صفحة الكاتب : مثنى مكي محمد

الأسماء: عنوان لأكثر من مدلول
مثنى مكي محمد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 (ان اللغات ليست أصواتاَ أو كلاماً أو حماساً أو بلاغة أو كبراً، ولكنها منطق وفكر وشعر وابداع وتهذيب

ورؤية ووقار... وصمت.) عبد الله القصيمي: العرب ظاهرة صوتية
 
يقول المثل الانكليزي: There is so much in a name ومعناه: (في الاسم تجد الكثير). لكن يبدو أن العرب قد فاقوا الانكليز في تطبيق مضمون المثل. فقد مارس العرب (لعبة الأسماء) منذ مئات السنين. فدأب أهل لغة الضاد على توظيف سلاح اللغة متمثلاً بالأسماء والألقاب توظيفاً يتخطى الاستخدام التقليدي للأسم لأغراض أبعد وأعمق. وما نزال حتى يومنا هذا نشهد ألوانا من هذا الولع وتجليات. فكتب معاني أسماء الاولاد والبنات في مكتباتنا المحلية لا ينافسها غير كتب تفسير الاحلام وكتيبات رسائل الموبايل النصية. مما يعكس الاهتمام الذي يوليه المواطن العربي للأسماء، وهو اهتمام قلما نجد ما يضارعه عند الغرب بالأبعاد التي سنتطرق اليها في هذا المقال. 
ان المتفحص لهذه الظاهرة يدرك أنها احياناً تستخدم كسلاح يستهدف الآخر بالسخرية اللاذعة الا أنها في أحيان اخرى تعبر عن رغبة العربي في التماهي مع الآخر ممن يتعاطف مع قضاياه المصيرية كاشفةً عن احساس بالمرارة لعدم تبني ابناء جلدته المواقف المرجوة. فبعد التدخل الروسي في سوريا تداول عدد من مواقع التواصل الاجتماعي نكتة تقول (كان هناك رجل بقال يبيع الفواكه والخضراوات في منطقة كرمة بني سعيد في مدينة الناصرية، وكان هذا الرجل الفقير يبيع فاكهة التين المجفف في فصل الشتاء والتين الطازج في فصل الصيف، ولكون هذا الرجل غير متزوج فكانوا يطلقون عليه «جاسم أبو التين». وكان الرجل فقيراً فهاجر إلى روسيا، تزوج جاسم ابو التين من امرأة روسية اسمها «ماريا ﻻفنونوفا» وأنجبا طفلاً اسموه «عبد الأمير» ولكن كان يصعب على السكان الروس نطق الاسم بهذا الشكل فاختصروا تسميته بـ «فلاديمير» لسهولة النطق، كما أطلقوا على جاسم أبو التين «بوتين» لسهولة النطق أيضاً، وأصبح اسم الابن في بطاقة الأحوال الشخصية «فلاديمير بوتين» أي عبد الأمير أبو التين. وأصبح هو الرئيس الحالي لروسيا الاتحادية!).
وهناك طرفة اخرى تقول أن الرئيس الامريكي باراك أوباما سوداني الاصل واسمه (مبارك أبو عمامة). 
ويتجلى هذا الأمر أيضاً بصور المشاهير من شخصيات مؤثرة عُدّلت وأُضفى عليها مسحة محلية عربية.
وهذه الطُرَف، مع ما تعكسه من روح دعابة، فانها قد وظفت الاسماء وتلاعبت بها صوتياً أو ابتدعت لها تأريخاً مورفولوجياً لا يخلو من طرافة. وقد تكون السخرية موجهة نحو الذات فاذا بها أداةً تحرك وعي المتلقي وتوقظ ادراكه لحالة التردي والعجز. ففي ستينات القرن الماضي انتشرت نكتة صدقها البعض وروج لها معمر القذافي مفادها أن الكاتب الانكليزي شكسبير عربي الاصل وهو في الحقيقة (شيخ زبير) -والزبير قضاء في البصرة- وقد حُرِّف الاسم بالانكليزية لتسهيل اللفظ!
كما أن للخرافة نصيب في موضوعنا. فقد دأب أجدادنا على اختيار اسماء معينة للمواليد لطرد العين (باختيار أسماء قبيحة) أو لقطع النسل (كاسم "بسعاد" و"كافي"). كما اتخذوها وسيلة للتعبير عن جزئية في تأريخ العائلة أو البلد أو حتى كوسيلة لاخفاء الانتماء لطائفة معينة في أوقات تأزم العلاقات بين مكونات المجتمع. بل ومنهم من امتنع عن تسمية مولوده لسنين حتى يضمن عيشه وبقاءه على قيد الحياة في وقت كانت الأمراض وسوء التغذية تحصد الارواح.
وللأسماء بعد ميتافيزيقي أيضا عند العرب. فللعرّافين وقارئي الطالع جداول خاصة يقابلون فيها الحروف المكونة لاسم الشخص بأرقام ورموز لمعرفة الطالع. ولعل البُعد السحري للاسم الذي يحمله الانسان له صلة بالقدسية التي يضفيها العربي على الحرف، فالنص الديني لا يجوز أن يحرّف (بل هو غير قابل للتحريف كما هو الحال في كتاب الله العزيز).
والاسم عند العرب- وان كان مما لا اختيار للفرد فيه- الا أنه عند البعض قد يُدخل الانسان في دائرة الايمان أو يخرجه منها. وهو مفهوم دفع عدد غير قليل من الأبرياء حياتهم ثمناً له في ظل انتشار التطرف والرغبة بالغاء الآخر وتصفيته جسديا وثقافياً، فانا لله وانا اليه راجعون.
وما الحديث النبوي الشريف: (ليس منا من دعا الى عصبية) الا فضح لممارسة ورثناها عن الأسلاف وأتت اليوم اُكلها بثمرة الشر التي حملتها شجرة الماضي، فهلا غرسنا لغد؟
 
تحفل شبكة الانترنت بصور معدّلة لشخصيات مؤثرة، أضيفت لها لمسات عربية محلية: أهي أزمة هوية أم رغبة بالتماهي مع الآخر؟

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مثنى مكي محمد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/12/16



كتابة تعليق لموضوع : الأسماء: عنوان لأكثر من مدلول
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net