صفحة الكاتب : رضي فاهم الكندي

على خطى الإصلاح الحقيقي
رضي فاهم الكندي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

  جاءَ بمليء إرادتِه ليختار ، وَعدوهُ بمستقبلٍ واعد ، وبصوتِه الماسي سيعانقُ الحورَ العين وبه تُفتحُ أبوابُ الجنان ، ومع مرور الزمن وتسارعِ الأحداثِ أُميطَ اللثامِ عن وجه الحقيقةِ فإذا بها عاريةٌ عن الصحة ؛ فالأغلالُ ذات الأغلال والقيودُ لازالت تفرضُ وجودَها بقوةٍ تكبلُ صوت الحقيقة ، مشهد مؤلمٌ أن تكون هكذا نهاية تأريخنا .

 
     سعى العراقيون بعنفوان الشباب صغيرُهم وكبيرُهم يسيرون بحذرٍ بين الموتى ليُعبِّروا عن فرحتهم بزوال كابوسٍ لطالما جثمَ على صدورهم عقودًا من الزمن ، ليقولوا كلمتَهم عبر صناديق الاقتراع ، لأنها أولُ تجربةٍ أثبتت وجودَ الذات بعد أن طُمِرت حيةً في حضيرةِ الجياع ، ولأنها أول ممارسةٍ لاحتْ لنا في الأفق كأحلام اليقظة في زمن الظلام ، ولأنها أولُ وجودٍ اشرأبت له الأعناقُ لتلتحقَ بالأحياء تحت مظلة ما يسمى ( الحرية وحقوق الإنسان ) .
 
    هكذا هو المشهد وهكذا هي الصورة القاسية ، فصوتُك أغلى من الذهب ، اشدد حيازيمك لتدلو به وتنتخب ، أدخلِ السرورَ على أيتامِ آل محمد ، و تزدادُ الأصواتُ في صناديقِ الاقتراع وتزداد معها مآسينا ألماً وافتراعًا نحو الألمِ ولو بعد حين ، لتفرزَ تكتلاتٍ لكتلٍ غلبت ضخامة الأسماء فيها على مصداقيةِ الموقف و مسؤولية الكلمة الصادقة ، تُدار من أشخاصٍ لا يزيدون على أصابعِ اليد الواحدة ، يتحكمونَ بمقدراتِ شعبٍ بأكمله ، بينما تغفو عبراتُ الأيتام تحتضُنها آهاتُ الثكالى على أرصفةِ وادي الذئاب ونحن في غقلةٍ ساهون ، وكلٌ منا لسانُ حاله يقول : ما أردناهؤلاء إنما منحنا ثقتنا بأصواتنا لغيرهم فكيف تربعَ هؤلاء على سدَّة الحكم و التحكم ؟؟؟ .
 
  هذه سُنَّةُ ( الحرية ) التي زحفت إلينا في ليالي الشتاء القارصة من وراء الجدران ، بائسةٌ هي إذ لم يُحتفَ بها كما ينبغي لها أن تكون ، حتى أمست ( حريتُهم ) غريبةً في بلادٍ تعطَّشَ لطعم الحرية وقضى سنيِّ عمره يحلمُ بطيفها أن يلامس آمال شعبٍ لم يقضِ منها وطرا .  
 
    قالوا لنا : هل فكرتَ يومًا أن تختار ؟ هل أُتيحَ لك أن تخُط بـ( نعم ) أو ( لا ) ؟ ها قد جاءتك فرصةُ الحياة ، اختر بها مَن تشاء ومن تريد ، لكن لا تتفاجأ إذا ما علمتَ أن الأمرَ محسومٌ لرؤساء الكتل ، هؤلاء هم مَن يعرفون كيف يطبخون طبختَهم الباهتةَ على نارٍ هادئة ، مُزجتْ في قدورها آلامٌ و آمال .
 
   هؤلاء حكموا علينا بالموت السريري ، فأيُّ معنى لاختيارنا و نحن لانرى مَن أردناه يمارسُ دورَه في تمثيلنا حقَّ تمثيل وإنما هو حِكرٌ رهنوه بإشارةٍ من رؤساء الكتل ، وكأننا كنا هناك ولم نكن ، كنا ضمأى على أعتاب الحريةِ المزعومة علنا نرتشفُ منها ما يبرِّدُ غليلَنا ، ولم نكن نعلمُ أننا نحومُ في حلقةٍ مفرَغة ، إذ لا تُرفع الأيادي و تُخفضُ إلا بإذنٍ من هؤلاء ، حريةٌ نَصبتْ نعشَها قبل موتها .
 
    قانون انتخابي فصلوهُ على مقاساتِ نزواتِهم و رغباتِهم ،حتى يستوعب طموحَهم المستشري و يتوافق مع سمَرهم في ليالي ألف ليلةٍ و ليلة ، فالمقاعدُ محجوزةٌ ولامكان فيها لمن يحاولُ أن يخالف هذا القانون الانتخابي ، نعم لك الحق أن تنتخبَ ولكن مهما فعلتَ فحصةُ الأسدِ من كعكةِ ميلاد الحريةِ الجديدة معلومةٌ سلفاً لمن سيؤولُ مصيرُها وأين مستقرَها ومثواها الأخير ، فقراراتُ الشعوب لاتصنعُها عقولُهم إنما تأتيهم جاهزةً بعد أن حاكتها أصابعٌ خفية في دهاليزٍ مظلمة حتى أتقنوا صنعَها .
 
    من هنا يبدأ الإصلاح الحقيقي ، إصلاحٌ يوغلٌ بعمق في مستنقع الفساد ليرقع مايستطيع ترقيعه من قوانينَ فاسدةٍ متهرئةٍ ألبسوُها ثوبَ التطور و مواكبةِ الحداثة ، وهي في حقيقتها ما هي إلا نمطٌ من أنماط الديكتاتوريةِ وتكرِّسُ لبقائها و ديمومتِها ، فما قيمةُ إصلاحٍ تتغيرُ فيه الوجوه لتلبسَ نفس الأقنعة التي سرقتْ قوتَ الشعب و مصَّت دماءَ الفقراء ، فهناك مَن يحومُ حول دائرةِ الإصلاح حتى يعود لنقطةِ البداية ، وهناك من يعرفُ من أين تؤكلُ الكتف حتى إذا أُصلحت القوانين التي أفرزت الفساد بدأت مسيرة الإصلاح بخطىً ثابتةٍ ، وإلا عدنا إلى المربع الأول .    

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


رضي فاهم الكندي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/04/08



كتابة تعليق لموضوع : على خطى الإصلاح الحقيقي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net