صفحة الكاتب : ادريس هاني

الليبدو الداعشي من كعب الأحبار إلى سيغموند فرويد
ادريس هاني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 

لقد أدخلت صورة الحور العين ضمن المحفّزات الحيوية للعمليات الانتحارية، لأنّ المسألة لها علاقة بجدلية منتهى اللذة التي تفتح مجالا للسقوط في الرغبة في الموت..إنّهم طبّقوا عليهم فكرة فرويدية أثيرة في جدلية الرغبة في الحياة والرغبة في الموت ودور الرغبة وتحديدا اللّيبدو في كل ذلك...يطبّق هؤلاء الإرهابيون النظرية الفرويدية من دون وعي مع أنّ محمد قطب علّمهم الحقد على فرويد ليس لأنّه أسّس لمفاهيم الإباحية كما يعتقدون بل لأنّهم يرون فيه فضيحتهم..فالصور الاستبطانية التي استخلص منها فرويد كلّ آرائه في الجنسانية والجنوسة تنطلق من الذّهنية الأصولية للأقلية اليهودية من جهة وللمزاج المتطرف لفرويد الذي كان على شيء من الغرابة في سلوكه اليومي..ففي كل شخصية داعشية يوجد شبح فرويدي يوحي بجدلية الحياة والموت القائمة على انحراف في الرغبات..إذا أضفنا إليها محاولة أدلر، فسنكون أمام سلوك تقدحه عقدة حقارة..في النّهاية إنّ الشخصية الانتحارية التكفيرية تحرّكها الرغبة في امتلاك أقصى اللّذة..إنّ خلاصها هو خلاص ليبيدينالي..صورة الحور العين وليس المبدئية..تحضر المبدئية هنا كمظهر وواجهة يخفي عنفوان الرغبة..لا تحمل الحور العين في المنظور الداعشي تصورا مثاليا، بل هي تعكس التصور الماجن الدنيوي..أي ما لا يمكن فعله بدافع الحرمان أو الأخلاق..بهذا يؤمنون فعليا بأن الجنة هي جغرافية ماجنة أو مدنّسة..جغرافيا لا أخلاقية..فما هو ممنوع هنا متاح هناك وله شرعية بحسب ما يمليه المزاج الذي يفترض قيه الداعشي أنه سيظل كما هو هنا ولن يخضع لنشأة أخرى..كل شيء يتغير في الجنة إلاّ الرغبة تزداد هيجانا..تتضاعف الرغبات..ويزداد مقدار الطاقة والقوة..وليس ثمة تابوهات..كأنّ رحلة الكمال هي العودة إلى أسوأ ما في الدنيا باعتباره جائزة مكتسبة..بهذا المعنى فليست الجنة في التصور العميق للداعشي سوى أسوأ الدنيا ..هي بالنتيجة نزول وليست صعودا..هي التطبيع مع المرض..ليس لهؤلاء أي مطالب راقية في الجنة..لا موسيقى ولا علم ولاشيء..كل هذا في نظرهم من عوارض الدنيا..فهم في الجنة لا يحتاجون إلى العلم..لكنهم في حاجة إلى الجنس..وكأنهم لم يدركوا متعة العلم..يعتبر الداعشي أن مقاربة للجنة تتسامى بها عن الغرائز هي نقيض لمفهوم الجنة..حتى لو تعلق الأمر بنشأة أخرى لا تحتاج اللذة أن تكون في طريق العلاقات الطبيعية للانجاب..فاللذة نفسها قد توضع في طريق آخر وبكيفية أخرى..إنّ الرغبة في التعويض تجعل التكفيري يكفر بالنشأة الأخرى، بل هو يريد بلوغ الجنة بنشأته هذه..مع أن فلسفة الجنة تتناقض مع نشأة الدنيا من حيث أنّها مرتعا للذة العقلية..وحتى سائر اللذائد في عالم المثال تأخذ صورة المادة وهي أحطّ أشكال اللذة في النشأة الأخرى.. تصور التكفيريين للحور العين يحمل تصميم ذات مركّبة بالغة الانحراف..وبالتالي هم هنا مرضى الجنس..تستطيع ومن خلال أوصاف الحور العين أن تقف على طبيعة هذا المرض..بل إنها الطريق لتحليل نفسي دقيق للشخصية الداعشية..يطرح تحدي أمام هذا التصور: بما أن عدد الحور العين لا ينتهي..وبما أنّ الرغبة تتجدد على مدار الزمان..ألا يعني أنّ ذلك سيجعل من الأمر أمرا عاديا مثل فعل تنفس الهواء؟ ما قيمة اللذة إن كانت دائمية ومضاعفة حدّ تخطي المنفعة الحدية بمفهوم الاقتصاد السياسي للذة؟ الغالب على تلك الصور هو الهوس والجنساوية المفرطة..الجنة في نظر التكفيري جغرافيا للنذالة والعطالة والتفاهة ونهاية للقيم والأصول..لنتصور مجموعة من التكفيريين ونحاول أن نرسم بورتريه للتكقيري في الجنة وكما يتصورها بعقله وذوقه ونصوصه: مجموعة من المرضى وقطاع الطريق وجدوا فرصة للتحول إلى دار الخليفة البغدادي تحت وقع الإعلان والتشويق الذي يقرن العمل القتالي بتوفير المكافآت المالية والنساء والبيوت والإمارات وفي حالة الشهادة ترتقي المكافأة إلى مزيد من هذه الغنائم..هذا بالنسبة لجيل الضباع يشكل فرصة..أما المغامرة من أجل هذه اللذائذ فهو متوقع من شباب يعيش التهميش واليأس والجهل..والجهل هنا ليس بالضرورة الأمية..ثم ها هو في الجنة بعد أن امتص دماء الأبرياء..أول ما يقوم به ليس السلام على أهل الجنة ولا حتى ركعتان كتحية للدخول..بل يقفز كالسهم في أحضان الحور العين ليبدأ السهر والسمر..خمر من الجنة متوفر بل أنهار منه تجري..والفواكه دانية قطوفها كأنهم قردة في مزرعة بأوغاندا..وهم في شغل فاكهون..بمعنى وكما جاء في تفسير بعضهم لمعنى هذه الآية، أنهم مشغولون بافتضاض العذارى..لا شغل غير أكل الفاكهة وهم على الأرائك ومعانقة الحور والحديث عن كيف كانوا وكيف أصبحوا..جنة بالفعل في تصورهم خاوية على عروشها من القيم والفكر والعلم..العارفون الذي ركزوا على النشأة الأخرى أدركوا أن مسالك اللذة تتغير بحسب النشأة الأخرى..وبأنّ لذة العقل تفوق كل اللذائذ..لقد أودع الله فيك الرغبة واللذة في هذا المسلك ليكون حتمية من حتميات التكاثر واستمرار النسل بالترغيب الحتمي..ولكن ما الحاجة إلى ذلك في النشأة الأخرى؟ ولم لا توجد هذه الملذات في مسالك تليق بنشأتها المختلفة؟ متعة التأمل والحضرة القصوى في الملكوت الأعظم..وبهذا الفهم قد تبدأ جنتك من هنا..من حيث تعلم وتفهم وترى..من حيث ترتسم الصور الحقيقية التي تجعل طريقك واحدا في كل النشآت..القاسم المشترك بين كل النشآت هو متعة العقل والروح..إنّ النذالة التي تهيمن على التصور هي نفسها التي تنعكس على السلوك..فالتكفيري مستعد أن يقتل الناس جميعا من أجل صورة متعهّرة في ذهنه أسقطها على جنة ربّ العالمين..إنّ كل الصور المتدفقة في النصوص الإسلامية هي من الإسرائيليات في الغالب..صناعة أولئك التائهون في البراري..المتعصبون والمرضى..استدعى بعض الإخباريين هذه الصور من باب التحفيز وتسامحوا معها من باب التسامح في أدلّة السّنن..ولكن لم يكونوا يدركون أنها ستصبح دينا قائما بذاته..من خلاله تفسر كل أصوله..هي إذن قصة الصور الجنسية التي رافقتنا منذ الإسرائيليات ، ولذا كان من الضروري أن يقدم فرويد تفسيرا أفضل لها بواسطة الاستبطان..الاستبطان في اللاوعي الذاتي واللاوعي الجمعي الثقافي.. إن ما يحدث اليوم هو ضريبة لفهم ديني تشكّل على أساس التسامح في أدلة السّنن..العلاقة المنحرفة بين العنف والجنس..فحيثما يحضر العنف المرضي يحضر الجنس المرضي.. تبدو الجنة في تصور هؤلاء المرضى مسرحا يعكس شكلا من الرّدة البيولوجية..رجل يملك القدرة الجنسية للشاميانزي فيما يتراجع العقل الذي لا يوجد أصلا نشاطا لتنميته سوى الاستلقاء المستدام على الأرائك وأكل الرمان ومباشرة حور عين يرى مخّ العظام من ساقها وكأنها صنعت من زجاج..لا مكان هنا لجدلية العقل الناظم والعقل المنظم..وتطغى هذه الصورة حتى على العبادة التي اعتبروها ستتقلص لتصبح تسبيحا وهذا التسبيح لا إرادي مثل تنفس الهواء، وبالتالي لا تكليف.. أي ما يفهم منه الداعشي جغرافيا للإباحة الدائمة والزعرنة الخالدة.. ولا يوجد داعش يتمنى أن تكون حور العين هي شريكة حياته ومن تستحق بحبها له أن تكون رفيقته في تلك الدّيار..إنه يرى فيها فرصة للخيانة..فليس على التكفيري حرج في الجنة..فهو بلطجي في الدنيا والآخرة..بينما ليس للآخرين سوى الموت في الدنيا والنار في الآخرة..لو دخل هؤلاء الجنة على هيئاتهم لوليت من الجنة فرارا ولملئت منهم رعبا..ستكون الجنة أشبه بجزيرة الكنز وقد حل بها أسوأ القراصنة..تجنيس الجنة مثل الماخور سيجعلها واحدة من الجزر الفانتازية التي تعكس خيال أحفاذ بن تيمية وبن عبد الوهّاب، اللذين أحيت المنظومة النفطية رسومهما ونشرتها في الآفاق وفخّخت بها أدمغة اليائسين من أراذل الأقوام والمجتمعات..أصبح مصيرنا ومصير العقل معلّق على صورة حور عين في ذهن تكفيري آبق من حياة العقل..انحطاط ومرض وجهل أصبحت له أبعاد جيوسياسية ترهن التاريخ والجغرافيا لفهم ديني لا يقلّ عن كل فهم وضيع أو أيديولوجيا رثّة.. تلعب المفارقة دورا خطيرا مع مرور الزمان..

إنهم لم يعلموهم أنّ الجنة لا يمرض فيها أحد ولا يسقم..وليست ماريستانا للمجانين والحمقى والمنحطّين..بل هي رقيّ وكمال وسواء عقلي وروحي..لم يعلّموهم أنّ الجنة هي لحظة القضاء المبرم على كل غريزة تأسر العقل..بل هي لذّة العقلاء في صقع العقل والمعقول في مرتبة التجريد الأقصى حيث لا يوجد غير العق

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ادريس هاني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/12/10



كتابة تعليق لموضوع : الليبدو الداعشي من كعب الأحبار إلى سيغموند فرويد
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net