صفحة الكاتب : د . عبد الخالق حسين

رفع العقوبات عن إيران انتصار للحكمة والاعتدال
د . عبد الخالق حسين

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

وأخيراً وبعد سنوات من المفاوضات الدبلوماسية الهادئة والمضنية بين إيران ودول الخمس الكبرى+1، متحلين بصبر أيوب، انتصر صوت العقل والحكمة والاعتدال على صوت الجهل والتطرف. ففي إيران ومنذ الثورة الإسلامية عام 1979، هناك صراع عنيف بين المتطرفين والمعتدلين. فالمتطرفون أدمنوا على الهجوم على السفارات وحرق الأعلام، ورفع شعارات متطرفة مثل الموت لأمريكا...الخ، و دفعوا الثورة إلى حافة الاجهاض والاغتيال، مما أثار عليها نقمة أمريكا وحليفاتها في المنطقة فأشعلوا الحرب العراقية- الإيرانية، بدفع طاغية العراق حين قالوا له: (منا المال ومنك الرجال)، وبقية القصة تاريخ.

إن فوز الدكتور حسن روحاني المعتدل برئاسة الجمهورية دليل قاطع على أن الغالبية العظمى من الشعب الإيراني قد سأمت التطرف ومشاكسة القوى الكبرى ومعاداتها، والتفاخر الفارغ والعقيم بامتلاك السلاح النووي الذي من شأنه استنزاف ثروات البلاد وإفقار العباد، واستفزاز الآخرين وخلق المزيد من الأعداء، دون أن يكون له أي استخدام فعلي، فالأسلحة التقليدية الحديثة باتت تغني عن السلاح النووي بفضل التطور المذهل في العلوم والتكنولوجيا، وهاهي بريطانيا العظمى تتصاعد فيها الأصوات وحتى من قبل حزب العمال، مطالبة بالتخلي عن السلاح النووي الباهظ التكاليف والعديم الفائدة.
لذلك قال الرئيس الإيراني حسن روحاني عن بدء تنفيذ الاتفاق النووي مع القوى العالمية أنه يمثل "فصلا جديدا في علاقات إيران مع العالم".(1)

كما وهناك التطرف في الجانب الآخر، في أمريكا وخاصة المحافظون الجدد، وإسرائيل والسعودية، واللوبيات المناصرة لإسرائيل وتجارة الأسلحة في واشنطون، فهؤلاء متضررون من الاتفاق وتنفيذه ، لذلك يسعون لإشعال موجة جديدة من الحروب العبثية في الشرق الأوسط من أجل تبديد الطاقات البشرية والمادية لشعوب المنطقة بدلاً من استثمارها في التقدم ورفع المستوى المعيشي لهذه الشعوب التي عانت الكثير من الحروب والفقر والتخلف والأنظمة المستبدة.

فالإعلان الأخير في العاصمة النمساوية (فيينا) مساء السبت 16/1/2016، برفع العقوبات عن إيران هو انتصار عظيم للاعتدال على التطرف. لذلك نرى البعض من المتطرفين في إيران الذي أشعلوا النيران في السفارة السعودية مؤخراً، كانوا يحاولون إحراج جناح المعتدلين بقيادة الرئيس روحاني ووزير خارجيته السيد محمد جواد ظريف، ورد فعل عنيف من راعية الإرهاب، المملكة العربية السعودية التي استغلت هذه الفعلة لصالحها، فأظهرت نفسها بالحمل الوديع والمعتدى عليها، وإيران هي المعتدية. وللتقليل من شأن الاتفاق يرى المتطرفون من الجانبين فيه خضوعاً وانبطاحاً للآخر، فأي تقارب مع الغرب وخاصة مع أمريكا يعتبرونه انبطاح واستسلام، وهو ليس كذلك، بل انتصار لجميع محبي السلام والتقدم، الذين يناضلون من أجل العيش في عالم خال من الحروب والظلم والتخلف. كما أثار الاتفاق نقمة وغضب نتنياهو، رئيس حكومة إسرائيل وقادة الحزب الجمهور الأمريكي.

والجدير بالذكر والتحذير، أن رفع العقوبات عن إيران لا يعني أن الثقة الكاملة قد عادت بينها وبين أمريكا، فبعد نحو أربعة عقود من العداء الشديد لا يمكن إعادة الثقة بين عشية وضحاها، فأمريكا كانت "الشيطان الأكبر" في نظر إيران، وإيران ضمن "محو الشر" في نظر أمريكا. لذلك لم نستغرب أنه بعد يوم واحد من رفع هذه العقوبات، (أعلنت الولايات المتحدة فرض عقوبات جديدة على بعض الشركات الإيرانية والأشخاص بسبب الاختبار الذي أجرته إيران مؤخرا لصاروخ باليستي. وتمنع تلك العقوبات الجديدة 11 شركة وشخصية ذات صلة ببرنامج الصواريخ من استخدام المصارف الأمريكية)، القرار الذي أدانه المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، قائلاً أنه "ليس هناك شرعية للعقوبات الأمريكية [الجديدة] على برنامج إيران للصواريخ الباليستية."، لأن أمريكا تبيع هذه الأجهزة والأسلحة على دول المنطقة.(2)
ولكن رغم ذلك، فطالما هناك تواصل ولقاءات بين الأطراف المعنية، فكل المشاكل يمكن حلها بالمفاوضات والتفاهم، لأن المقاطعة تزيد من سوء الفهم والشكوك بالآخر، لا يستفيد منها إلا المتطرفون من جميع الأطراف، بينما التواصل يجعل كل طرف يفهم الآخر بشكل أفضل ليحل التفاهم والثقة محل الشكوك وسوء الظن وتوقع الشر بالآخر.

 وعلى قدر ما يخص العراق، فالتقارب الإيراني الأمريكي يصب في صالح العراق أيضاً، والذي هو بين سندانة إيران ومطرقة أمريكا، فتقارب العراق لأي منهما يثير غضب الآخر، ولكل منهما نفوذ وتأثير على مجريات الأمور في العراق، وعليه فمن مصلحة العراق أن يعود الوئام وتحسن العلاقة بين إيران والغرب وبالأخص أمريكا.
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . عبد الخالق حسين
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/01/20



كتابة تعليق لموضوع : رفع العقوبات عن إيران انتصار للحكمة والاعتدال
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net