صفحة الكاتب : محمد المبارك

السفر ثروة
محمد المبارك

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 
ما إن تذكر السفر والمسافرين إلا وتذكر معها الأبيات الني تنسب غالباً (1) للإمام علي ( عليه السلام) والذي يذكر فيها الفوائد الخمس للسفر :-
 
     تغرب عن الأوطان في طلب العلى  .....  وسافر ففي الإسفار خمس فوائد
 
     تفريج هم  ، واكتساب معيشة   .....  وعلم وآداب وصحبة ماجد (2)
 
وهذه فوائد السفر ، ولكن قبل هذا ما هي المستحبات فيه وفي الطريق إليه على من لديه نية السفر :-
 
1- الاستشارة :-
 
بأن لا يتفرد المسافر بالرأي في أموره ، فعن أبي عبدا لله الصادق (ع) قال : (قال لقمان لابنه إذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتهم في أمرك وأمورهم ، وأكثر التبسم في وجوههم )(3).
 
2- الرفقة :-
 
فمن المنهي عنه أن يسافر الرجل وحده ، قال النبي الأعظم ( صلى الله عليه واله وسلم )( الثلاثة نفر)(4).
 
3- أن يقضي المسافر دينه ويرد المظالم والودائع.
 
4- الصدقة :-
 
من الآداب والمستحبات المؤكدة ، الصدقة لحفظ المسافر ، فقد قال الإمام الصادق (ع)( تصدق وأخرج أي يوم شئت)(5).
 
والسفر كله خير وثروة في أوله وآخره في الصغر والكبر حتى قال فيه القائلون وتكلم فيه المتكلمون ، فهذا فرانسيس بيكون (6) يقول ( السفر في الصغر جزء من التعلم وفي الكبر جزء من الخبرة)(7).
 
ويقول توماس فولر (8)( السفر يجعل الإنسان الحكيم أفضل )(9).
 
وأخيرا يقول العرب (السفر يسفر عن أخلاق الرجال )(10).
 
فعلى ضوء هذه الأحاديث والروايات والأقوال صارت لنا سفريات شتى أغلبها في وطننا العربي الفسيح ، نسافر إليه لغايات وأهداف عدة من أهمها سبر أغواره والاطلاع على طبيعته وتراثه والأماكن المقدسة فيه ، فقد شددت الرحال في أواخر شهر ربيع الأول من هذه السنة الهجرية سبع وثلاثون وثلاثمائة وألف إلى ( أم الدنيا) جمهورية مصر العربية بعد أن كنت أتمنى السفر إلى هناك ، وقد كانت السفرة بصحة اثنين من الأصدقاء وزملاء المهنة ( معلمين) وهي زيارتي الأولى لهذه البلد الموغلة في العلم والمعرفة والحضارة.
 
وأما أن وصلنا إلى مطار القاهرة الدولي إلا وتقابلنا الآية الكريمة ( أدخلوها بسلام آمنين)، فتفاءلت خيرا بهذه الآية الشريفة.
 
فعلاً بعد دخول البلاد والبقاء هناك لعدة أيام رأيت الصورة الحقيقية لمصر وشعبها الطيبين وكيف أن الأفلام السينمائية لا تعكس الصورة الواقعية لشعب مصر ، ففي الأفلام هناك الأجرام والمخدرات والعصابات وليس هناك شيء من ذلك على أرض الواقع فهم طيبون ومسالمون.
 
وما لفت نظري هو تعدد الطبقات الدينية والسياسية والتيارات فهناك المسلم والمسيحي والسلفي والأخواني والعلماني .. الخ.
 
وكما هم البشر كيف هم متشعبون فكذلك ثقافتهم واسعة ومتنوعة فالكتب والمكتبات منتشرة بشكل كبير وملحوظ والمقامات الدينية والمساجد والأضرحة للأولياء الصالحين ، فقد زرنا مسجد ومقام الإمام الحسين ( عليه السلام) والسيدة زينب ( عليها السلام) والسيدة نفيسة ( عليها السلام) والسيدة فاطمة النبوية ( عليها السلام) وهي من سلالة الإمام الحسين ( ع) وتلقب بأم اليتامى ، والحقيقة أننا لم نكن نعرفها أو نعرف مقامها ولكن سبحان من قيض لنا مَن عرّفنا بها من دون سابق علم ولا معرفة ، حيث كنا في زيارة لمقام السيدة زينب ( ع) وإذ بثلاثة نفر جاءوا إلينا وسلموا علينا بحرارة بالغة وكأنهم على معرفة بنا منذ مدة وقالوا لنا بعد ثلاث ليال الاحتفال بمولد السيدة فاطمة النبوية فتعالوا إلى هناك بعد أن أخبرونا بالموقع والمكان ، وفعلاً تمت الزيارة ولكن لشدة الزحام وطريقة الحفل التي لم نعتاد عليها اضطررنا للخروج والمغادرة سريعاً.
 
وأما المكتبات فحدث ولا حرج والكثير منها يقع بالقرب من الجامع الأزهر وعند مقام الأمام الحسين (ع) وهناك عدد من الأكشاش ( قرابة الأربعين) تقع فيما يسمى بسوق الأزبكية وبقربه سوق العتبة تحت ( الكوبري) المؤدي إلى حي الحسين(ع).
 
ولفت نظري ما يميز الكتب في مصر إذ أنها في الغالب تباع بأسعار زهيدة أذا ما قورنت بما عندنا في الخليج ولاسيما في السعودية.
 
ولم أسمح لنفسي بالخروج من مصر حتى ألقي نظرة على أماكنها الترفيهية والتاريخية فاستأجرنا ( تاكسي) ليأخذنا إلى نهر النيل حيث مياهه البراقة عندما تتعامد الشمس عليها ، ونزلنا بالقرب منه لنفوز ببعض لحظات التأمل والسكون ، ومنه إلى المتحف الوطني المصري حيث يتمثل أمام ناظريك العصر الفرعوني بشخوصه والمومياء وآلات ذلك العصر حتى دخلنا إحدى الغرف لنرى ( رمسيس الثاني) ممدد وقد جعله الله تعالى عبرة وآية لمن خلفه.
 
خرجنا من المتحف لتطوي بنا السيارة المسافة لنصل إلى ( الجيزة) حيث الأهرامات التي تعتبر من عجائب الدنيا السبع القديمة ، وأما أن وصلنا حتى ركبنا ( الحنطور) حيث أخذ السائق يتكلم عن تاريخ الأهرامات الثلاثة ( خوفو – خفرع – منقرع) وعن ( أبو الهول) وتاريخ هذه الحضارة بشكل عام.
 
بعد هذه الجولة عند الأهرامات والاستمتاع فيها وبها ، أخذنا جولة في اليوم التالي على بعض المعالم المصرية الأخرى فقصدنا بعض الأسواق الشعبية ثم تحولنا إلى الجامع الأزهر لنلقي نظرة على زخارفه وأعمدته ومعالمه وبعض الطلبة ، وكان معنا جنب إلى جنب سياح آخرون من جنسيات مختلفة يلتقطون بعض الصور التذكارية.  
 
انطوت الأيام الثمانية سريعاً لنكر عائدين إلى الوطن بعد قضاء هذه المدة في رحاب وربوع مصر الحبيبة.
 
بعد شهر تقريبا من المجيء من مصر حزمت أمتعتي قاصدا إلى ( الجمهورية العراقية ) وهي ليست المرة الأولى التي أزور فيها العراق كمصر بل هي المرة الخامسة بعد أن كانت الزيارة الأولى عام 1398هـ ، أي قبل ما يقارب التسع والثلاثين عاما.
 
والزيارة الرابعة هي التي كانت قبل هذه السنة العام الماضي سنة ست وثلاثون وثلاثمائة وألف.
 
وفي وجهة نظري أن العراق لا تختلف كثيرا عن مصر في كثير من الأمور فكلاهما يحظى بشعب طيب وإن كان الشعب العراقي حاد المزاج إلى حد ما ولكن لا يلامون بسبب الظروف السياسية التي عصفت بالبلاد ، وكلا الجمهوريتين يحظى بآثار إسلامية كثيرة وأن كانت ربما العراق تفوق مصر في ذلك ، وكذلك كلاهما يحمل في طيات نفوس وقلوب وعقول مواطنيه الثقافة والاطلاع الواسع.
 
ونرجع إلى أسباب الزيارة للعراق فمعلوم لكل قاصٍ ودانٍ أن من يوالي محمد وآله الطاهرين إنما يذهب للعراق لزيارة الأئمة الطاهرين هناك ، فأول ما ذهبنا سواء العام الماضي أو هذه السنة حططنا رحالنا عند الأمير (عليه السلام) في النجف الأشرف وكانت مدة الإقامة ثلاث أيام تقريبا زرنا خلالها المرقد الطاهر له (ع) ومقبرة الغري التي تضم مرقدي النبيين هود وصالح ( عليهما السلام) وكثير من العلماء الأعلام وعامة المؤمنين من دول إسلامية شتى وهي تعد من أكابر المقابر في العالم.
 
وتشرفنا بالسلام على سماحة المرجع الديني الكبير السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله) وزرنا مسجد الكوفة ومسجد السهلة وغيرها من الآثار والمراقد.
 
كما وتشرفنا بالصلاة خلف المرجع الديني الكبير الشيخ بشير النجفي واستمعنا إلى إحدى محاضراته القيمة.
 
وللأسف لم يتسع بنا المقام والوقت لنلتقي ببقية المراجع الكرام كالسيد محمد سعيد الحكيم والشيخ محمد إسحاق الفياض ( أعلى الله درجاتهما).
 
وأما لو تكلمنا عن الكتب المكتبات في العراق فأيضاً حدث ولا حرج ففي العام الماضي كنت قد اصطحبت معي كتابي الأخير ( أطياف فكرية) وأهديته مجموعة من المكتبات وعلى رأسها (مكتبة العتبة العلوية ) و( مكتبة العتبة الحسينية) و ( مكتبة الإمام الحكيم العامة) والتي التقيت فيها بالباحث الكبير الدكتور محمد سعيد الطريحي فتبادلنا خلالها الأحاديث ذات الاهتمام المشترك.
 
وكذلك ( مكتبة الإمام الحسن العامة) والتقيت فيها بمديرها سماحة الشيخ مهدي ابن العلامة الشيخ باقر شريف القرشي (قدس سره) وقد استقبلنا الشيخ مهدي بكل حفاوة واطلعنا على محتويات المكتبة وزرنا خلال الجولة قبر سماحة الشيخ باقر( رحمه الله).
 
وفي هذه السنة خطت بنا أقدامنا عند سوق الحويش ويسمى أيضا محلة الحويش لنرى هناك معقل من معاقل الكتب والمكتبات والثقافة ولننهل منه ما لذ وطاب من المعارف بصحبة أحد طلبة العلوم الدينية.  
 
وبعد أن قضينا ما يقارب الثلاثة أيام في النجف الأشرف شددنا الرحال إلى سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين ( عليه السلام) وأخيه أبي الفضل العباس ( عليه السلام) إلى كربلاء المقدسة التي ما إن تصلها إلا وتشعر بالعبرة ويتراءى لك أن الإمام الحسين (ع) قد استشهد الساعة.
 
نزلنا وسكنّا بفندق قريب وشبه مجاور لمقام أبي الفضل العباس (ع) وما هي إلا سويعات بعدها هرعنا لزيارة الإمام صلوات الله عليه وأخيه (ع) بعد اليوم الثاني من استقرارنا في كربلاء ركبنا متجهين إلى بغداد لزيارة الإمامين الهمامين ، الإمام موسى الكاظم ( عليه السلام) والإمام محمد الجواد ( عليه السلام). ولم نقضِ تلك المدة الطويلة فما هي إلا نهارية أو أقل ولا أنسى أننا تشرفنا فيها بالسلام على علم من أعلام الطائفة ألا وهو الشيخ المفيد أعلى الله في الجنان مقامه ، ومن ثمّ ودّعنا بغداد ورجعنا إلى كربلاء المقدسة حيث أتممنا زيارة بقية المقامات أو أكثرها ، فمن الأماكن والمقامات التي تمت زيارتها مقام الإمام الصادق ( عليه السلام) ومقام الإمام الحجة ( عج) والسيدة شريفة بنت الإمام الحسن ( عليها السلام) والقاسم ابن الإمام الكاظم ( عليه السلام) والحمزة أبو يعلى ابن العباس بن علي بن أبي طالب ( عليه السلام) وأبناء مسلم بن عقيل عليهم الرضوان وعون بن عبد الله بن جعفر ( رض) وكذلك التل الزينبي والمخيم الحسيني وموضع مقتل علي الأكبر وعبد الله الرضيع.( عليهما السلام)، وغيرها من المزارات والمقامات الشريفة.
 
وختمنا هذه الجولة بالوقوف عند شط الفرات الذي يمثل ويذكر بفاجعة عطش المولى أبي عبدالله الحسين (ع) وصحبه الأخيار.
 
وقبل أن تنقضي التسعة أيام وهي مدة الزيارة للعراق بيوم أو يومين تجولنا في أسواقها العريقة ورأيت رغم الأوضاع الاقتصادية المؤلمة إلا أنها بدت فيها الكثير من البضائع المتنوعة من المحلية والمستوردة وهي أفضل بكثير من بعض الأسواق في البلدان الأخرى.
 
تبضعت منها وتزودت حاملاً ما وقعت عليه يدي كهدايا تذكارية من هذا البلد الذي كثيراً ما أحن للعودة إليه.
 
في اليوم الأخير من الزيارة ذهبت إلى المولى أبي عبدالله وأخيه أبي الفضل مودعاً ، بعدها حزمت أمتعتي استعداداً للمغادرة آملاً العودة مرات أخرى.  
 
 
 
(1)- لأن هناك من ينسب هذه الأبيات للإمام الشافعي وهي موجودة في الديوان المنسوب إليه ، ص 56، من جمع وشرح الأستاذ نعيم زرزور وطباعة دار الكتب العلمية ببيروت.
 
(2)- ديوان الإمام علي (ع) ص 63 – جمع وشرح : نعيم زرزور – دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان.
 
(3)- الصدوق ، الشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين – من لا يحضره الفقيه ج 2 ص 236 ح1 ب ، آداب السفر – ط\ 2 – 1413هـ - 1992م – دار الأضواء ، بيروت \ لبنان.
 
(4)- أحكام السفر وآدابه لآية الله المحقق الشيخ جعفر السبحاني ، ص 397 نقلا عن مسند أحمد.
 
(5)- العاملي ، الإمام الشيخ محمد بن الحسن الحر – وسائل الشيعة ج 8 ص 272ب 15 ح1 – ط\ 6 ، 1412هـ - 1991م – دار إحياء التراث العربي – بيروت \ لبنان.
 
(6) – فرانسيس بيكون : ( 22 يناير 1561م - 9 أبريل 1626م) ،  فيلسوف ورجل دولة وكاتب إنجليزي، معروف بقيادته للثورة العلمية عن طريق فلسفته الجديدة القائمة على " الملاحظة والتجريب ". 
 
(7) – موسوعة المسافر الالكترونية.
 
(8)- توماس فولر : ( 1777م – 13 مارس 1843م) من ديفون في انجلترا ،  كان مخترع وعالم رياضيات ، حصل عام 1828م على براءة اختراع احدث نظام للتدفئة المركزية ( الموسوعة الحرة على الانترنت )( ويكيبيديا).
 
(9) – موسوعة السفر الالكترونية.
 
(10)- السفر آداب وأحكام – شبكة الألوكة على الانترنت.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد المبارك
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/04/08



كتابة تعليق لموضوع : السفر ثروة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net