الرش والأسمدة وغيرها فضلاً عن الصناعات التي تعتمد على المنتجات الزراعية والحيوانية..... وهكذا الأمر بالنسبة لباقي الأعضاء، كل في مجال عمله وتخصصه، أما بالنسبة للواجبات المنوطة بهذا المجلس فضلاً عما ذكرنا أعلاه فتتمثل بما يلي:
 
  1-  إنشاء ما لا يقل عن عشرة حقول ومزارع نموذجية وتجريبية في كل محافظة من محافظات العراق، وتوفير فريق من المهندسين الزراعيين وتقنيين مختلفين وأطباء بيطريين وألدعوة لمشاركة خبراء دوليين من المنظمات الدولية في المجال الزراعي وألإتفاق مع مستشارين عالميين من دول العالم المختلفة المتطورة في مجال ألأبحاث الزراعية والإنتاج الحيواني، ككندا وأستراليا وهولندا واليابان والهند،  ودفع مبالغ مجزية لهؤلاء المستشارين لتقديم الدراسات المطلوبة فيما نفتقر إليه، وإجراء تجارب لإنتاج أفضل المحاصيل الزراعية وأكثرها تنوعاً ضمن البيئة العراقية في كل منطقة من نوع التربة وألمياه والمناخ، وتوفير مناهج تدريسية للمزارعين وتوفير أفضل انواع الحبوب وطرق التكثير المختلفة والتسميد والسقي فضلاً عن ألإنتاج الحيواني والعلف الحيواني، وتتولى هذه الفرق الهندسية تصنيف الأراضي الزراعية في كافة المحافظات وتقسيمها وتوزيعها على المزارعين والمهندسين الزراعيين وتقديم المشورة لهم  وألإشراف على هذه المزارع وتقديم تقارير دورية والتنسيق مع المصارف في تقديم قروض ميسرة، كما يتولى المجلس المذكور من خلال هذه التقارير ألإتفاق مع شركات عالمية لإستصلاح الأراضي  على مستوى واسع سواء من خلال هيئة الإستثمار في المشاريع ذات المردود السريع، أو من خلال عقود طويلة الأمد (أكثر من عشر سنوات) كإنشاء غابات لإنتاج ألأخشاب وبعض انواع الزيوت والدهون والأعلاف.
 
2-  تشكيل دائرة تتولى مسؤولية إنشاء وحدات لتنقية المياه من الأملاح بكلف إقتصادية وتوفيرها لمختلف المحاصيل الزراعية وكل صنف ضمن الحدود المسموحة لدرجة الملوحة، حيث هناك عدة طرق لتخليص المياه من الأملاح؛ الطريقة المتعارفة عالمياً وتستخدم على نطاق واسع في بلدان الخليج وبالذات السعودية وألإمارات وهي طريقة التقطير (Destillation) بإستخدام الوقود لتسخين المياه  ثم تكثيفها وتعتبر هذه الطريقة من أكثر الطرق كلفة وهي غير إقتصادية لتوفير مياه السقي، والطريقة الثانية وهي طريقة التناضح العكسي (Reversible Osmosis) – (RO) وهي أرخص من الطريقة الأولى وتستخدم على نطاق واسع  في البحرين ولكنها أيضاً غير إقتصادية لتوفير مياه السقي. هنالك ثلاث طرق بدأ إستخدامها الآن يتسع بشكل كبير لتوفير المياه الخالية من الأملاح بكلف إقتصادية وهي:
 
 
أ) طريقة إستخدام الطاقة الشمسية لتحلية المياه فضلاً عن توفير الكهرباء، حيث بدأت دول مثل الولايات المتحدة وتشيلي والجزائر ومصر والسعودية وألإمارات والكويت والكثير من دول العالم بإستخدام وحدات متطورة بكلف إنتاجية تبلغ أقل من ثلث الكلف ألإنتاجية المتعارفة لتحلية المياه، وإن السعودية ستقوم خلال الأعوام القادمة بإستبدال كافة محطات التحلية القديمة التي تعتمد على الوقود إلى وحدات تعتمد على الطاقة الشمسية ، وستنشأ ألإمارات أكبر محطة في العام لتحلية مياه البحر إعتماداً على الطاقة الشمسية في إمارة رأس الخيمة، وهذه الوحدات تعتمد في الصباح على حرارة الشمس المباشرة، وفي الليل على الطاقة الشمسية المخزنة، لو أنشأت مثل هذه المحطات في العراق لتحلية مياه البزل التي تبلغ نسبة الأملاح فيها (٦٠٠٠) جزء في المليون إلى (٣٠٠٠) جزء في المليون فستكون الكلفة أقل بكثير من كلفة مثيلاتها في بلدان الخليج التي تعتمد على مياه البحر العالية الملوحة لتصفيتها.
 
تحلية المياه الشمس
 
ب) طريقة إستخدام الطاقة الحرارية الأرضية (Geothermal) حيث أن باطن الأرض ذو حرارة عالية جداً وهناك بضعة مناطق في العالم لا تتجاوز ال (١٠٪) من مساحة اليابسة تقترب هذه الحرارة من سطح الأرض، وتقع منطقة شمال العراق وأطراف العراق الشرقية والغربية ضمن هذه المناطق، حيث يمكن إستخدام هذه الطاقة لتحقيق عدة أغراض ومن ضمنها إنتاج الطاقة الكهربائية وتقطير المياه بكلف تشغيلية بسيطة جداً، وقد قام إثنان من العلماء العراقيين بتقديم دراسات كاملة بهذا الشأن للحكومة العراقية ولكن لم يتخذ أي إجراء بهذا الشأن، وبألذات توليد الطاقة الكهربائية، حيث قدم الدكتور قصي الخطيب هذ الدراسة إلى رئاسة الوزراء قبل بضع سنوات، كما قدمها أيضاً الدكتور أحمد علاوي إلى وزارة التعليم العالي قبل أقل من سنتين، ولكن للأسف لم يتخذ أي إجراء فعلي بهذا الشأن لا من مجلس الوزراء ولا من وزارة التعليم العالي، يمكننا تعريف هذه الطريقة بشكل مختصر حيث يتم ضخ الماء إلى أعماق الأرض وهناك يتعرض لحرارة لا تقل عن (١٨٠) درجة مئوية، فيتحول الماء إلى بخار بضغط عالٍ قادر على تشغيل المولدات الكهربائية، وفي نفس الوقت يتم تكثيف البخار فينتج عنه ماء مقطر خالٍ من الأملاح، حيث يتضح أنه بهذه الطريقة يمكن توليد الطاقة الكهربائية وتخليص الماء من الأملاح من دون الحاجة إلى توليد الطاقة إعتماداً على الوقود ذو الكلفة العالية، وإنما ألإستفادة من حرارة الأرض الطبيعية والمجانية، لقد تم إستخدام هذه الطريقة لإستخدامات مختلفة وعلى نطاق واسع جداً من قبل أكثر من (٧٠) دولة حيث منها أكثر (٢٠) دولة من ضمنها تركيا وأيران إستخدموا هذه الطريقة لتوليد الطاقة الكهربائية فضلاً عن دولتين عربيتين بدأوا بإنشاء هذه المشاريع وهما لبنان ومصر  أيضاً لتوليد الطاقة الكهربائية بكلف تشغيلية جداً بسيطة، فضلاً عن ذلك فهناك الكثير من آبار النفط الناضبة والمغلقة في العراق، حيث يمكن إستخدامها بكلف بسيطة من دون حفر، أو مجرد تعميقها، ولكن الأمر يحتاج إلى مبادرة وإقدام وإجراء التجارب، ولكن بشكل عام فإن هناك حوالي عشر دول تستخدم الحرارة الأرضية لتقطير مياه البحر بشكل إقتصادي كألولايات المتحدة والمكسيك واليونان وإسبانيا والجزائر والسعودية والإمارات وعمان وغيرها، ويمكن للعراق إستخدام هذه الطريقة لتحقيق هدفين بآن واحد، توفير ألكهرباء وتنقية المياه من الأملاح .
 
ج) إستخدام فلترات النانو (nanofiltration) حيث إنها طريقة حديثة (اكتشفت في نهاية ثمانينات القرن الماضي) لتخليص المياه من الأملاح بنسبة تتراوح بين ٥٪ إلى ٩٩٪، حيث تمتاز هذه الطريقة بقلة ضغط الماء حيث تحتاج إلى حوالي (٤/١) إلى (١٠/١) ضغط الماء الذي تحتاجه طريقة التناضح العكسي (RO)، لذلك كلفة تنقية المياه بهذه الفلترات أرخص بكثير من طريقة (RO)، كما تعتبر هذه الطريقة مثالية في تنقية المياه ذات الملوحة الواطئة نسبياً كمياه نهر دجلة والفرات وشط العرب والمياه الجوفية في العراق، من المهم أن تتولى الحكومة إستيراد هذا الصنف من الفلترات وإجراء التجارب وتدريب المزارعين في المرحلة الأولى، ثم إنشاء المصانع مع القطاع الخاص لصناعتها في المرحلة الثانية، بكلف إقتصادية وتوزيعها على الفلاحين وتنقية المياه من الأملاح بكلف قد تبلغ أقل من (١٠/١) من مثيلاتها في البحرين على سبيل المثال في تنقية مياه البحر من الأملاح بطريقة التناضح العكسي (RO).
 
 
(تتمة الموضوع في الحلقة القادمة إن شاء ألله)

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد توفيق علاوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/04/23



كتابة تعليق لموضوع : كيفية النهوض بألقطاع الزراعي والتخلص من زيادة ملوحة مياه الأنهار من خلال إنشاء المجلس الأعلى للزراعة والري (2)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net