الإمام علي ( عليه السلام ) و جمعه للقرآن الكريم
الشيخ ليث عبد الحسين العتابي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
إن تاريخ جمع القرآن الكريم و ترتيبه و كذلك تنظيم سوره المباركة و تشكيله و تنقيطه و تقسيمه و تفصيله إلى أجزاء و أحزاب قد مر بمراحل ، و أثرت في ذلك و من أجل ذلك عدة عوامل ، إذ انه لم يكتمل على ما هو عليه الآن إلا بعد أن مر بتاريخ طويل ، فقد مرت عليه أدوار و أطوار ابتدأت بعهد الرسالة الخالدة ، و من ثم بمرحلة الجمع و التوحيد في مصحفٍ واحد ، حتى عصر التشكيل و التنقيط و وضع العلامات القرآنية و الذي يعتبر المرحلة الأخيرة قبل أن يكون المصحف المبارك على شكله الحالي .
نعم ، رغم أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( ع ) هو القائل : (( فما نزلت على رسول الله آية من القرآن إلا أقرأنيها و أملاها عليّ ، فكتبتها بخطي ، و علمني تأويلها و تفسيرها ، و ناسخها و منسوخها ، و محكمها و متشابهها ، و خاصها و عامها...))( ).
نجد ان في قبالها روايات كثيرة( )ـ موضوعة يقيناً ـ تقلل من قدر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( ع ) رويت جملة منها عن ( الشعبي )( ) ـ مثلاً ـ و التي لن يقبلها العقل السليم مطلقاً .
يقول محمد بن عبد الكريم الشهرستاني( )بهذا الصدد ما نصه : (...و دع هذا كله ، كيف لم يطلبوا جمع علي بن أبي طالب ؟ أوَ ما كان أَكْتَبَ من زيد بن ثابت ؟ أوَ ما كان أَعْرَبَ من سعيد بن العاص ؟ أوَ ما كان أقَرَبَ إلى رسول الله من الجماعة ؟ بل تركوا بأجمعهم جمعه ، و اتخذوه مهجوراً ، و نبذوه ظهرياً ، و جعلوه نسياً منسياً ؟ و هو لما فرغ من تجهيز رسول الله و غسله و تكفينه و الصلاة عليه و دفنه ، آلى أن لا يرتدي برداء إلا لجُمعة ، حتى يجمع القرآن ، إذ كان مأموراً بذلك أمراً جزماً . فجمَعَه كما أُنزل ، من غير تحريف و تبديل و زيادة و نقصان ، و قد كان أشار النبي إلى مواضع الترتيب و الوضع و التقديم و التأخير . قال أبو حاتم : إنه وضع كل آية جنب ما يشبهها...بلى و الله ، إن القرآن محفوظ ، لقوله تعالى : ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )) ، و أما حفظه بحفظ أهل البيت ، فإنهما لا يفترقان قط ، فلا وصل القول ينقطع ؛ لقوله تعالى : (( وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ )) ، و لا جمع الثقلين يفترق ؛ لقوله تعالى : (( إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ )) ، فنسخته إن كانت عند قوم مهجورة ، فهي بحمد الله عند قومٍ محفوظة مستورة (( بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ )) . و لم ينقل عنه ( عليه السلام ) إنكارٌ على ما جمعه الصحابة ، لا كما قال عثمان : أرى فيه لحناً و ستقيمه العرب ، و لا كما قال ابن عباس : إن الكاتب كتبه و هو ناعس . بل كان يقرأ من المصحف و يكتب بخطه من الإمام . و كذلك الأئمة من ولده ، يتلون الكتاب على ما يتلونه و يعلّمون أولادهم كذلك . و الله تعالى أكرم و أمجد من أن يدع كتابه الكريم المجيد على لحن حتى تقيمه العرب...)( ).
الشيخ ليث عبد الحسين العتابي

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat