صفحة الكاتب : د . حميد حسون بجية

تجربتي مع المصطلح اللساني من خلال وضعي للمعجم الألسُني
د . حميد حسون بجية

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 توطئة

  كانت ولا زالت مهمة المتخصص باللسانيات مشوبة بصعوبات ليس أقلها أهمية ترجمة المصطلح اللساني الغربي إلى اللغة العربية. ورغم أن ما كتب وألف من معاجم وقواميس في هذا الإطار قد بدأ منذ أمد ليس بالقريب، لكن المكتبة العربية لازالت تفتقر إلى ما يروي ظمأ المتخصصين في هذا المجال. ولا يفوتنا أن نذكر أن هنالك محاولات جادة في تأليف ووضع معاجم تتناول المصطلحات العربية المكافئة للمصطلحات الغربية.
    لقد كان باعثي على تأليف(المعجم الألسُني)هو ما وجدت عليه طلبة الدراسات العليا(الماجستير والدكتوراه) في قسم اللغة الانكليزية في كلية التربية للعلوم الإنسانية في جامعة بابل من حيرة تصل إلى حد التخبط فيما يخص إيراد المكافئ العربي المناسب لكثير من المصطلحات اللسانية الانكليزية. وقد صدر المعجم بجزأيه(انكليزي-عربي وعربي-انكليزي) عن الدار المنهجية للنشر والتوزيع 2015.
  وكانت المشكلة الأولى التي واجهتُها-وهي بالتأكيد تواجه كل الباحثين وواضعي المعاجم والقواميس-هي قلة المصادر. وكان البديل أن يتجشم الباحث عناء البحث عن ضالته في بطون الكتب المترجمة إلى اللغة العربية، حيث توجد في بعضها-وليس كلها- مسارد تتناول المصطلحات التي واجهها المترجم عند ترجمة عمل ما.
   وتكمن المشكلة الثانية في استخدام ما يسمى النقحرة transliteration (كتابة الكلمة في اللغة الهدف كما تلفظ في لغتها الأصلية). وهذا يوفر على المدى القريب للمترجم الكثير من العناء، لكنه غير ذي نفع على المدى البعيد. فمثلا كلمة morpheme  الانكليزية تكتب هكذا(مورفيم) دون التفكير بمكافئ مناسب لها.
   وكانت المشكلة الأخرى استخدام أكثر من مكافئ لنفس الكلمة أو التعبير. فمثلا كلمة coherence حظيت بالمكافئات التالية: (التئام، التحام، تلاحم، ترابط، تماسك، اتساق، مطابقة، ترابط المعاني ، ترابط منطقي). فالمكافئات السبع الأولى بعيدة كل البعد عن المعنى الحقيقي وليست ذات فائدة.
   على أن ثمة  تدبيرا آخر أكثر جدية ولكنه أقل ضررا ألا وهو إعطاء تعريف بين قوسين لمصطلح معين. فمثلا كلمة phoneme(فونيم) تذكر هكذا منقحرة ويليها تعريف بين قوسين( وحدة صوتية أو مجموعة أصوات تشكل وحدة صوتية متميزة). ولئن يفيد هذا الإجراء مرحليا، فهو غير ذي نفع على المدى البعيد.
  نقول ذلك ولا ننسى أن عملية وضع مكافئات ولكل المصطلحات بحد ذاته أمر ليس بالسهل وذلك لكثرة المصطلحات أولا ولتعدد وجهات النظر حول تلك المصطلحات في المقام الثاني.
مقدمة
   درج الباحثون العرب على التساؤل فيما لو أن المعجم نظام من أنظمة اللغة كأنظمة اللغة الأخرى: الصوتي والصرفي والنحوي. وبنوا تساؤلهم على أن أنظمة اللغة تتوفر على أمور ثلاثة(حسان،2006: 312):
1. العلاقات العضوية والقيم الخلافية بين المكونات،
2. الصلاحية للجدولة،
3. عدم إمكان الاستعارة بين لغة ولغة.
ويزيدون على ذلك ما يعود للوظيفة الاجتماعية للغة في عمومها(المصدر السابق: 314). ثم يقولون إذا لم يكن المعجم نظاما لعدم توافر مقومات النظام فيه، فمنهجه لابد أن يكون متجها إلى دراسة قائمة من الكلمات تشمل كل ما يستعمله المجتمع اللغوي من مفردات.
  فطبيعة المعنى المعجمي تعدده واحتماله. وتُعطى كلمة(صاحب) مثالا. فإذا جاءت مفردة كما هو الحال في المعجم فهي تعني لقبا أو مالكا أو صديقا أو رفيقا أو منتفعا أو مستحقا أو مقتسما. على أن المقام وما يستمد منه من قرائن هي التي تعين على تحديد المعنى.             
الخلاف والاختلاف
    بدءا نذكر قول الرسول الكريم(ص): (اختلاف أمتي رحمة). وعلى بركة الرسول الكريم نتبنى فكرة الاختلاف كونها إكثار من الخير-وفي مجالنا هذا- يعتبر إنتاج المصطلحات رغم اختلافها إثراء للغة ورأفة بمتكلميها.
  وللغتنا العربية تجربة كبرى مع اختلاف المصطلحات. فمدرستا البصرة والكوفة قدمتا مصطلحات مختلفة لنفس المفاهيم اللغوية: فما أسماه البصريون (اسم الفاعل) أسماه الكوفيون(الفعل الدائم)، و(الصفة) (النعت) و(التمييز)(التفسير) و(حرف الجر)(حرف الجحد). ولم يذكر لنا التاريخ أن ذلك أفسد للود قضية! وكان ذلك يعود لأسباب من بينها ما اتبعته المدرستان من سماع وقياس وتعليل، وما شهدتهما من تنافس علمي شريف لإثبات الذات. وفي اللغة الانكليزية نجد تسميات متعددة لنفس المفهوم، مثل infinitive, bare infinitive, infinitive without s,  base . فالتعددية الاصطلاحية ظاهرة لغوية طبيعية شأنها شأن الظواهر اللغوية الأخرى.
  ولاشك أن المصطلحات أصبحت جزءا لا يتجزأ من اللغة في العصر الحديث. بيد أن اللغة العربية تواجه أزمة في هذا المجال. ولا بد لذلك من أسباب. فقد ذهب أعداؤها إلى الادعاء بأنها لغة ميتة ولا تواكب العصر، وأن محاولات إحيائها كالنفخ في الرماد، سرعان ما يذهب سدى. وقالوا أنها لغة اقتصرت على الأدب والشعر اللذين دالت دولتهما، وأن العلم هو الميدان الذي تختبر فيه اللغات. وهذا انعكاس لما تشهده الأمة العربية المستعملة لهذه اللغة من تأخر في الميادين العلمية، بحيث أصبحت ثمة فجوة بين واقع هذه الأمة وما أصبحت عليه الأمم المتقدمة.
واقع المصطلح حاليا
  ولا يفوتنا هنا أن نذكر أن واقع الترجمة المتلكئ قد زاد في الطين بلة. فهنالك منهجيات مختلفة سلكها المترجمون في وضع المصطلحات. فقد اختلفت تلك الترجمة باختلاف مصادرها. وقد فرض هذا الواقع وجود أكثر من مصطلح للمفهوم الواحد سواء على صعيد اختلاف اللغات المأخوذ عنها: انكليزية أو فرنسية أو غيرهما، أو على صعيد تنوع اللغة نفسها: فمثلا في اللغة الانكليزية هنالك البريطانية والأمريكية. فوزارة الخارجية في بريطانيا مثلا تسمى Foreign Office وفي أمريكا State Department وفي كندا ودول رابطة الشعوب البريطانية(الكومنولث)Ministry of External Affairs   وفي بلدان أخرى تدعى Ministry of(for)Foreign Affairs. وهكذا تسميات عدد من الوزارات الأخرى. كما أن الكثير من المصطلحات والعبارات الانكليزية مثلا تستخدم في بريطانيا وعدد من دول (الكومنولث) لكن مصطلحات أخرى بمعان مماثلة تستخدم بدلها في الولايات المتحدة وكندا. وهنا لابد من الرجوع إلى القواميس أحادية اللغة للتمييز بينها.
        وقد فاقم من ذلك غياب وسائل النشر لتلك المصطلحات وغياب التنسيق العربي في هذا المجال. على أن هنالك ميلا في أن يستسهل المترجمون ذكر المصطلح الأجنبي بحروف عربية-كما أسلفنا- أو ما يسمى بالنقحرة، فكلمة morpheme تترجم (مورفيم) مع تعطيل أو إرجاء التفكير بمقابل عربي مناسب. كما أن الكثير من المترجمين لا يلتزمون كفاية بما هو متوفر من ترجمات تقدمها المجامع العلمية العربية. ويقول المتخصصون في هذا المجال أن ما يرصد لمثل هذه المشاريع لا يساعد في تطويرها على ما يرام. وإذا ما أخذنا بنظر الاعتبار ما يشهده العالم المتقدم من خطى متسارعة في كافة المجالات، عرفنا مدى الهوة المتسعة بين العالمين. وهذه الجامعات تصر على التعليم باللغات(الحية) كما يسمونها. وهذه أولا إشارة إلى أن العربية لم تعد حية، كما أن تطبيق استخدام اللغات (الحية)-كما يقولون-جعل الحاجة إلى المصطلحات والتفقه في معانيها أكثر شدة. على أن الكثير من اللوم يقع على وسائل الإعلام.
    بيد أن هنالك مبادئ عامة ينبغي الأخذ بها عند وضع المصطلحات أسهب فيها المتخصصون. من هذه المبادئ شيوع المصطلح. وفي هذا الإطار هنالك اتجاهان: الأول هو ما يؤثر الراحة باستخدام المصطلح الخاطئ ولكنه أكثر شيوعا، وهذا أشد خطورة على اللغة العربية، إذ يؤدي إلى شيوع اللحن بشكل كبير. أما الاتجاه الثاني فهو الالتزام باللغة العربية ومبادئها، وهو ما يؤدي إلى الإسهام بالالتزام باللغة وعدم إضاعتها.
    ومن تلك المبادئ ملائمة المصطلح المقترح للمصطلح الأجنبي، ومما يساعد في ذلك اقتصار ذلك المصطلح على ميدان واحد. ومنها أيضا يسر وسهولة استخدام المصطلح المقترح في التداول. وكلما كان المصطلح بسيطا أو مكونا من كلمة واحدة، كان أكثر احتمالا لنجاحه في التداول. على أن وضوح المصطلح مهم جدا في ترويجه. وهنالك مقاييس دلالية في اللغة العربية توفر للمترجم الجهد وتجنبه تعدد المعاني والدلالات للفظ الواحد.
     ويقترح بعض المتخصصين ما يؤدي إلى التغلب على مشاكل كثيرة في الترجمة، مثل السرعة في اتخاذ القرار حول المصطلح وسرعة نشره ليكون في المتناول. ويزعم أولئك الباحثون إن التباطؤ في ذلك يؤدي إلى تعزيز استخدام المصطلح الأجنبي، ومن ثم صعوبة محوه من الاستعمال لاحقا.     
    ومن بين المقترحات الأخرى ضرورة التنسيق بين الجامعات والمجامع اللغوية لإتباع أسلوب معين في وضع المصطلحات. ويتم ذلك من خلال شبكة للمعلومات الخاصة بالمصطلحات.
ويقترح البعض توجيه إرشادات للمؤلفين والمتخصصين لوضع مسارد بالمصطلحات الأجنبية وما يقابلها في اللغة العربية من أجل متابعتها ودراستها. ومن بين تلك تأليف معاجم ثنائية  ليتم اختيار مصطلح واحد من بين مرادفات متعددة. كما يقترح البعض تعريب التعليم في جميع الجامعات العربية. كما يعول البعض على الإعلام كثيرا لإشاعة تلك المصطلحات وذلك من خلال نشر المصطلحات عبر الوسائل الورقية والالكترونية.
    ومن بين الوسائل المعول عليها حديثا في التعامل مع المعاجم والقواميس الثنائية (عربية-انكليزية) مثلا، الخروج على الطريقة المألوفة التي تعتمد جذر الكلمة والتي درج عليها المعجميون العرب منذ القدم كالخليل في معجم (العين) والفيروزابادي في(القاموس المحيط)وغيرهما، وذلك باستخدام الطريقة الألفبائية في ترتيب مداخل تلك المعاجم. فلو أخذنا كلمة (مصدر) مثلا لوجدنا أنها ترد في حرف الميم وليس في حرف الصاد عندما نرجعها إلى أصلها(صدر). وهذه برأيي توفر الكثير من الجهد، كما أنها تنبئ عن وضوح أكثر.
    ويقول الباحث هادي العلوي(1999: 9) يقف اختصاصيونا فاغري الأفواه أمام ما حققه الانكليز من نجاح كبير في دراسة المصطلح. ولو تتبعنا الأمر جديا لهانت عندنا الكثير من الأمور. فالانكليز قد أخذوا عن اليونانية واللاتينية لسببين. أولهما أن تينك اللغتين سبقتا الانكليزية في استيعابهما للمعارف العلمية. وثانيهما سهولة اللغتين في الاستخدام المصطلحي. فثمة طواعية للمفردة فيهما للنحت والتركيب. فمثلا  المقطع logy المأخوذ من كلمة logos  اليونانية التي تعني العقل والمعرفة، تستخدم في الانكليزية لتسمية طيف واسع من العلوم. فقالوا biology ولم يقولوا science of life باستخدام كلمةscience  الانكليزية. فهي تقبل التصريف بعد اندماجها: biologist, biological, biologically وغيرها، بينما الكلمة الانكليزية science غير قابلة للاندماج ولا للتصريف. ولم يكن ذلك كافيا، فمال الانكليز إلى توليد الكلمات. ثم حملوا المفردات دلالات متعددة قد تصل في بعضها إلى مائة معنى في مائة مجال، مثلا كلمة tap  التي تزيد معانيها على الخمسين. وكلمة run وفيها أكثر من أربعين اصطلاحا. وكان المفروض أن ذلك يسبب إشكالات، لكن فيما نعلم لم يكن كذلك.
ثم أنهم تعاملوا مع التوليد الاعتباطي للمصطلحات. ووظفوا فيما وظفوه الحيوانات للتعبير عن معان صناعية وفضائية ونووية دون اعتبار للقرينة بين الحيوان واستعمالات التعبير في آفاق العلوم. فمثلا كلمة rabbit التي تعني الأرنب تطلق على الصحن الذي يستقبل الإشعاعات الذرية. ولو أنك بحثت عن الدلالة التي أدت بهم إلى ذلك الاستخدام، لما وجدت ما يقنعك. وهكذا كإدخال الفأر mouse في جهاز الكومبيوتر و الدودة worm والكبش ram الذي أخذوا منه اثنين وعشرين مصطلحا والصدفةshield في الكيمياء والفيزياء والعمارة والصناعة والنفط والسلاح والكهرباء وغيرها. كما استخدمت حيوانات أخرى مثل الخنزير والتمساح والسمكة والضفدع. وقد توصل بعض الباحثين إلى أن مرد ذلك يعود إلى مباني تلك اللغات والانكليزية واحدة منها يكتسب دلالة المطابقة للمقصود لديهم بغض النظر عن اعتباطية العلاقة بين الاثنين.
      وهذا يعكس لنا مدى الرهاب اللغوي الذي يعانيه المشتغلون في هذا المجال. فالمصطلح الغربي، انكليزي أو غيره، لم ينزل من السماء بوحي. ثم أننا ينبغي لنا أن نسير سيرتهم في وضع مصطلحاتنا. وهذه لا ينبغي أن تفهم على أنها دعوة لإدخال الحيوانات في مصطلحاتنا وعدم التدقيق فيها، وإنما التساهل في وضع المصطلحات.
   أقول ذلك وفي ذهني ما يملأ الموسوعات ودوائر المعارف الغربية من مفردات عربية وغيرها مثل الحج والجهاد والزكاة والحوزة وغيرها كثير مما هو أجنبي ومستعار بالنسبة لهم دون أن تكون ثمة حساسية من ذلك. أما نحن فيكفينا أن نعرف أن الكلمة الفلانية مأخوذة من كلمة أجنبية لنرفض أن تدخل معاجمنا. كما أن الشك في صحة الكلمة العربية أو مجرد تفسير غير دقيق يوحي بدقة متوهَّمة لها يكون كافيا لرميها خارج الحلبة.
   وغالبا ما يلجأ واضعو المعاجم العربية إلى مقابلة المصطلح الأجنبي بعبارة. وهو ما يؤدي إلى افتقار معاجمنا إلى المصطلح المفرد الصالح للاستخدام. فليس لديهم الجرأة في المجازفة بوضع المقابل الحرفي للمصطلح المعين.
   ومن البديهي القول أن اللغات اللسانية ومنها العربية لغات اشتقاقية في عمومها بينما اللغات الغربية لغات تركيبية في عمومها. ولكل من الحالتين مزاياه التي يمكن الاستفادة منها في وضع المصطلحات. والدليل أن العرب استفادوا من اشتقاقية لغتهم ليبنوا لغة وسعت كتاب الله ودواوين أشعارهم كما ساعدتهم على تبوُّء مكانتهم العلمية ردحا من الزمن.   
   وما يرد في الذهن ما حققه الصينيون من نجاح في تذليل لغتهم للعلوم بالاستفادة من التركيبية المقطعية لتلك اللغة. فجذر اللغة الصينية مختزل في الأصل، بمعنى أن حرفا واحدا وحركة خفيفة يكون مقطعا ، وهو ما يسمى المقطع الأصغر. أما المقطع الأكبر فهو أطول منه ولكن بما لا يزيد على تفعيلة عربية واحدة. وقد وفر هذا الاختزال لتلك اللغة إمكانية الاندماج لتشكيل مصطلحات أقصر كثيرا مما هو موجود في اللغتين العربية والانكليزية. فمثلا تشي-تشه تعني سيارة في العربية وmotor car في الانكليزية. والصينية أقصر الاثنتين. وهذا يذكرنا بما أجازه مجمع القاهرة من نحت وتركيب واستغله قاموس المورد في إيراد منحوتات مقبولة مثل زموهة أي إزالة الماء وزملحة أي إزالة الملح. وربما أخفق في بعضها لأنه لم يأخذ صلاحية المنحوت في الاعتبار مثل فوطبعي، والمقبول هو فوقطبيعي.
    ويشير المتخصصون إلى أن ثمة عقبة في تركيب الكلمة العربية تحول دون التوسع في التركيب، ألا وهي أل التعريف التي تدخل على كل من الصفة والموصوف فتحول دون اندماجهما. وقد كانت اللغات السامية القديمة دون أداة تعريف فتركبت منها كلمات لم تكن لتحدث لو كانت أداة التعريف موجودة، فمثلا ركبت(باب إيلو) لتصبح في العربية(بابل) فيما بعد و(كرب ابلو)أصبحت(كربلا)و(أربع ايلو)أصبحت(أربيل). ولو طبقنا ذلك على(باب الله وقرب الله والأربع آلهة) لامتنع التركيب بسبب وجود أل التعريف. وينبغي أن نذكر أن ظهور أل التعريف في العربية والعبرية كان دليلا على نمو اللغتين العقلي وتجاوزهما لدور السذاجة. فوجودها ضروري للتمييز بين مكونات العبارة ولتقنين اللغة. لكن تكرار الأداة في الصفة والموصوف أحدث خللا. ونرى أن العامة من الناس تجاوزوا وجود تلك الأداة خاصة في الإضافة، فمثلا عرق السوس أصبحت عرق سوس.
  ومن الخصائص التي يتصف بها المصطلح الانكليزي شدة الاختصار لإيجاد مصطلح سهل دون مراعاة للمفهومية التي ستتحقق لاحقا عند تداوله في محيط الاختصاص. فمثلا cooling coiled pipes أصبحت cooling coils وspectrum level width أصبحت level width.
  ومن الوسائل الناجعة في تكوين المصطلح الانكليزي استخدام أسماء العلم، مثل واط وداين وفولت وماكسويل وباستور وامبير وغيرها. حتى أن بعضها يثير الظرافة، مثل Goliath crane أي الرافعة العملاقة.فالاسم مأخوذ من (جالوت)العملاق المتجبر. كذلك في المفردة Derrick  التي تعني برجا ينصب على بئر نفطية، وهو اسم جلاد مشهور في تاريخ بريطاني وفرنسا, والسبب أن البرج يشبه المقصلة!
ولو أرادوا تكثيف المصطلح، للجأوا إلى حذف حروف الجر والإضافة وغيرها، مثل grid filament capacitance   الذي يعني السعة بين المصبّعة والفتيلة، إذ حذفت between.  
  ومما هو جدير بالذكر أن المفردة الانكليزية كشكولية، أي مفعمة بالمعاني المختلفة. فقد تصل معاني بعض المفردات إلى خمسين أو مائة معنى. ربما يعود السبب إلى استخدام مفردة ما في مجالات مختلفة دون تنسيق مع المجالات الأخرى. ولدينا في اللغة العربية كلمات كشكولية لكنها قد لا تزيد معانيها على رؤوس الأصابع.     
 وكما أسلفنا، فان من عيوب المعاجم الحاضرة ترجمة المصطلح إلى عبارة. وهذا ناتج عن التحرج عند الوقوف أمام المصطلح الانكليزي. وهذا ما لا وزن له أمام ما يعتري ذلك المصطلح. فمثلا cone drive ومعناها إدارة مخروطية مأخوذ من تعبير أطول وهو drive by belt between two gradient drums ويعني إدارة بالسير بين دائرتين متدرجتي القطرين. فمن جانب، هذا ليس معروفا عند عامة الناس إلا عند المهندسين الميكانيكيين. ومن جانب آخر هذا لا يفيدنا في الترجمة، لأننا بحاجة إلى مصطلح وليس إلى عبارة أو تعريف. وينبغي للمترجمين إلى العربية مراعاة نفس الإجراء عند وضع مصطلح عربي مقابل.
  ومن الجدير بالذكر أن ترجمة المصطلحات إلى عبارات تشغل أكثر من نصف المعاجم التي تتعامل مع المصطلحات. فهي بذلك غير صالحة للبحث العلمي ترجمة أو تدريسا.
  النقطة الأخرى الجديرة بالاهتمام هي أن المعاجم تتعامل مع المصطلحات وفقا لأصول اللغة العربية القديمة دون اهتمام للذوق اللغوي السائد. فمثلا كلمة السوق تبدو وكأنها تعني ذلك المكان المخصص للبيع والشراء. لكن المقصود منها السيقان-جمع ساق؛ وعامل تحويل القُطُر الذي لا يفهم منه شيء لأول وهلة، لكن المقصود بالقطر هو القطارات.
  ومن المفارقات أننا نستخدم كلمة(زيت) في بعض الأماكن من الوطن العربي كمقابل لكلمة oil وننسى أن لدينا كلمة نفط العربية أصلا.
  وتفرض بعض المعاجم نوعا من التفاصح على المغردة الأجنبية المعربة، فيحرصون على نطقها الانكليزي الفصيح، مثل: الومنيوم والناس تلفظها ألمنيوم وكربون والعامة تلفظها كاربون ونيلون –نايلون وكاميرا-كامرة على وزنها العربي. وهنا ينبغي أن نعول على الذوق العام فنتحاشى تعثرهم باللفظ الأجنبي.
  وقد درجت بعض المعاجم العربية على مجاراة المعاجم الانكليزية في الاختزال، فمثلا tangent curve ترجمت إلى منحني الظل بدل منحني بيان ظل الزاوية، وangle of lag  إلى زاوية التخلف بدل زاوية تخلف الطور، وغيرها من الأمثلة المتعددة. ولو أن المعاجم الاختصاصية طبقت هذه الطريقة لوفرت على نفسها الكثير.
        يشير الأستاذ أحمد الخطيب(2006: 1006) إلى استعادة العالم العربي ثقته بلغته فيما يخص المصطلحات العلمية والتقنية والحضارية. ويشير بذلك إلى نجاح تعريب التعليم الثانوي في معظم الأقطار العربية، بوجود مصطلحات موحدة شاركت في ترسيخها معاجم متخصصة أشرفت عليها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم. ثم يشير إلى تعريب التعليم في الجامعات لما لها من تأثير على لغة البحث العلمي والتأليف العلمي والإبداع العلمي.
    كما يشير إلى وجود وسائل لغوية متاحة في العربية لتوليد المصطلحات استخدمها العرب القدماء في نقل علوم اليونان والفرس وغيرهم. ويذكر من بين الوسائل  تحري لفظ عربي تراثي يؤدي مفهوم اللفظ الأجنبي، مثل علم الفلك مقابل astronomy وصفاق مقابل peritoneum.       ويرى أن ثمة مخزونا من الكلمات العامية في اللهجات المحلية مما يهمله أصحاب المعاجم يصلح لعمل المصطلحات، مثل خابور مقابل cotter وشتلة مقابل  sapling ومكوك مقابل shuttle ودبش مقابل rubble وغيرها.      
ومن بين الوسائل إذا لم يكن للفظ الأجنبي مقابل، وكان قابلا للترجمة، ترجم بمعناه، مثل مناعة مقابل immunity وانعكاس مقابل reflection، أو يختار له لفظ عربي مجازي ليحمل مفهومه مع وجود قرينة لذلك، مثل بريد مقابل post وعدسة مقابل lens وطيارة مقابل airplane. أو يشتق له مقابل باستخدام وسائل الاشتقاق المتوفرة في العربية مما لا تجاريها فيه أية لغة أخرى، فعدد الألفاظ التي يمكن اشتقاقها من كل فعل لا يقل عن مائتين، أو قد يزيد على ثلاثمائة لا نستخدم منها فعليا سوى أكثر من ثلاثين. فقد اقر مجمع اللغة العربية ترجمة –ableو-ible و-ble بالفعل المضارع المبني للمجهول، وترجمة اسمها بالمصدر الصناعي، مثلا solubleتترجم  يذاب وsolubility مذابية وfusible تترجم يصهر وfusibility مصهورية، وmalleable يطرق وmalleablity مطروقية. وقد اقترح البعض استخدام صيغتي فعول وفعيل بدل ذلك، مثل ذؤوب وذؤوبية وصهور وصهورية وطروق وطروقية.
  ومن بين الوسائل النحت ولو على نطاق ضيق، فنقول برمائي بدل بري مائي مقابل amphibian وكهرضوئي بدل كهربائي ضوئي مقابل photoelectric وجيوفيزيائي بدل جيولوجي فيزيائي مقابل geophysical وتشاكل بدل تشابه الشكل مقابل isomorphism وحلمأة بدل تحليل الماء مقابل hydrolysis وهكذا. وهذا هو نوع من التركيب المزجي.
      وعند تعذر وضع لفظ عربي بتلك الوسائل، يصار إلى التعريب بنقل المصطلح بلفظه الأجنبي مع تليينه بصيغة عربية، مثل نيوترون وتلفزيون وراديو وليزر وإلكترود ومكروفون وغيرها.
     كان قرار مجمع اللغة العربية في القاهرة بإمكان إدخال المعرب من الألفاظ في متن اللغة ذا أهمية كبيرة. فقد كان ذلك مما يعتبر حاطا من قدر اللغة العربية! وقد اتضح ذلك في المعاجم التي أصدرها المجمع.
 لم يكتف أسلافنا بتعريب الألفاظ التي أخذوها من الحضارات الأخرى مثل إستبرق وقسطاس ومسك وكافور ودلفين ومنجنيق وقولون ومئات المفردات غيرها، بل عمدوا إلى تعريب أسماء كثيرة كانت لها مكافئات عربية، مثل الإبريق وعندهم التامور والهاون وعندهم المهراس والرصاص وعندهم الصرفان والشلجم وعندهم اللفت والباذنجان وعندهم الأنب وغيرها كثير.
    وينقل الخطيب(2006: 1003) عن الدكتور إبراهيم مدكور رئيس مجمع اللغة العربية في القاهرة أن العلم تراث الإنسانية جمعاء، ولا مانع من تبادل الألفاظ كما نتبادل الأفكار والمعاني.
  ويطمئن المؤيدون للتعريب المتزمتين والصفاويين إلى أن التعريب في مجالات التخصص لا يضير اللغة لأنه سيبقى في إطار الاستعمال المتخصص ولن يتسرب إلى صلب اللغة المستخدمة في الأدب والبيت والمجالس إلا ما قل.
 أما قضية الاقتصار على مصطلح واحد لمسمى واحد فهو مما يتفق عليه نظريا ومبدئيا، لكن الخطر يكمن في صعوبة الاتفاق على تحديد ذلك المصطلح دون أخذ ورد. ومما يساعد في مفاقمة ذلك فتح باب الترجمة. وما يفصل في ذلك هو الاستعمال الذي يساعد في ثبات مصطلح دون آخر وهو ما يستغرق وقتا طويلا. كما أن قيمة المصطلح لا تتحقق بدقته  أو حسن دلالته فحسب بل أيضا باعتراف العلماء والباحثين به وكذلك الإجماع عليه.
  ويقترح الأستاذ الخطيب(المصدر السابق: 1002) أن واقعنا اللغوي والعلمي يفترض وضع  مصطلحات على مستويين:
  المستوى المفرداتي الشائع الذي يحتمل الترادف: ومن أمثلة ذلك إضاءة وإنارة مقابل lightingو illumination والضياء مقابل luminosity وضيائية مقابل luminescence والإستضواء مقابل luminance.  
المستوى المصطلحي المميز الذي لا يصح فيه الترادف: فمثلا لا يجوز أن نقابل admittance مسامحة ومسايرة وقبولية وسماحية ومطاوعة. بل ينبغي الاتفاق على مصطلح واحد فقط لأداء المفهوم المعين أو المفهوم الواحد المتميز.
   كما لا يصح استخدام مصطلح عربي واحد للتعبير عن مصطلحات أجنبية متعددة، مثلا وسيط مقابل كل من parameter وmean وmedian وintermediary وغيرها. أو استبدال مقابل كل من replacement وsubstitution وcommutation وغيرها.
  كما لا ينبغي أن نستخدم مصطلحات عربية عشوائية الترادف مقابل مصطلحات أجنبية متقاربة المعنى لكنها ذات مفاهيم محددة مختلفة، مثل تركيب مقابل composition و  structure وsynthesis ، في حين توجد لدينا في العربية بنية وتخليق وتأليف وتوليف وبناء وغيرها. وينبغي أن تقوم لجان متخصصة بمعالجة هذه المصطلحات الأجنبية المتقاربة المدلول.
  ولابد من القول أن ثمة مصطلحيين ومعجميين على مستويات رفيعة في الوطن العربي. ومن الضروري استحداث برامج دراسية تخرجية وبعدتخرجية مكثفة لأعداد اختصاصيين في الترجمة ووضع المصطلحات.
   كما يجب أن يكون هنالك رصد متواصل للمصطلحات الجديدة في مصادرها لتمحيصها والحصول على مصطلحات على قدر كبير من المقبولية.
     ومما هو جدير بالذكر أن ثمة قرارات للمجامع العلمية العربية بخصوص تسهيل عمل المترجمين وواضعي المصطلحات، وهي مما ينبغي الاطلاع عليه وتطبيقه بما يفيدنا كثيرا في وضعنا الحالي.       
 
المصادر
- البعلبكي، منير. 2005. المورد الأكبر: قاموس إنكليزي-عربي حديث. بيروت: دار العلم للملايين.                     
-الخطيب، أحمد شفيق. 2006. معجم المصطلحات العلمية والفنية والهندسية الجديد(إنكليزي-عربي). بيروت: مكتبة لبنان ناشرون.
-الزركان، د. محمد علي. 1998. الجهود اللغوية في المصطلح العلمي الحديث. دمشق: اتحاد الكتاب العرب.
-العلوي، هادي. 1999. قاموس المصطلحات الصناعية والتكنولوجية. بيروت: دار الكنوز الأدبية.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . حميد حسون بجية
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/12/18



كتابة تعليق لموضوع : تجربتي مع المصطلح اللساني من خلال وضعي للمعجم الألسُني
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net