صفحة الكاتب : مصطفى الهادي

إصبع الله في اليهودية والمسيحية والإسلام.
مصطفى الهادي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بحكم مادية الإنسان فإنه يسعى دائما أن يرى إله ماديا ماثلا أمامه. وقد كانت هذه النزعة قوية في الأمم الماضية (ارنا الله جهرة).ولذلك فإن عبادة الاصنام هيمنت حتى على الأديان التي جائت لتوحد الانسان نحو خالق واحد. ولكن الإنسان يأبى ذلك بسبب أن العوامل المادية تشده دائما للبحث داخل المادة وليس خارجها، وقد كانت هذه النزعة قوية عند اليهود الذين أبوا أن يؤمنوا بإله لاتراه أعينهم فهم دائما يطلبون من أنبيائهم أن يصنعوا لهم آلهة مثل الامم الوثنية التي يمرون بها : (فأتوا على قومٍ يعكفون على أصنامٍ لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة). (1)

وعندما دعاهم موسى لعبادة الله الواحد تعجبوا وقالوا : ( أجعلَ الآلهة إلها واحداً إنّ هذا لشيء عجاب). (2) وبمجرد أن غاب عنهم بضع أيام صنعوا العجل وعبدوه ، فيا سُخف العقول التي تسجد لحجارة نحتوها بأيديهم ثم يقولون هذا خالقنا.

من كل ذلك نرى أن اليهود لم يؤمنوا لموسى بأن الألواح كتبها على الحجر بهذا السرعة إلا أن يكون هناك امرٌ اقوى منه وهو الله ، فبما أنهم أبناء الله فقد زعموا بأن الله اظهر اصبعه من وراء عالمه وخط الشرائع على الألواح وهذا ما نراه واضحا في سفر الخروج 31: 18(ثم أعطى موسى في جبل سيناء لوحي حجر مكتوبين بإصبع الله).

وتكرر هذا القول أيضا في سفر التثنية 9: 10(وأعطاني الرب لوحي الحجر المكتوبين بأصبع الله).
وفي قصة فرعون عندما رأى اصبعا ظهر واخذ يكتب على الحائط لغة غريبة فجمع كافة السحرة والعرافين في مملكته ، فلم يقدروا على قراءة ما هو مكتوب وكان عذرهم في ذلك بأن هذه الكتابة ليست من صنع البشر كما في سفر الخروج 8: 19 (فقال العرافون لفرعون: هذا إصبع الله).

وفي المسيحية أيضا انتقلت هذه العقيدة اليها من اليهود بقولهم بأن لله جوارح يعمل بها حيث نرى ذلك واضحا في قول السيد المسيح للتلاميذ الذين قالوا بأن يسوع المسيح يشفي المرضى بـ (اصبع الله) فقال لهم : (إن كنت بأصبع الله أخرج الشياطين، فقد أقبل عليكم ملكوت الله). (3)

وفي تفسير هذه الآية قال المفسر المسيحي ما يلي : (فلتطرحوا عنكم التفاوت والأبعاد عندما تفكِّرون في الله، وتتفهمون فقط الوحدة الموجودة بين الإصبع واليد والجسم كله، فقط كُتب بهذا الإصبع الناموس على ألواح الحجر).ويقصد بقوله هذا : إن كان يسوع المسيح شفى المرضى باصبع الله فهو الله لأن الاصبع متصل باليد والجسم كله وهو نفسه اصبع الله الذي كتب الناموس على الألواح(4).

ولكن اليهود تمادوا أكثر عندما نسبوا لله يدا على شكل يد إنسان كما في رواية بيلشاصر ملك بابل التي تنقلها التوراة في سفر دانيال 5:5. حيث تقول التوراة : (في السنة الأولى لبيلشاصر ملك بابل ظهرت أصابع يد إنسان، وكتبت على حائط قصر الملك، والملك ينظر طرف اليد الكاتبة). سفر دانيال 7:
1
هذا الاصبع وهذه اليد ظهرت مجددا في الإسلام حيث تسربت أيضا من اليهود إلى المسلمين الذين كان بعضهم يدرسون التوراة عندهم امثال عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر بن العاص ، وابن عباس ، وعبد الله بن عمر وغيرهم الكثير وحتى بعد أن جاء محمد صلى الله عليه وآله وسلم برسالته (الإسلام) كان الكثير من الصحابة يترددون على اليهود يتعلمون منهم لا بل ينسخون بعضا من سورة التوراة ويُعرضونها على النبي كما في رواية عمر بن الخطاب حيث أضجر النبي بكثرة الحاحه بأن يقبل التوراة فزجره وقال له : (( امتهوكون يا ابن الخطاب)). وهي الرواية التي ذكرها أحمد في مسنده ج 3 ص 387 قال (أن عمر بن الخطاب أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه ، فغضب فقال : أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب ! والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني)).
وقد اعترف عمر بن الخطاب نفسه بأنه كان يحضر دروس اليهود بقوله : (إني كنت أغشى اليهود يوم دراستهم).(5)
وقد ذكر جابر بن عبد الله بأن عمر نسخ كتاباً من التوراة بالعربية فجاء به إلى النبي.

إلى الكثير من هذه الروايات الدالة على تعلق بعض الصحابة باليهود حتى تسربت إلينا الكثير من خرافاتهم امثال اصابع الله التي نراها في كتب اهل السنة وصحاحهم.

فعن عن عبد الله بن مسعود قال: (جاء حَبرٌ ــ من أحبار اليهود ــ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد إن الله يضع السماء على إصبع، والأرض على إصبع، والجبال على إصبع، والشجر والأنهار على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، ثم يقول بيده: أنا الملك. فضحك رسول الله، وقال: وما قدروا الله حق قدره). في هذه الرواية فإن رسول الله يوافق اليهودي على تجسيم الله والمصيبة أنهم يقولون : (متفق عليه)
.
وفي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن...)).

الأمر لا يتوقف على ما وضعوه في الأحاديث التي نسبوها لرسول الله (ص) بل أن ائمتهم يقولون بذلك مثل قول الإمام الشافعي: (لله تبارك وتعالى أسماء وصفات جاء بها كتابه وأخبر بها نبيه أمته... وأن له إصبعاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن عزَّ وجلَّ...).
وقال الإمام ابن خزيمة بأن لله أصابع : (باب إثبات الأصابع لله عزَّ وجلَّ) وذكر بأسانيده ما يثبت ذلك.(6)
وقال أبو بكر الآجري: (باب الإيمان بأن قلوب الخلائق بين إصبعين من أصابع الرب عزَّ وجلَّ، بلا كيف).
وقال البغوي في إثبات أن لله اصابع بعد ذكر الحديث السابق: (والإصْبَع المذكورة في الحديث صفةٌ من صفات الله عزَّ وجلَّ).
ومن المعاصرين قال الشيخ عبدالرحمن البراك: (هذا الحديث يستدل به أهل السنة على إثبات الأصابع لله عزَّ وجلَّ، وأنها من صفة يديه؛ لأن هذا هو المفهوم من لفظ الإصبع في هذا السياق، وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم اليهودي على قوله فأهل السنة والجماعة يثبتون لله تعالى أصابع تليق بـه ).(7)

ولم يُبين لنا الشيخ البراك معنى قوله : (وأهل السنة يثبتون لله أصابع تليق به).

ولكن كما هو معروف يعمد أهل السنة في الاشارة بالاصبع عند التشهد قبل التسليم في الصلاة في اشارة منهم إلى اصبع الله.

اما الشيعة فهم يقولون بأن الله ذكر في القرآن بعض الايات التي يدل في ظاهر معناها على وجود اليد وغيرها مثل قوله في سورة الزمر آية 67 : ( والأرضُ جميعا قبضتهُ يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه). ولكنهم لا يقولون بأنها يدٌ مادية ، بل ان المعنى أن الأرض جميعا بما فيها تحت سلطته وقدرته.

يقول العلامة المجلسي في مرآة العقول - ج 8 ، ص 262 ) وكل ما جاء في القرآن و الحديث من إضافة اليد و الأيدي و اليمين و غير ذلك من أسماء الجوارح إلى الله فإنما هو على سبيل المجاز و الاستعارة، و الله تعالى منزه عن التشبيه و التجسيم ).

المصادر:
1- سورة الأعراف آية 138.
2- سورة ص آية 5.
3- إنجيل لوقا 11: 20.
4- كتاب الروح القدس للعلامة ديديموس السكندري ترجمة أمجد رفعت رشدي، إصدار مجلة مدرسة الإسكندرية.
5- كما في الدر المنثور الجزء الأول ص 90 .
6- هو الحافظ الحجة الفقيه، الملقب بشيخ الإسلام عند أهل السنة، وإمام الأئمة. وصاحب كتاب صحيح ابن خزيمة.
7- هو أبو عبد الله عبد الرحمن البرّاك عالم دين سعودي سلفي وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً من المتأثرين جدا بالشيخ ابن باز.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مصطفى الهادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/01/19



كتابة تعليق لموضوع : إصبع الله في اليهودية والمسيحية والإسلام.
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net