صفحة الكاتب : نزار حيدر

أُسُسُ التَّقييمِ (١)
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

  لماذا يظلمُ بَعضَنَا البعض الاخر عندما نقيّم الأشياء والأشخاص؟ لماذا لا ينصِفُ بَعضَنَا بعضاً عندما نقيّم الأشياء والأشخاص؟!.
   لماذا نخطأُ في التّقييم دائماً ولا نُحسنُ صُنعاً؟!.
   انّ الخطأ في التّقييم، وعلى مختلف المستويات، ظلمٌ لانفسِنا أولاً وللآخرين ثانياً، وفيه تضييعٌ للحقوق وبخسٌ للأشياء، وهو الامر الذي نُهينا عَنْهُ في محكم كتابه الكريم بقوله تعالى {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} فالخطأ في التقييم هو بخسٌ للأشياء، وهو في نهاية المطاف فسادٌ، حسب الفهم القرآني الوارد في هذه الآية المباركة.
   والتّقييم هو الأساس الذي نبني به رؤية، فاذا اخطأنا فيه اخطأنا الرؤية، وانّ الخطأ فيه سببٌ في منح من لا يستحق، اعتباراً، وسلبٌ من آخر يستحقّ، وهو امرٌ حذّر منه الامام امير المؤمنين (ع) مالكاً الأشتر في عهده اليه عندما ولّاه مصر بقوله {ثُمَّ اعْرِفْ لِكُلِّ امْرِىء مِنْهُمْ مَا أَبْلى، وَلاَ تَضُمَّنَّ بَلاَءَ امْرِىء إِلَى غَيْرِهِ، وَلاَ تُقَصِّرَنَّ بِهِ دُونَ غَايَةِ بَلاَئِهِ، وَلاَ يَدْعُوَنَّكَ شَرَفُ امْرِىء إِلَى أَنْ تُعْظِمَ مِنْ بَلاَئِهِ مَا كَانَ صَغِيراً، وَلاَ ضَعَةُ امْرِىء إِلَى أَنْ تَسْتَصْغِرَ مِنْ بَلاَئِهِ مَاكَانَ عَظيِماً}.
   انّ احد اسرار تطوّر الامم ونهضتها هو الدقّة في التقييم، سواء للأشخاص او للاشياء، لا فرق، خاصَّةً على المستوى العلمي، لان ايّ خطأ بالتقييم تتراكم عليه الأخطاء وبالتّالي يُنتج عنها الفشل الذّريع.
   والعكس هو الصّحيح، فانّ من أسوء الاسبابِ التي أدّت بِنَا الى التخلّف والتقهقر والتراجع هو انّنا نُخطئ التقييم للاشياء وللأشخاص دائماً ولذلك تتراكم عندنا الأخطاء حتى نكرّر الفشل تلو الفشل، عندما لا نضع الأشياء في موضعِها، وعندما لا نضع الرّجل المناسب في المكان المناسب.
   لماذا؟.
   أولاً؛ لأنّنا نبني تقييمنا على الهويّة وليس على الأداء، فاذا كان الشّخص الذي نقيّمه من (جماعتنا) وانّ رأيه يتوافق مع رأينا، فان تقييمنا له يكون إيجابياً دائماً مهما كان انجازهُ تافهاً مثلاً او ذا قيمةٍ بسيطةٍ.
   بل نعمد في اغلب الأحيان الى ان نلصق إنجازات الآخرين به وباسمهِ ونسرق جهود الآخرين لإعلانها باسمهِ وكلّ ذلك من اجل ان نَصدُق التقييم الإيجابي فيه.
   اكثر من هذا، فربّما نبذل كل جهدٍ ممكنٍ من اجل تبرير فشلهِ او أخطائهِ من اجل ان نبرّر تقييمنا الإيجابي له، وكلّ هذا بسبب ثقافة عبادة الشّخصيّة التي ابتُلينا بها والتي أنتجت حالة صناعة الطّاغوت في بلادنا، او كما يسمّيها القرآن الكريم {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُم بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}.
   فعلى الرّغم من انّهم سمِعوا الا انّهم عَصَوا وذلك بسبب تشبُّعهم بعبادةِ العجل التي تُعميهم فيأتي تقييمهم للاشياء والأشخاص خاطئاً وليس دقيقاً ابداً، لا يُلامسُ الواقع وبعيداً عن الحقيقة.
   وهو حال الكثير من (عبدةِ العجْلِ) اليوم ممّن تراهم يقلّلون من شأن الجميع ولا يعيرون أدنى تقييماً إيجابياً لكلّ مَن يحقّق انجازاً مهما كان عظيماً الا انّهم في نفس الوقت يضخّمون إنجازات (عجلِهم) ويكرّرونها صباح مساء وكأنها ايّة تُتلى آناء الليل وآناء النهار، فيما يسعَون لتبريرِ هزائمهِ وفشلهِ تارةً ويسرقون إنجازات الآخرين ليلصقونَها بعجلهِم تارةً أخرى، وهكذا.
   امّا اذا كان مورد التقييم، أشخاصاً او أشياءَ لا فرق، لا ينتمي الى (جماعتِنا) فترانا نحطّمهُ اذا قيّمناه وندمّر إِنجازاته ونقلّل مِن شأنها ونحاول ان نتجاهلها او نتناساها او ايّ شَيْءٍ آخر، المهم ان ينتهي بِنَا الامر الى التقييم السّلبي.
   وهنالكَ قسمٌ ثالث على هذا الصّعيد، وهم الذين يقيّمون بالمزاج ومن منطلق المصالح الذّاتية، ولذلك تراهم يُحسِنون تقييم الأشخاص والاشياء اذا كان في الامر منفعةً لهم، وهم على استعدادٍ لان ينسَون او يتناسَون خلفيّات الشخص وماضيه وكلّ شَيْءٍ اذا كان التّقييم الإيجابي يخدمهم ويخدم أجنداتهم، امّا اذا تضرّروا من مثل هذا التقييم فتراهم يتذكّرون كلّ خلفيّات الرّجل من أجل تحطيمهِ عند التقييم، وكأنَّ وحياً نزلَ عليهم وذكّرهم بخلفيّاتهِ وماضيهِ وفي كلِّ ما يتعلّق بهِ.
   اذا احبّوا تقييمهُ بشكلٍ إيجابيٍّ نظروا الى المستقبل، وإذا أرادوا تقييمهُ بشكلٍ سلبيٍّ تسمّرت عيونهم الى الماضي وكأنَّ المستقبل لن يحلَّ علينا ابداً.
   هذا النّوع من النّاس هم المنافقون والنفعيّون والوصوليّون وأبواق السّلطان الذين لا يهمّهم من عمليّة التقييم الا ما يحقّق مصالحهم. قد عبّر الْمَلِكُ مرَّةً لطبّاخهِ الخاص عن رغبتهِ في الباذنجان، فأسرعَ الأخيرُ الى تعدادِ حسناتهِ التي لا تُحصى، وعندما اخبرهُ الملك بانّهُ لا يميلُ الى الباذنجانِ كثيراً تذكّر الطبّاخ مساوئهُ الكثيرة وما يُمكن ان يسبّب من أمراض! فردّ عليه الملك؛ لم افهم حقيقة تقييمِك للباذنجان، فلقد تناقضت في القول؟! فردّ عليه الطبّاخ؛ سيدي؛ انا خادمُ الملك وليس خادم الباذنجان! ولذلك فانا رهنُ إشارتِك فيما تُحبُّ وتكره!.
   هذا النّوع من النّاس يبذلون كلّ جهدهم من أجلِ ان يتطابق التّقييم مع مصالحهم، حتّى اذا احتاجوا الى ان يُنافقون او يكذِبون او يحسُدون او ينمّون، فليس في قاموسِهم معنىً للمروءة والصّدق والرّجولة والانصاف ابداً، ففي قاموسِهم معنىً واحِدٌ فقط عنوانهُ المصالح الشّخصية او ما نسمّيه بالانانيّة، وليذهب الصّدق والوطن والمواطن والدّم والعِرض والمستقبل الى الجحيم!.
   يتبع

   فل


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/12/21



كتابة تعليق لموضوع : أُسُسُ التَّقييمِ (١)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net