صفحة الكاتب : محمد الحمّار

من أيّ منظور لا تُفيدنا الخبرات الأجنبية؟
محمد الحمّار

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
في ظرف يومين أتيحت لي فرصة الحضور في محاضرتين لخبيرين أجنبيين، سيدة ورجل، استقدمهما مركز دراسات الإسلام والديمقراطية لغرض الاستفادة من خبرتيهما في مجالات متصلة بالانتقال الديمقراطي. كانت الأولى خبيرة أمريكية مصرية، الأستاذة مارغوت بدران، تحدثت إلينا حول موضوع النِّسَوية الإسلامية (الثلاثاء 21-6-2011). وكان الثاني خبيرا بريطانيا، الأستاذ دايفد فرانش، وهو مختصّ في التدريب على أساليب بناء الحوار الديمقراطي (الخميس 23-6-2011).
ما من شك في أنّ الفائدة حاصلة من المحاضرتين، ومن أية تظاهرة من هذا الصنف، خاصة لمّا يكون المدعو غير ممثل لجهة أجنبية حكومية أو ديبلوماسية وإنما يكون مُلمّا بموضوعه وطارحا إياه بشكل منظم وعلمي بعيدا قدر الإمكان عن غوغاء الإيديولوجيا وعن النفع السياسي والسياسوي.
لكنّ الذي شدّ انتباهي من حصيلة المحاضرتين يتلخص في بضعة ملاحظات من أهمها أذكر:
 أولا، بونٌ شاسع ما يزال يفصلنا عن فكر الرقي، فكر اكتساب الخبرة وتحويلها إلى عمل ملموس.
 ثانيا، لمّا نستضيف خبراتٍ تنتمي إلى ثقافة الإسلام، إن لم نقل مسلمة، ومؤمنة بتحديات الحاضر والمستقبل للأمة التي تنتمي إليها تونس، يربحنا ذلك على واجهتين اثنتين: واجهة التوسع المعرفي الذي يسمح به المخزون الفكري والخبراتي للضيف، وواجهة الاشتراك مع الضيف في الهمّ الثقافي النسبي وفي القضية السياسية الأهلية، وبالتالي مشاركته العمل على بلورة البدائل والمشاريع والبرمجيات التي تنبثق من اختصاصه العلمي. و مارغوت بدران من هؤلاء.
ثالثا، لمّا نلجأ إلى استضافة خبراء محاضرين غير مسلمين أو غير منتمين إلى الثقافة الإسلامية لم يعُد هنالك مجال للشك في أنّ المنفعة الحاصلة من محاضراتهم لا تعدو أن تضاهي المنفعة التي نحصل عليها من قراءة مقالة أو بحث أو كتاب. وفي أفضل الحالات من المفترض أن يعتبرها الضيف والمضيّف فرصة ممتازة للتواصل البشري. ودافيد فرانش من هؤلاء.
لقد تغيّرنا فعلا. وتغيّرنا نحو الأفضل. ولثورة تونس شأن في هذا التغيير لا محالة. سأضرب لكم مثلا بسيطا كإفراز عن اللقاءين المذكورين: في اللقاء مع ماغوت بدران كانت المشاركاتية (كمقاربة تربوية) مضمونة، الأمر الذي جعل الحاضرين يستأنسون بأفكار ومقترحات ومنهجيات الأستاذة الخبيرة في النسوية الإسلامية إلى درجة أنهم استساغوا الفكرة بكل سلاسة ولم يُعرِب متدخل واحد عن توجسٍ ما أو ارتيابٍ ما أو تعطيلٍ ما في مستوى التفكير. بينما يتعطل التفكير لمّا يحاول الباحث التونسي دفع النقاش، مع الضيف الأجنبي غير المسلم، إلى أعالي الفكر أين هنالك مسائل شائكة تنتظر الدرس والحل، ومشكلات عويصة تتطلب التعاطي بواسطة العامل الهوياتي كواحد من مرتكزات التفكير.
 في نهاية المطاف، التحفظ الذي أُشدد عليه يتمثل في ما يلي: رغم أنّ دافيد فرانش، أو أي خبير عالمي لا يعيش داخل الثقافة الإسلامية، يقترح عليك منهاجا كاملا ومتكاملا، إلاّ أنّ ذهنيتك المتشبعة بالثقافة النسبية، وهي عربية إسلامية بالأساس، لكنها مطعّمة بالكونية، تدفع بك إلى اتخاذ القرار التالي: "كل ما قلته صحيح يا أستاذ، إلاّ أني مطالب بالتوصّل بنفسي ومن منطلقاتي الذاتية إلى ما يعادل ذلك أو ما يشابه ذلك أو ما يضاهي ذلك. لا نزال نتعلم منكم المعرفة والفكر، ولن نكف عن ذلك طالما أنّ هنالك مبدأ اسمه التلاقح الثقافي وآخر اسمه التبادل العلمي. إلا أنّ الإفادة لا يمكن أن تطال مجالين اثنين: الشرعة والمنهاج. إذ هذا الثنائي يمثل ميزة حضارتنا والتوقيع عليها. وقد جاء ذلك في الكتاب الكريم: "لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهَاجًا" (المائدة: 48)"
محمد الحمّار
باحث في استراتيجيات التغيير

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد الحمّار
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/06/26



كتابة تعليق لموضوع : من أيّ منظور لا تُفيدنا الخبرات الأجنبية؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net