صفحة الكاتب : ادريس هاني

ربيع سكران
ادريس هاني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الأطفال لا يقودون الثورات..الأطفال هم قاعدة الحراك..هذا هو الوضع الطبيعي لكل حراك شعبي..غير أنّ ما أريد للربيع العربي هو أن يكون استثناء..استثناء حتى في مفهوم الموجة الخامسة لربيع الديمقراطيات..ذلك لأنّ الحملة الممنهجة التي عملت على حجب القادة التاريخيين عن المشهد كانت قد وضعتنا أمام شكل من الاستثناء الهجين..سرق اللاعبون الكبار الحلوة من بين أطفال لا يميزون بين الاستراتيجيا والتكتيك..ثم سرعان ما انتهى حديث المراهقة لندخل في مرحلة أخرى من التهجين..كانت ديمقراطية صناديق الاقتراع هي الصورة الأكثر حضورا في خيال شباب غير مكترث للتاريخ ولطبيعة الأشياء..كل شيء يلتهم مثل قطع الهمبرغر..حتى الثورة تمّ التعاطي معها على نمط الفاست فود.. وهنا الميديولوجيا هي دائما الخيمياء التي تحوّل أخس المفاهيم إلى أنفسها..لم يعد للديمقراطية تاريخ ولا فلسفة..بل باتت تساوي حالة أرتميتيكية تحددها لعبة صناديق الاقتراع..وكأنّ الديمقراطية معادلة حسابية وليست مسارا تاريخيا واجتماعيا وسياسيا معقّدا..في مثل هذه الحالة كان من الطبيعي أن تهيمن على صناديق الاقتراع العصابات المتطرفة أو المافيا وبالجملة من يملك المال والموصول بمؤسسات اللعبة الدولية..فالشعوب لا تتمكن من قرارها في حالة سيادة ديمقراطية الفطائر بالزعتر..هناك الكثير من الوهم كانت وراءه منظمة فريدوم هاوس..هي نفسها التي عملت منذ 1941 ـ تاريخ نشأتها ـ على ممارسة الاحتواء باسم شعارات الديمقراطية ضدّ فكرة العدالة الاجتماعية التي كانت هي شعار الاتحاد السوفياتي..مرت خمسون سنة من العمل استطاعت فريدون هاوس أن تنقض عرى الاتحاد السوفياتي وترقى بأمريكا إلى سيدة العالم الأولى..لعبت البرمجة اللغوية العصبية دورا في تسطيح الوعي وتمرير الكثير من الأوهام إلى العقل الجمعي للربيع العربي.. وهي اللغة التي أتقنها الإخوان خلال السنوات التي سبقت الربيع الأعرابي..وباتت هي السمة الرئيسية لخطابهم العقلاني المغشوش..الفكر الذي يستسهل الواقع ولا يراعي تعقيده دائما لا يكون منتجا..وتفننوا فيها ومن خلالها عملوا على كيّ الوعي المحلّي.. تعمل المنظمة المذكورة على احتواء وتمويل المنظمات الحقوقية ودعم المعارضات ووسائل الإعلام..بيتر أكرمان الذي يرأس فريدوم هاوس من المحافظين الجدد ذوي الميول الصهيونية..وهو نفسه الذي عمل على سياسة تهذيب الشريعة وبالتالي اختراع وهم إسمه الإعتدال..اعتمدت واشنطن تكتيكات فريدوم هاوس بعد الفشل الذريع في سياسات التدخل..فكان اللعب على وتر العصيان المدني بدل التدخل المباشر الاستراتيجيا البديلة في عهد أوباما والذي أعجب كثيرا بالقوة الناعمة التي قرب مبتكرها جوزيف ناي كمستشار في البيت الأبيض..القوة الناعمة تعني أن تكون مقنعا وتستثمر في القوى الداخلية للخصم وتجعلها عنصر تدمير لصالحك..لا بدّ من وجود مموّلين محلّيين للفوضى الخلاّقة لأنّ مقتضى لعبة القوة الناعمة وتكتيكات فريدوم هاوس أن لا يكون الاحتلال مكلفا..تحدثت الفيننشال تايمز ذات مرة عن فريدوم هاوس ودورها بمعية منظمات أخرى في الأنشطة السرية التي مولتها وزارة الخارجية في الشرق الأوسط..فالأسفار الروحية للتدريب على الديمقراطية التي نشطت قبل سنوات من إطلاق صفّارة البدأ بالربيع العربي كانت تشبه الأعمال الخيرية في جزيرة يوتوبيا المخملية..كان حظّ الإخوان من هذا التبّني كبيرا..لقد حصل التوافق الموضوعي بين تكتيكات فريدوم هاوس ونزعات التمكين للإخوان لتسهّل رقصة المطر الهندية..الديمقراطية باتت ألفاظا.. والربيع العربي بات أفيونا للشعوب.. لقد نجحت فريدوم هاوس في الرفع من كمية الآدرينالين في دماء الشباب..أصبحت الديمقراطية بضعة بنود للنقاش..وتحركت ماكينة الإعلام لتحدّثنا عن مفاهيم رخوة حول الثورة والديمقراطية تسبح في بلازما من العته الأيديولوجي..إنه ربيع يهذي..وهو هنا يذكّرني بذبابة آرثر رامبو السكرانة في مبولة الحانة.. إنه ربيع سكران..أحدث الكثير من الفوضى..والكثير من الإلتباس.. فكانت داعش هي المنتج الدرامي لربيع أهبل وأبله..وهذا هو زبدة الفهم الاستشراقي لشرقنا البرّي..أنّه مجال جاهلي لا يكاد يفهم من الثورة إلا ما تتيحه اللغة..ثورة الجمال والنوق..ثورة تحمل مدلول الوثبة والغضبية العصبية ذات الدوافع الليبيدينالية..ثورة شبقية يقوم بها إنسان مقهور..انتصر برنار لويس لهذا المعنى ذات مرّة..كما نقض عليه إدوارد سعيد منتصرا للحق في الانتفاضة الكونية برسم الثورة الفلسطينية.. غير أننا نكرّر السؤال: أين كانت فلسطين خلال هذه الهمروجة الثوروية التي تشبه الحمل الكاذب؟..لذا أعتبر أن القضية الفلسطينية هي ليست بوصلة بالمعنى الجغرافي للمواجهة فحسب، بل هي الطّب النفسي للمعاني العربية، وعلى رأسها معنى الثورة العربية...

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ادريس هاني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/01/09



كتابة تعليق لموضوع : ربيع سكران
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net