صفحة الكاتب : حميد الموسوي

اكيتو قرين الشمس
حميد الموسوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 صحيح ان نيسان يغمر العالم كله بربيعه الندي ... يفرش وجه الارض كل عام بالرياحين والورود ويملأ الاجواء بأريج الطيوب وعبقها، لكنه في العراق نيسان اخر، له تفرده وله خصوصيته مثله مثل كل خصوصيات العراقيين التي تفردوا بها. فللعراقيين مع نيسان موعد ... لا بل مواعيد ... ذكريات وشجون.
نيسان العراقي شهد ولادة اعرق حضارة في تاريخ البشرية: حضارة وادي الرافدين التي حمل الاشوريون على عواتقهم اعباء شموخها وازدهارها تجسدت بقيام امبراطورية مترامية الاطراف، امتدت لتشمل وادي الهلال الخصيب من اقصى شآمه الى ادنى خليجه لاقوى وابرز امبراطورية متحضرة استطاع التاريخ ان يسجل بعضا من مآثرها، ويحظى بالنزر اليسير من ابداعاتها. وكيف يتسنى للتاريخ الالمام بتشعب مفرداتها والاحاطة بمجمل نشاطها واحصاء نتاجها المتعدد الغزير وقد سبقته بسبعة الاف سنة. فلولا انها تحدت الامبراطوريات المتعاقبة -البائدة والمنقرضة- بما تمتلكه من ثوابت الاصول ورسوخ الهوية وشموخ المعالم حتى يومنا هذا لمر عليها التاريخ مرور الكرام ولذكرها باقتضاب مع ما يذكره من منقرض الامم والحضارات وسالف الممالك التي سادت ثم بادت، لكن التاريخ -وبنظرة المنصف- لا يملك الا ان يقف اجلالا وتعظيما لكل الجهود الجبارة التي شادت اركان هذه الصروح، ولكل العقول التي ابتكرت الحرف والكتابة، ولكل الذهنيات التي سنت هذه القوانين والدساتير الراقية التي سبقت عصرها، وابدعت هذه الاصناف المتنوعة من الفنون والاداب بحذاقة وحرفة الفنان الماهر والاديب المرهف:
من مكتبات تضم الوف الالواح والرقم والاختام، الى مسلات سطرت عليها ابرز فقرات قوانين الحياة العامة وتنظيماتها، الى قلاع وزقورات واسوار دفاعية وتحصينات تحتضن المدن والقصور والمعابد المنحوتة بعمران فريد كأبدع ما وصلت اليه الريازة والزخرفة المعمارية، الى قنوات ارواء وسقي، ومعابر ومنحوتات ونصب وتماثيل ومصوغات ذهبية وفضية مطعمة باثمن واندر الاحجار الكريمة، الى ابواب وشرفات ولوحات خشبية محفورة ومنقوشة ومزججة تعجز عن مظاهاتها ادق الالات والخبرات العصرية، الى متاريس واسلحة دفاعية وهجومية تناسبت ومكانة دولة امبراطورية بهذا الرقي والاتساع لغرض حمايتها من اطماع الطامعين والحاسدين، ولرد هجمات البرارة والمتوحشين.
وامبراطورية بهذا الوصف الرائع، ودولة بهذا التنظيم المذهل من الطبيعي ان يشهد نيسان ولادتها، وان يؤرخ باعتزاز مسارها وترعرعها ونضوجها، ويتشرف بحمل بداية تقويمها السنوي و"روزنامتها اليومية".
وها هي اعمدة التاريخ تتهاوى، فسبعون قرنا من عمر الخليقة ذابت كما تذوب حبة الملح بين طيات امواج الفرات ولم يذب بعد حرف مسماري من مسلة اشور!. سبعة الاف "روزنامة" شطبت وطواها النسيان ولم تزل تحف الاشوريين العراقية تتربع على عروش متاحف العالم وتزين الاماكن والقاعات والجدران مبهرة العقول ومسمرة الابصار، مذكرة العالم بأن "اكيتو" يدور مع الافلاك يشرق مع الشموس، يتلألأ مع النجوم، ويسطع مع الأهلّة والاقمار.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حميد الموسوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/04/01



كتابة تعليق لموضوع : اكيتو قرين الشمس
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net