التظاهرات ووضوح الهدف
د . حميد مسلم الطرفي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

انفعل صديقي وهو يحاور أحدهم حول التظاهرات الاخيرة ومطالبها وأماكنها فصديقي هذا يعترض على أولئك الذين لا يعرفون ماذا يريدون . التظاهرات حق مشروع للشعوب المتحضرة ووسيلة فعالة في لفت انتباه المعنيين ووضعهم أمام مسؤولياتهم في حل القضايا التي من أجلها يتظاهرون وهي وسيلة أيضاً لقياس الأوزان السياسية لهذا الطرف أو ذاك فالفصيل الذي  يستطيع تحشيد جمهوره ليسوقه في الشارع تحت اللافتة التي يريد غير ذاك الذي لايتمكن من هذا الفعل . وقواعد اللعبة السياسية تقول إن طبخ القرارات تحت قبب المؤسسات المختصة أكثر أمناً وأنضج رؤىً من تلك التي تتبلور من حناجر الغضب وهتافات الشوارع والعزم الجمعي المندفع ولكن آخر الدواء الكي . الاحتكام الى الشارع ليس من سبل الحكماء ولكنه الأسلم حين لا يرعوي الحاكم عن غيه ويرتدع الفاسد عن فساده . التظاهرات المنضبطه هي تلك التي يضبط ايقاعها القائد وتكون ناجحة حين يحدد ذلك القائد أو مجموعة القيادة هدفها بوضوح ماذا يريد والى أين يسير وما هي بدائله . فالاصلاح غير التغيير ، الاصلاح يعني احترام النظام السياسي القائم وإصلاحه بالطرق الدستورية المعتبرة فإذا تعذر على المصلحين أن يقوموا بدورهم وهم في الحكم فهل يستطيعون ذلك خارج الحكم ؟ ومن اين يتم البدء ؟ باصلاح رأس الهرم أم بقواعده ؟ واين تكمن الأولوية بالتشريع أم بالتنفيذ أم بالقضاء ؟ وهل تم تحديد المفاصل التي تستحق الاصلاح العاجل وتحديد الأشخاص الذين يقومون بهذه المهمة ؟ اسئلة كثيرة ينبغي على قادة التظاهرات الاجابة عليها مبكراً والاحاطة بها لكي تتحدد معالم الطريق . أما تغيير النظام السياسي فذلك يتطلب إعداد البدائل والنظر طويلاً في قبول هذه البدائل من كل الأطراف المشاركة في التظاهرات فقد يكون من السهل إسقاط النظام السياسي بتظاهرة صاخبة تقتحم الخضراء ولكن ماذا بعد ذلك ؟ نظام مركزي ديمقراطي ؟ ام فيدرالي تعددي ؟ علماني أم اسلامي ؟ ديني أم مدني ؟ اين نضع المكونات وكيف نواجه المعارضة ؟ أي الدول ستقف الى جانب التغيير وايها ضده ؟ هل نضمن عدم الانجرار الى الفوضى أم ان هناك نسب ضئيلة بحصوله ؟ من هي قيادة البلد المقبلة وما مدى توافقها الان وفي المستقبل ؟ إذا تمت الاجابة على كل تلك الاسئلة فنحن أمام تظاهرات هادفة تتحرك على بصيرةٍ من أمرها تتدبر ما يراد لها ولن تنجر الى غير أهدافها ومشروعها . أما إذا لم تعي قيادة التظاهرات ذلك فهي أشبه بمن يحفر تحت أساس بيته ينوي تثبيته ولا يعلم أنه يُهدَّمُه عليه وعلى مقربةٍ منه المتربصون الذين يريدون سقوطه لانهم جاهزون للاستيلاء عليه . في الليالي الظلماء يتحسس السائر النجوم والأرض كل بضعة خطوات ليتجنب التيه وفتن السياسة كقطع الليل المظلم فلنتحسس طريقنا وسيرنا بإمعان . ولا يخجل المرء حين ينزل حيّاً أول مرة أن يسأل في كل زقاق عن الدار التي يقصدها وكثير منا نزل ساحة السياسة حديثاً فلنسأل أهل الذكر فذاك من الفضائل بل هو الواجب حين يتعلق الأمر بأرواح وأموال العباد  . اللهم أرنا الحق حقاً لنتبعه والباطل باطلاً لنجتنبه . 

 

‏hmft1961@gmail.com

الموضوع السابق المآسي الكبرى في التوراة والانجيل. مأساة القديسة فاطمة بنت محمد .

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat