صفحة الكاتب : صلاح عبد المهدي الحلو

قراءة في تجربة هنري لنك الروحية.
صلاح عبد المهدي الحلو
 (العودةُ إلى الإيمان) كتابٌ يجب أن يُقرأ, وددتُ لو أن هذا الجيل الصاعد من شباب اليوم قلَّب أوراقه,وقرأ سطوره ,فربما يجد فيه ضالته ,لأنه يحكي عن ثلاث قضايا رئيسة تهمهم ,وتشكل هماً فكرياً مشتركا لكل من تؤرقه هذه الأمور الثلاث:-
1- المثل الأعلى الذي يمثل عقيدةً ما ,ثم يجده المعتقِد إنساناً غير ملتزم.
2- علاقة العلم مع الدين,هل هي علاقة وئامٍ أم تضاد؟
3- أثر العقيدة في تكوين البناء النفسي للإنسان.
وإنما اخترت هذا الكتاب من دون غيره من الكتب لأنَّ مؤلفه طبيبٌ , ولأنه صاحب اختصاص ,ولأنه طبع اكثر من اربعين طبعة ,كانت أولاها في ثلاثينات القرن المنصرم ,وآخرها في سنة 2007.
4- انه - وللأسف الشديد - وأقولها بمرارة,ان كثيراً من القوم لو قلت لهم يقول جعفر الصادق عليه السلام ,فإنهم يعتبرونك متخلفاً حتى قبل أن يسمعوا القول,ولكنك لو جئت بمقولة لغاندي ,او انشتاين,فانهم يرضونها,لذا كان لزاماً عليَّ أن أسير على مايريدون للنصفة والقاء الحجة.
النقطة الاولى :- كثيراً مايذكرُ شباب اليوم أن من أسباب ابتعادهم عن الدِّين هو نفورهم من رجل الدين - القدوة أو المثل - ولقد كان هذا الامر سبباً في كسر الدين المسيحي في نفوس معتنقيه ,لما رأوا من رجال الكنيسة كل قبيحٍ فكري وأخلاقي, وفي عهدنا القريب رأينا كيف أن أنتوني فلو فرَّ من المسيحية بسبب الكنيسة ورجالها ,ولكنه رجع الى الله تعالى عن طريق العقل,وسنرى ان د.هنري لنك فرَّ من المسيحية بسبب العلاقة الفاضحة بين رئيس الكلية الدينية التي يدرس فيها وإحدى الراهبات ص20,مما أجج الشكوك في داخله ,وأرهق ذهنه المكدود بالبحث والتحري.
ولكنه عاد الى الدين بعد ان عرف المزايا الصحيحة للدين المسيحي ,لا ما لقنه له رجالات الكنيسة.
من حقنا هنا أن نسأل الملحدين والعلمانيين والمشككين وغيرهم ,إذا كان سبب نفوركم من الدين هم رجال الدين انفسهم كما تدَّعون ,هل سألتم أنفسكم إن كان هؤلاء الرجال يمثلون الدين تمثيلاً صحيحا؟ اليس من المفترض انهم كانوا يُتاجرون باسم الدين؟
يُنقل انه في خمسينيات القرن المنصرم جاءوا بمعممٍ سارق - أمسكوا به متلبساً بجريمة السرقة - الى زعيم حوزة قم آية الله العظمى السيد البروجردي ,والناس متعجبون من هذه الحادثة ,وينتظرون ردة فعل المرجع الديني الاعلى, فما كان من السيد الا أنه ابتسم قائلاً :- هذا ليس معمماً, هذا سارق,وأول ماسرق العمامة ,وكانت تجارته بيع مظاهر التدين على الناس لخداعهم.
فلعلَّكم صادفتم سُرَّاقاً معممين ,اول ماسرقوا الدين,ولم تلتقوا برجالِ تدينٍ وعقيدة.
على ان هذا ليس بعذر ,فهاهو الدكتور هنري لنك,والفيلسوف انتوني فلو لم يقعا تحت هذا التأثير,وفي هذا تكذيبٌ لرأي الفيلسوف الفرنسي غوستاف لوبون الذي يرى أن العوامل الخارجية والداخلية ,ومنها (المثل الاعلى) لها علاقة في تبني الانسان مكرهاً ,وتحت تأثيرها - في حالة غيبة النفس عن شعورها عقيدةً معينة,وبالتالي - مادام الانسان لاخيار له في اتخاذ أي عقيدة- يستوي عند لوبون أن يكون الانسان معتقداً بوجود الله أو غير معتقد, لانه محكوم للعوامل الداخلية والخارجية ,ومنها (المثل الاعلى) ,وهذا الكلام -لو صحَّ- فهو في خصوص الاطفال والطلاب صغار السنِّ والبلهاء والمجانين,أما في حق المثقفين والعلماء فلا.
ثم ,لماذا لا يدرس هؤلاء - المتنفرون عن الدين بسبب رجاله - الدين نفسه, بقدر ماتسع له خبرتهم وعمقهم الفكري, حتماً سيصلون الى أحقية هذا الدين وسماحة هذه الشريعة - ومن ثَّم - إذا أحسنو تطبيق قاعدة اعرف الرجال بالحق ولاتعرف الحق بالرجال - سيعرفون رجاله الحقيقين ولن يقعوا في فخ التناقض بين سلوكيات رجال الدين ,وتعاليم الدين الحق.
النقطة الثانية:- يقول الدكتور هنري لنك (كنتُ قديماً مؤمناً بدور العلوم الطبيعية وأهميتها في الحياة,ورفع قدرها على كل شيء,ومن ثَّم رفض المعطيات الدينية على اطلاقها) ص19.
طبعاً كلامه هذا كان في عهد إلحاده ,والحق ,انه لاتناقض بين كتاب الله التكويني (الطبيعة وقوانينها) وبين كتاب الله التدويني - القران الكريم ,والكتب المقدسة غير المحرفة - لأن واضع القوانين الكونية هو نفسه واضع القوانين التشريعية ومعتقداتها,وبالتالي فمن المستحيل بحكم العقل وجود تنافٍ بينها,انما يحدث التنافي بين القانون الكوني والنَّص الديني حينما تكون القراءة مغلوطة,فهو تنافٍ صوري وليس حقيقيا؛ لذا نجد ان العلم الذي أخرجه من الدين في فهم هنري لنك ,هو الذي أعاده اليه,يقول (وجدتني الآن أبدأ من العلم أيضاً في رحلتي إلى التصديق والإيمان المطلق بدور الدين وتعاليمه في الحياة,فكما جرفني العلم قديماً بعيداً عن الدين,كانت عودتي اليه أيضاً عن طريقه)ص20
النقطة الثالثة:- أثر العقيدة في تكوين البناء النفسي للإنسان.
يقول د.هنري لنك في هذا الصدد انه قدَّم علاجات لحوالي أربعة آلاف إنسان كانوا يعانون من مشاكل نفسية ,فمنهم من كان يعاني من اسلوب حياته فركن إلى الكسل والخمول,ومنهم من كان يعاني من مشاكل زوجية ,ومنهم من كان يعاني عاداتٍ قبيحة يودُّ التخلّص منها ,ومنهم ومنهم....
وخلص من ذلك كله (.....أصرح لك بأنني رأيتُ عجز المعلومات النفسية والعلمية عن تقديم النصيحة اللازمة في كل الاحوال,فما هي بالحاسمة ,ولا هي بالكافية لسدِّ حاجات أولئك الذين سَعَوا إليَّ يبغون النّصح والإرشاد)
إذن فما العمل يادكتور هنري؟
ف (كنتُ في بعض الاحيان - إن لم يكن أغلبها -أنصحُ المرضى باتِّباع تعاليم الدين المقدَّس ,وقراءة بعض آياته).
 هذه نصيحة طبيب نفساني مختص ,ونصيحته قائمة على أساس تجاربه في عيادته النفسية على أربعة آلآف عينة ,فيهم الفقير والغني,الرجل والمرأة,الشاب والشيخ,الجاهل والمتعلم, يرى أخيراً أن الدين هو الحل لجميع المشاكل النفسية.
ترى ,هل في أطبَّائنا النفسيين من يعالج مرضاه بأن ينصحهم باتخاذ الاسلام منهجاً في حياته وقراءة بعض آي القران؟ أم انه يكتفي بإعطائه حبوباً مهدئة؟
ومن الطريف أن اسجل هنا انه - ورغم كونه ملحداً كان يدافع عن الدين -؛ لما لمسه من آثاره العجيبة يقول بالنَّص 
(والذي أُحبُّ أن أؤكد عليه ,وقد سبّق هذا التأكيد,أنني وجدتُ نفسي بالذات ,وأنا المُلحد المُنكر للبعث,الكافر بالله,أتحمَّسُ دفاعاً عن الدين,والتَّمسك بقيمه وتعاليمه وأوامره ونواهيه)
ويستمرُ في حديثه إلى أن يتفوَّه بهذه الجوهرة الفريدة (اقتنعت تماماً بأنَّ كل مكتشفات علم النَّفس ونظرياته في تقويم الشخصية,والوصول إلى شخصيةٍ سوية,ومن ثَّم الوصول إلى سعادة النفس ورضاها,تنتهي إلى التمسّك بالحقائق الدينية ,تمسكاً يقينياً ,نابعاً من إيمانٍ ثابتٍ وتصديقٍ مطلق).
كتاب (العلم يدعو للإيمان) 
تأليف د.هنري لنك.
ترجمة د.ثروت عكاشة.
القاهرة,الهيئة المصرية للكتاب,2010.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


صلاح عبد المهدي الحلو
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/04/01



كتابة تعليق لموضوع : قراءة في تجربة هنري لنك الروحية.
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : فيصل ، في 2017/04/16 .

اريدالكتاب




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net