صفحة الكاتب : علي علي

من الذي "يسلّم العراق ترابا"؟
علي علي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
في تعليق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن وضع العراقيين في بلاد المهجر قال: "السنة يهاجرون والشيعة يهاجرون ويعيشون جنبا الى جنب في بلاد الغرب ولايتجرأ بعضهم على بعض! إذن، المشكلة في بلدهم وقوانينهم وشيوخهم وحكامهم"..!
لم يكن شخص مثل بوتين يطلق وجهة نظره هذه جزافا، فهو يعي جيدا أين يصل صدى تصريحاته والى أين يمتد مدى مقولاته وآرائه، بل حتى (عطساته)، لاسيما والعالم اليوم بات أشبه بقرية صغيرة بفضل وسائل الاتصال الإلكترونية. ووصفه هذا قطعا معيب لو أدركه القائمون على حكم العراق، فقد كان حريا بهم أن ينتهزوا سقوط النظام القمعي، وزوال الطاغية الدكتاتوري، وسن سنة حسنة في تعامل جديد مع الوضع الجديد في العراق الجديد، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. إذ كان الأولى بهم أن يتنبهوا الى أن البلد في دور نقاهة -إن صح التعبير- وفي حال كهذه عليهم إيلاؤه عناية خاصة، لاسيما وأن أغلبهم كان معارضا للحكم السابق، وعليهم السعي الجاد والدؤوب في قلب الصورة المشوهة للحكومة السابقة، ورسم صورة جديدة زاهية، والعمل على كسب ثقة القاعدة الجماهيرية لشعب أثقلته الحروب وعبثيات النظام السابق، علاوة على الأنظمة التي سبقته وتعاقبت على احتلاله وحكمه، فهل كان ساسة مابعد 2003 كذلك؟. للأسف ومن سوء حظ العراقيين أن أغلب من تسنموا مراكز القيادة في مؤسسات البلد وهيئاته ووزاراته ومجالسه الرئاسية، لم يعيروا أدنى أهمية لمصلحة البلد، فتركوا أهواء التدخلات الخارجية –فضلا عن الداخلية- تعبث باستقراره وسلامه وسلامة أمنه، فتداعت هذه المعطيات الى ماهو أكثر منها شرا وتأثيرا سلبيا على حاضر البلاد ومستقبلها، وشيئا فشيئا سار البلد الى الهاوية بكل سلاسة وسهولة، وفق جدول وسياق معتمد مسبقا، فأدخلوه في أنفاق مظلمة غير نافذة إلا الى الخراب والدمار، فيما كان شغلهم الشاغل سرقة خيراته بما تكنزه أرضه من ثروات، كما أنهم اعتمدوا سياسة (يامغرّب خرّب) فأجهزوا على حضارة وادي الرافدين التي بناها منذ قرون سكانه وقاطنوه، وبهذا فإنهم عملوا بنهج صدام ذاته، ذاك النهج الذي كان يتبجح به المقبور بقوله في أكثر من محفل؛ "سأسلّم العراق تراب"..!.
  على أرض مساحتها 437,072 كم مربع، يقطن منذ بضعة آلاف من السنين شعب اختلفوا في قومياتهم وأديانهم وأطيافهم، وتبعا لهذا فقد اختلفت عاداتهم وتقاليدهم ومفردات يومياتهم، وصار لكل فئة منهم فولوكلور خاص بهم، وتراث يميزهم عن أٌقرانهم، مع هذا كله وعلى سعة أرضهم وتنوع تضاريسها، فقد توحدوا جميعهم في الولاء والانتماء لرقعة الأرض الصغيرة التي نشأوا فيها وترعرعوا عليها "أبا عن جد". تلك المساحة من الأرض أطلق عليها منذ الأزل أسماء عدة منها؛ بلاد مابين النهرين، وباليونانية ميزوبوتاميا، وأوروك، وكذلك أرض السواد. كما تخصصت كل مدينة فيها باسم لها، يتغير على مر التاريخ والسلطات الحاكمة، فالعاصمة بغداد على سبيل المثال تقلبت بين أسماء عدة تبعا لهوى حاكمها ونزواته، إذ صار لها من الأسماء؛ (بغداذ وبغذاد وبغذاذ وبَغْدِينُ وبغدان ومَغْدان) ثم أطلق عليها دار السلام. ومع كل متغيرات السياسة لم يتأثر العراقيون بفئاتهم وقومياتهم ودياناتهم بتلك التغيرات، فعاشوا في عراقهم وتعايشوا رغما عن أنف حكامهم مهما جاروا وظلموا.
إنه لمن المؤلم اليوم القول والإقرار بأن ساستنا الجدد هم الذين سيسلمون العراق ترابا لاصدام..!
 
aliali6212g@gmail.com

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي علي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/12/15



كتابة تعليق لموضوع : من الذي "يسلّم العراق ترابا"؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net