صفحة الكاتب : نجاح بيعي

المرجعية الدينية العليا .. خِطابُ اللامَرْحلة ..!؟.
نجاح بيعي

 من الطبيعي أن يضع المواطن العراقي على وجه الخصوص , والمتتبع العربي والدولي , على وجه العموم , خطاب المرجعية الدينية العليا في النجف لأشرف , موضع اهتمام وتقدير عاليين . وراح يستمع له , ويتفاعل معه ,عبر القنوات المختلفة , وأهمها منبر الجمعة الأسبوعي . حيث رأى به المعين الذي يروي نهمه , لما للخطاب من ميزات مهمة انطوى عليها , افتقرت له بقية الخطابات , وعلى كافة الأصعدة .
ففي التاريخ الحديث والمعاصر , اعتادت الأسماع , على خطابات إعلامية ممنهجة , حوتها أدبيات الأحزاب السياسية أو غيرها , في دول العالم الثالث , تبين الموقف السياسي الواضح والصريح لتلك الأحزاب , سلبا أم إيجابا , تجاه قضايا وتحديات تواجهها , خلال ممارسة نشاطها السياسي في مجتمعات تلك الدول . وخصوصا إذا كان الأمر يتعلق بقضايا وطنية مصيرية , من قبيل السيادة , الحرب السلم , التدخلات الأجنبية , الدستور , المواطنة , وهلم جرّا .
فـتَعْـمَد هذه الأحزاب إلى آلتها الإعلامية , وتحركها نحو بيان موقفها , من خلال توجيه خطابها للرأي العام , إن لم يكن موجها لقواعدها الشعبية . منطلقة من أهدافها ومبادئها , وشعاراتها الحزبية التي ترفعها , وتسير على ضوئها , ضمن حلبة التنافس الذي يحكم اللعبة السياسية .
ولكن .. الصورة تتغير , والقراءة تختلف , حينما تتطلب قضية ما , أو تحد معين , من أن يتخلى الحزب عن مبدأ من مبادئه التي يتبناها , أو يتنصّل عن شعار من شعاراته التي يرفعها . وهذه الإشكالية التي بين الشعار المرفوع , والموقف الذي جاء بالضّد منه , سببه قصر نظر تلك الأحزاب , بتقديم مصالحها الحزبية والفئوية والمذهبية وغيرها , على مصالح البلد العليا وأولوياته على كافة المستويات .
فنراه ينّجر مضطرا , إلى تبريرات طوباويّة لموقفه التراجعي , وتفسيرات ملتوية يدفع بها عن نفسه , الحرج المقيت , ولإفلاس الفكري , أمام الرأي العام , وأمام كوادره وأنصاره , فيلجأ إلى خطاب ما , ملؤه ( اللّف والدوران ) ولعجزه يسمّيه ( خطاب المرحلة ) .
فخطاب المرحلة , بقدر ما يوصف بأنه مرض عضال فتّاك , يصيب جميع الأحزاب العاملة في بلدان العالم العربي والإسلامي بلا استثناء , سواء الدينية منها أو الإسلامية والعلمانية , ويكون الانشقاق والانفصال داخل تلك الأحزاب من أعراض ذلك المرض . ألا أنه يعتبر الوصفة الناجعة , لتبرير نكوصها وإفلاسها الفكري والعقائدي والسياسي أمام الجميع , ويضمن لها استئناف العمل السياسي وديمومته , من جديد .
والكل يتذكر إرهاصات الثقة والموقف , التي أصابت الأحزاب على اختلاف توجهاتها , جرّاء إعلان دولة إسرائيل عام 1948 . والكل يتذكر أيضا , خيبة أمل الأحزاب اليسارية ومنه ( الشيوعية ) وتراجعها , أمام المدّ القومي أبان حقبة الستينيات من القرن الماضي . وكذلك خيبة أمل الأنظمة السياسية واحزابها القومية , أمام المدّ الإسلامي ' وخصوصا بعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران . هذا فضلا عن الهزات العنيفة , التي اجتاحت الساحة السياسية العربية والإسلامية , مثل نكسة حزيران عام 1967, وغزو الكويت عام 1990 و انهيار الإتحاد السوفيتي عام 1991 , حرب الخليج عام 1990 , وسقوط بغداد والاحتلال الأميركي لها عام 2003 , والربيع العربي ليس ببعيد .
وبما أن المرجعية ككيان ديني فريد من نوعه , يرفض أن ينطبق عليه أيّ ٍ من العناوين التي تطلق على غيرها من الكيانات السياسية والاجتماعية والفكرية . فهي ليست وزارة في حكومة , ولا حكومة في ضمن دولة , كما لم تكن حزبا في نظام , أو زعامة في كتلة أو تيار . ولا حتى رئاسة قبيلة ما , في نظام عشائري محدد, والى آخر التوصيفات .
بل المرجعية ترى أنها معنيّة بأن توجه خطابها الإرشادي , لجميع من ذكروا آنفا , وبلا استثناء . فهي الكلّ أمام الأجزاء . كما أن الأجزاء بحاجة إليها على نحو الضرورة , بينما المرجعية لا تحتاج إلى أحد , لإنطوائها على سرّ الجذبة الإلهية في وجودها . باعتبارها تمثل ذلك الإمتداد المقدس , لخط الإمامة المتمثّل بالإمام الغائب ( عج ) .
لذا نراها تقدم التشخيص الصائب , والقراءة الصحيحة , والمعالجات الناجعة , ببساطة منقطعة النظير لمجمل المشاكل العسيرة , والقضايا والتحديات الكبيرة . لذا فخطابها لا يمكن أن يوصف ( بخطاب المرحلة ) لأنها وببساطة فوق كلّ الميول والاتجاهات . ونلمس ملامح ذلك , من خلال خطابها ( الخاص ) الموجه لكل القوى والعناوين , السياسية والحكومية والعشائرية والحزبية وغيرها , والتي تدّعي حرصها على العراق , و (( يهمّها مستقبل هذا البلد وتخليصه من أزماته الراهنة وتسعى إلى توفير العيش الكريم لجميع مواطنيه في أمنٍ وسلام مع الحفاظ على وحدة أراضيه .. )) .
فهي معنيّة على وجه التحديد و (( مدعوّةٌ ... للتوافق على خطّة وطنية متكاملة , تُفضي إلى تحرير الأجزاء المتبقّية , التي لا تزال ترزح تحت سلطة عصابات داعش الإرهابية .. )) .
جاء ذلك في الأمر الثاني , من الخطبة الثانية من صلاة الجمعة الموافق لـ(18كانون الأوّل 2015م) وعلى لسان الشيخ الكربلائيّ . حيث نرى المرجعية تحذّر بكلام بليغ وواضح , من إن التوافق على خطة التحرير المشار إليها , منوطة بشكل لا لبس فيه , بابتعادهم ((عن بعض المخطّطات المحلّية أو الإقليمية أو الدولية, التي تستهدف في النهاية تقسيم البلد , وتحويله إلى دويلاتٍ متناحرة , لا ينتهي الصراع بينها إلى أمدٍ بعيد .. )) .
وهو تشخيص دقيق , يفضح ما انطوت عليه سرائر جميع القوى العراقية بلا استثناء , بأنّ الأمر لا يعدو عمالة بعضكم للخارج , إن لم يكن جميعكم , وصيرتم العراق مرتعا للمخططات المحلية والإقليمية والدولية . فالمرجعية هنا رعت الخطّ العام للإصلاح , وقدمت الأمر بأدبٍ جمّ وببلاغية راقية جدا , فالتلميح هنا أبلغ من التصريح على أن توجه الاتهام المباشر لهم .
وقطعا إنّ تحذير المرجعية للقوى السياسية الفاعلة , لا تستمرّ للأبد , لذا نراها تلفت الأنظار إلى خطاب آخر عام , في إشارة إلى البديل الذي يكون على يده , انتشال العراق من محنته , ليقف على قدميه ثانية , أسّوة بباقي بلدان العالم (( إنّ خلاص العراق , وتجاوزه لأوضاعه الصعبة الراهنة , لا يكون إلّا على أيدي العراقيّين أنفسهم )) .
هذا وان خفي علينا ـ مَنْ هم ـ المعنيّون بهذا الخطاب , ألا أننا على يقين من أن المرجعية وعلى نحو الجزم ـ تعرفهم ـ قطعا . وهذا الخلاص منوط أيضا بشرط ضروري هو ((إذا ما اهتمّوا بالمصالح العُليا لبلدهم , وقدّموها على كلّ المصالح الشخصية والفئوية و المناطقية .. )) .
وإلا لم يُصَب الهدف , ولم يخرج العراق من محنته , والرجوع إلى المربع الأول أسهل ما يكون . وقد بيّنت المرجعية من خلال طرحها هذا , من أن العامل الإقليمي والدولي , الذي يلقى للأسف آذان صاغية من اغلب القوى السياسية في الداخل , إنما تسعى في الأساس وراء مصالحها ومنافعها هي , وتتقاطع مع المصلحة العراقية . كما حذّرت جميع القوى , وجميع العراقيين من ذلك . مبيّـنة من إنّ الأطراف الإقليمية و الدولية إنّما (( تلاحظ في الأساس منافعها ومصالحها , وهي لا تتطابق بالضرورة مع المصلحة العراقية )) .
وختمت المرجعية كلامها الرشيد (( فليكن هذا في حسبان الجميع )) !!.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نجاح بيعي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/12/24



كتابة تعليق لموضوع : المرجعية الدينية العليا .. خِطابُ اللامَرْحلة ..!؟.
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net