صفحة الكاتب : كريم الانصاري

لانقول : عاصمة العلوم كفى ،بل نتساءل: سائر العلوم متى ؟
كريم الانصاري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 ممّا يدّعيه العقل العملي الشيعي ضرورات الحوار والتلاقح والتعايش والتآلف  والأفكار المعقلنة ... بإزائها يدّعي نبذ التهوّر والتناحر والتفرّد والتشتّت والأفكار المُغَنْوَصة...
فهذا العقل ألزم نفسه إذن بقواعد هذه الضرورات وتوابعها ، التي منها : أن يكون شفّافاً في فتح وعرض ومراجعة ونقد شتّى ملفّاته اللاتي تستحقّهما  ، سواءٌ في ذلك مامضى منها وماحضر وما قد يُستشرَف ..
فلاينبغي أن نجده خجِلاً - مثلاً - وهو يذعن ببطء ومحدوديّة النتاج العلمي - خصوصاً على صعيد التدوين والتصنيف - خلال القرون الهجريّة الأُولى، إذعاناً يبدو مقروناً بالتبرير المقبول ؛ فإنّ حضور المعصوم (ع) حضوراً ميدانيّاً فاعلاً بطبيعة الحال - وهو مصدر التشريع ، بل هو الدين الناطق -  قد أضعف الداعويّة إلى الانهماك والتوسّع في التدوين والتصنيف .. إلى ذلك : إنّ المعصوم (ع) هو الوليّ المطلق بلاأدنى ريب ، فلا لطفَ إلهي إن لم يكن كذلك .. وهذا يعني إشرافه وإدارته كافّة شؤون البلاد والعباد .. وعلى فرض عدم قبول الناس به حاكماً فهو إمام الدين المنصوب من ربّ العالمين ، فكفى به حجّةً على جميع العباد .. وبغيابه (عج) يقوم الفقيه الجامع للشرائط بمهامّ النيابة العامّة ، على اختلافٍ في مبنييها المشهوريَن : ولاية الفقيه المقيّدة والمطلقة .
ولسنا في مقام الانتصار لهذا المبنى أو ذاك ؛ حيث إشارتنا لهما من باب الاستطراد ليس إلّا ، ثم إنّ  البحث منعقدٌ لأمرٍ آخر كما هو الواضح من العنوان .
نعم ، لقد أثبت العقل الشيعي صحّة دعواه بخصوص فترة حضور المعصوم (ع) ومانتج عنها من ضعفٍ نسبيٍّ في النتاج العلمي آنذاك ، بدليل انطلاقه سريعاً بعد غياب الإمام (عج) بحركة هائلة شملت العديد من العلوم والفنون ، حتى استطاع التفوِق في بعضها - كالفقه والأُصول - على العقل السنّي ، إذ منحه انفتاح باب الاجتهاد شحنةً عظيمةً وطاقةً كبيرةً نحو تسلّق  مراحل التطوّر الواحدة تلو الأُخرى ، حتى بلغ مرحلة التكامل زمن الشيخ الأعظم الأنصاري  ، فنحن عيال مرحلته وتلامذة مدرسته قُدس سرّه .
 
لانقول : إنّ النتاج الفقهيّ الأُصولي بكمّه وكيفه قد بلغ حدّ الإشباع وكفى ؛ فهو أشرف العلوم وأقدسها ، بل نبض الحياة الذي لا ولن ولايمكن له التوقّف أبدا ، فأن تزخر مطابخ الفكر وميادين العلم بحلقات الدرس والبحث وحركة الاستنباط والاجتهاد فهذا يعني استمرار نبض الحياة  بالفاعلية والنشاط  ؛ لذا باتت ديمومة النتاج الفقهيّ الأُصولي ، تأليفاً وتحقيقاً ، تعلّماً وتعليماً ، بلورةً وتجسيداً ، نشراً وتبليغاً ، حفظاً وترسيخاً ، ذوداً وتحصيناً ... واجباً مقدّساً لايمكن التساهل فيه مطلقا.
 
بل نقول : في الوقت الذي نسلّم فيه بكون علم الفقه لابدّ وأن يحظى بهذه المنزلة والأهمّية وأنّه عاصمة العلوم وأشرفها وسيّدها ، ولكن لابدّ من الرفق بسائر العلوم ، كالتاريخ وعلوم القرآن - ولاسيّما التفسير - والعقائد، إلى ذلك : العلوم التي لنا فيها ضعفٌ ملحوظٌ  لكنّها هيمنت متغطرسةً على الفضاءات الثقافية والمعرفية ببحوثها الحيّة وجاذبيّتها الساحرة وأناقتها الباهرة ورشاقتها الآسرة ، كالبنيويّة الأُولى منها والمحدَثة والظاهراتية -الفينومينولوجيا -والعولمة والحداثة والسيميائية والتأويلية والتطوّر الدلالي ... حتى توغّلت في عمقنا التفكيري وغزت تصنيعنا المعرفي بمراتبه العليا ناهيك عن الطبقة الثانية والثالثة من النخب والكوادر والكفاءات وباقي المثقّفين .
ولانذهب بعيداً حيث تصديرات العقل الآخر بغربيّه وشرقيّه ومدى اختراقه لنا في عقر دارنا ، بل لنقف آسفين متأمّلين تصديرات العقل المجاور القريب  وهو ينال الإعجاب والتصفيق الحارّ منّا ، فهذا محمد أرگون وهو يملي علينا مفاهيم الدين الصحيح ومناهج  أنسنة الفكر الإسلامي  كي تتلاءم والظرف الراهن .. وهذا محمد عابد الجابري وهو يعلّمنا كيف نفهم القرآن الكريم ، أو وهو يلقّننا مراحل تكوّن العقل العربي الإسلامي ، وهذا حسن حنفي وهو يصنّف أُصولنا وعلومنا في أيّة مرتبة تكون ، وهذا جورج طرابيشي وهو يقودنا إلى الإذعان بتضييعنا وتمييعنا النصّ القرآني بتعبّدنا بالنصّ الروائي ، والقائمة تطول .
 
بالله عليكم !  هل عندنا مانقوله إزاء أُولاء الذين هيمنوا على ميدان العقل الإسلامي وصادروا الحقائق بفعل غيابنا الطويل أو حضورنا الفقير ، فتلاعبوا بالأحاسيس والأفكار وزيّفوا الواقع ونحن نحيّيهم بحرارة وتفاعل منقطع النظير .
الحصيلة : أنّنا صرنا هامشيين مغلوبين ، أقلّيةً خافتة الصوت ، لايشغلها سوى الدفاع ثم الدفاع ، فلاتفكّر بالمبادرة والابتكار والمهاجمة والانتصار ..
ومن جروح الصميم التي لاتندمل : أنّهم كتبوا لنا التاريخ بفعل جبروت السلطة والطغيان ، فأملوا علينا أحداثاً وتحليلات ونتائج ماأنزل الله بها من سلطان ، حتى اليعقوبي و المسعودي لم ينصفانا أبدا .
 
أمّا علم الكلام فيشكوغربةً مخيفةً يبدو أنّها لاتنتهي قريباً، فلانراه وقد احتضنّاه بحنانٍ وإشفاقٍ يهوّنان عليه ليالي الغربة المظلمة ، رغم كونه ينبوع العقيدة ونميرها الدافق ، ولاسيّما لمّا نجد أداء النخب المختصّة - تلقّياً وإرسالاً - دون الطموح أبداً ، ناهيك عمّن سواها .
والقائمة أيضاً تطول .
 
نعلم أنّ رموزنا وعلى رأسهم مراجعنا العظام ،ثم علمائنا الكرام ، نخبنا ، كوادرنا ... مدركون واقفون على نوع الحاجة والخلل .. لكنّنا في قلقٍ حقيقي وخشيةٍ رهيبةٍ من أن نخسر المزيد ونتراجع عمّا عليه الآن من الترتيب فنتحوّل إلى ظاهرةٍ صوتيةٍ بامتياز إن لم نكن كذلك الآن .
 
علينا - حتى ينقطع النفس - بجلسات حوار ذاتي - ذاتي ، بگعدات ، بندوات ، بأيّ وسيلةٍ وأداةٍ وطريقةٍ تساعدنا على توفير مقدّمات العمل الجادّ بإخلاص وعزم وثبات ، علّنا نجد الحلول المشتركة لِما أوردنا نماذجه أعلاه ، فنساهم ولو قليلاً في بلورة العقل العملي الشيعي بلورةً صادقةً فاعلة .
والحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على النبيّ المختار وآله الأطهار .

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


كريم الانصاري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/03/07



كتابة تعليق لموضوع : لانقول : عاصمة العلوم كفى ،بل نتساءل: سائر العلوم متى ؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net