صفحة الكاتب : السيد ابراهيم سرور العاملي

في رحاب الإمام الحسن العسكري (ع)
السيد ابراهيم سرور العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
♦واصل الإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام) مهامّ الإمامة بعد والده الإمام الهادي (عليه السلام) .. وعاصر في فترة إمامته القصيرة (ست سنوات) حكومة ثلاثة حكّام من العباسيين هم المعتزّ والمهتدي والمعتمد .. 
وكانت المعاناة مع الدولة العبّاسية ما زالت شديدة؛ ففي غضون حكم المعتزّ قُتل الكثير من الأبرياء وسُجن من العلويّين أكثر من سبعين شخصاً من آل جعفر وآل عقيل ..
وبعد المعتزّ تسلَّم المهتدي الخلافة، وسجن الإمام (عليه السلام)، بل وحتّى اتّخذ قراراً بقتله إلّا أنّ الأجل لم يمهله فمات.
وحدّث عليّ بن جعفر عن الحلبيّ: "اجتمعنا في العسكر وترصّدنا لأبي محمّد (ع) يوم ركوبه، فخرج توقيعه: "ألا لا يسلّمنّ عليّ أحد، ولا يُشر إليّ بيده، ولا يومئ، فإنّكم لا تؤمَنون على أنفسكم" (بحار الأنوار، ج 50، ص 269)
يقول أحمد بن محمّد: "كتبت إلى أبي محمّد (الإمام العسكريّ) حين أخذ المهتدي في قتل الموالي: يا سيّدي الحمد لله الذي شغله عنّا، فقد بلغني أنّه يتهدّدك، ويقول والله لأجلينّهم عن جديد الأرض، فوقّع أبو محمّد (ع) بخطّه: "ذلك أقصر لعمره، عدّ من يومك هذا خمسة أيام ويُقتل في اليوم السادس بعد هوان واستخفاف يمرّ به"، فكان كما قال (ع)" (المفيد، الإرشاد، ص324)
🔹ترصّد ظهور المهدي:  إنّ العباسيين وغيرهم كانوا يعلمون وطبقاً للروايات المتواترة أن المهديّ المنتظر الذي سيتحقّق على يديه العدل والحرية من جهة، ومن جهة أخرى سوف يبيد كلّ الحكومات الظالمة أنه من أبناء الحسن العسكريّ، ولهذا شدّدوا الرقابة على الإمام العسكريّ (ع) في كلّ صغيرة وكبيرة، فقد أخضعوه للمراقبة الشديدة، ووضعوه تحت أعينهم (ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج4، ص434)
وبعد خلافة المهتدي تسلَّم المعتزّ زمام السلطة، وفي عهده استشهد الإمام العسكريّ (ع)، وقُتِل مجموعة من العلويّين في هذه الأحداث .. وتذكر بعض المصادر التاريخيّة أنّه قد تمّ قتل بعضهم بأفجع صورة وحتّى بعد القتل مثّلوا بأجسادهم (أبو الفرج الأصفهاني، مقاتل الطالبيين، ص 685- 690) 
🔹 لقد أمضى الإمام الحسن العسكري الجزء الأكبر من عمره الشريف في العاصمة العباسية ـ ‏سامراء ـ وواكب جميع الظروف والملابسات والمواقف التي واجهت أباه الإمام علياً الهادي ‏عليه السلام، ثم تسلّم مركز الإمامة وقيادة الاُمة الاسلامية سنة (254هـ) بعد وفاة أبيه عليه ‏السلام وعمره الشريف آنذاك (22) عاماً.‏وكانت مواقفه امتداداً لمواقف أبيه عليه السلام بوصفه المرجع الفكري والروحي لأصحابه ‏وقواعده وراعياً لمصالحهم العقائدية والاجتماعية بالاضافة الى تخطيطه وتمهيده لغيبة ولده ‏الإمام المهدي المنتظر عليه السلام‏.‏وبالرغم من الضعف الذي كان قد أحاط بالدولة العباسية في عصر الإمام عليه السلام لكن ‏السلطة القائمة كانت تضاعف اجراءاتها التعسفيّة في مواجهة الإمام الحسن العسكري عليه ‏السلام والجماعة الصالحة المنقادة لتعاليمه وارشاداته عليه السلام. فلم تضعف في مراقبته ولم ‏تترك الشدة في التعامل معه بسجنه أو محاولة تسفيره إلى الكوفة خشية منه ومن حركته الفاعلة ‏في الاُمة وتأثيره الكبير فيها.‏ثم إن المواجهة من الإمام كقيادة للحركة الرسالية لم تكن خاصة بالخلفاء العباسيين الذين ‏عاصرهم الإمام عليه السلام إذ كان هناك أيضاً خطر النواصب وهم الذين نصبوا العداء لأهل ‏البيت النبوي عليهم السلام ووقفوا ضد اطروحتهم الفكرية والسياسية المتميزة التي كانت ‏تتناقض مع اطروحة الحكم القائم والطبقة المستأثرة بالحكم والمنحرفة عن الإسلام النبوي. 
والنواصب ـ الاُمويون منهم أو العباسيون ـ كانوا يعلمون جيّداً أن أهل البيت النبوي هم ورثة ‏النبي الحقيقيون، ولا يمكنهم أن يسيطروا على السلطة إلاّ بإبعاد أهل البيت عليهم السلام عن ‏مصادر القدرة وذلك بتحديد الأئمة المعصومين وشيعتهم وشلّ حركتهم وعزلهم عن الاُمة ‏والتضييق عليهم بمختلف السبل وبما يتاح لهم من وسائل قمعية.‏وقد يكون لطبيعة هذه الظروف والملابسات التي عانى منها الإمام العسكري وشيعته الدور ‏الأكبر في ما كان يتّخذه الإمام عليه السلام من مواقف سلبية أو إيجابية إزاء الأحداث والظواهر ‏التي منيت بها الاُمة الاسلامية والتي ستعرفها فيما بعد.‏لقد عاصر الإمام العسكري عليه السلام ثلاثة من خلفاء الدولة العباسية، فقد عاش عليه السلام ‏شطراً من خلافة المعتز والذي هلك على أيدي الأتراك، ليخلفه المهتدي العباسي الذي حاول أن ‏يتخذ من سيرة عمر بن عبد العزيز الاُموي مثلاً يحتذي به إغراء للعامّة ولينقل أنظارهم ‏المتوجهة صوب الإمام العسكري عليه السلام لزهده وتقواه وورعه، وما كان يعيشه من ‏همومهم وآلامهم التي كانوا يعانونها من السلطة وتجاوزاتها في الميادين المختلفة.‏ولم يفلح المهتدي بهذا السلوك لازدياد الاضطراب في دائرة البلاط العباسي نفسه مما أثار ‏الأتراك عليه فقتلوه عام (256هـ)، وقد اعتلى العرش العباسي من بعده المعتمد الذي استمر في ‏الحكم حتى عام (270 هـ )‏.‏لقد قاسى الإمام الحسن العسكري عليه السلام في عهد المهتدي الكثير من الظلم ‏والتعسّف، ويمكن أن نقف على ذلك من خلال ما رواه أحمد بن محمد حيث قال: كتبت إلى أبي ‏محمد عليه السلام ـ حين أخذ المهتدي في قتل الموالي ـ ياسيدي الحمد لله الذي شغله عنك، فقد ‏بلغني أنّه يتهدّدك ويقول: «والله لأخلينّهم عن جديد الأرض» فوقّع أبو محمد عليه السلام بخطه: ‏‏«ذاك أقصر لعمره، وعد من يومك هذا خمسة أيّام ويقتل في اليوم السادس بعد هوان واستخفاف ‏بموته»، فكان كما قال عليه السلام.
(من مكارم أخلاقه وعبادته)
🔹لقد برز في حياة الإمام العسكريّ (ع) رغم المراقبة الشديدة والقاسية من قبل حكّام عصره خدمته للناس، واهتمامه بهم، كما في الرواية التي مرت في التصدير.
🔹وكان الإمام (ع) كثير العبادة لله سبحانه وتعالى، يقوم الليل ويصوم النهار، وقد كان الإمام موضوعاً تحت المراقبة الشديدة، وقد تأثّر به الكثير من الناس. 
🔹يروى أنّه دخل العبّاسيون على صالح بن وصيف عندما حبس أبا محمد (عليه السلام)، فقالوا له: ضيّق عليه ولا توسّع، فقال لهم صالح: ما أصنع به وقد وكّلت به رجلين شرّ من قدرت عليه، فقد صارا من العبادة والصلاة والصيام إلى أمر عظيم.
ثمّ أمر بإحضار الموكّلين، فقال لهما: ويحكما ما شأنكما في أمر هذا الرجل؟ فقالا: ما نقول في رجل يصوم النهار، ويقوم الليل كلّه لا يتكلّم ولا يتشاغل بغير العبادة، فإذا نظر إلينا ارتعدت فرائصنا وداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا؟ فلمّا سمع ذلك العبّاسيّون انصرفوا خائبين (الكافي، ج1، ص512)
🔹وكان المعتمد يسأل عليّ بين جرين عن الإمام (ع) بشكل دائم، ويتقصّى أخباره، فكان يأتيه الجواب: "إنّه يصوم النهار، ويصلّي الليل" (السيد ابن طاووس، مهج الدعوات، ص275) .. 
🔹وكان كثير الوعظ والتذكير بالله سبحانه وتعالى، ومن مواعظه قوله: "أورع الناس من وقف عند الشبهة، أعبد الناس من أقام على الفرائض، أزهد الناس من ترك الحرام، أشدّ الناس اجتهاداً من ترك الذنوب" (ابن شعبة الحراني، تحف العقول، ص489)
   والحمد لله رب العالمين
  
                       للتواصل؛
‏E-mail:ebrahimsrur@gmail

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


السيد ابراهيم سرور العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/01/03



كتابة تعليق لموضوع : في رحاب الإمام الحسن العسكري (ع)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net