صفحة الكاتب : هادي جلو مرعي

اليمن التعيس جدا
هادي جلو مرعي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 طوال العقود الأربعة التي تجاوزتها بإمتياز من عمري لم ألحظ من صورة اليمن سوى القتامة والحزن كما هو حال العديد من البلدان العربية التي مزقتها الحروب والحصارات والحماقات، بإستثناء بعض تلك التي نشأت مع النفط، ولاصلة لها بالحضارات القديمة، بل هي نتاج حضارة البترول وستزول معه حتما.
 
    قيل عن اليمن، إنه السعيد، وكلما سمعت بالسعيد رأيت التعيس، ولكني فهمت فيما بعد إن السعادة نوع من الإستهلاك، وخدر يصيب الدماغ مؤقتا بتأثير القات الذي أقضمه عند كل ظهيرة منذ عودني أجدادي عليه، فليس من سعادة، ونسبة البطالة ترتفع، والدخل السنوي يهبط رويدا، والمياه تنضب، والمنابع تجف، والأمطار تقل، والمساحات الخضراء تتقلص، والحكومات المتوالية تتملص من إلتزاماتها البسيطة! فكيف بتلك التي فيها قدر من التعقيد، ولايعود من وسيلة للتخلص من ضغوطات الناس العاديين المطالبين بالخبز والحرية والعمل والكرامة سوى الإحتيال والإفلات من المساءلة والصراخ.
 
    وحتى مع الثورة في شارع ستين، أو سبعين، وبرغم حراك الجنوب، وصمود الشمال في مقابل المطالب الكثيرة، وضياع الوسط، ونمو القاعدة وداعش، والتظاهرات التي أطاحت برئيس مضى، وغياب رئيس حاضر في الصورة، غائب في الميدان فإن شيئا لم يتغير، ولم يتبدل، ولم يتحول، واليمن هو هو ما بين حروب الجوار، ونزاع الأخوة الأعداء، وأحلام الإستقلال، وإستراتيجيات الدول الخائفة من شعب خائف من حاضره ومستقبله، ويبحث عن الهدوء والسكينة.
 
    الشعب اليمني يواجه صراعا مريرا بين إرادات إقليمية ودولية، وصراعات محلية تتقاذفه يمنة ويسرة، ولايعرف السبيل الى الخلاص منها، وتكاد مطالب الجوار تكون أكبر من طاقته على التحمل وعلى تلبيتها حتى، ثم إن الصراع بين الأفرقاء في الداخل يسحب المناطق والقبائل الى زوايا ضيقة لتكون وسيلة وأداة صراع، وضحية له في ذات الوقت، فالحرب المستمرة منذ أشهر دمرت كل شئ هناك، بينما المجاعة تضرب أنحاء البلاد، والمرض ينهش الأجساد والأرواح، ولايبدو من تردد ولارحمة، أو تفكير بعذابات الضحايا وجوعهم ومرضهم، مع إصرار غريب من الجميع على دوام الحرب وإستمرار مجازرها، وغياب أفق الحل حيث يتوقف كل شئ على عتبات الموت اليومي والمجاني.
 
    أي تعاسة تلك التي تطبع حياة الناس وتداهمهم في بيوتهم، وهم لايرون في النهار سوى الطائرات تحوم لتقذف الموت، بينما يدلهم الليل بلانور، ولاكهرباء، وليس سوى أصوات تلك القاذفات تعود من ساعة لأخرى لترمي قنابلها على البيوت والمعسكرات والمستشفيات، وكل شئ تتوفر فيه الحركة.
 
    إنه اليمن الأكثر تعاسة.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


هادي جلو مرعي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/04/02



كتابة تعليق لموضوع : اليمن التعيس جدا
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net