صفحة الكاتب : خالد مطلك الربيعي

طاغور... فيلسوف و حكيم زمانه ... شاعر الهند الكبير
خالد مطلك الربيعي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

طاغور شاعر الفلسفة والحكمة .طاغور الشاعر والرسام .المبدع الذي ذاع صيته وانتشرت شهرته حكيما ورساما وفيلسوفا ...
ولد في 24 نيسان من عام 1861، وعندما بلغ الرابعة عشرة من عمره توفيت والدته، وفي العام التالي انتحرت شقيقته، وتتالت الأحداث المؤلمة في حياته، فبين عامي 1902 و 1918، انتزع منه الموت زوجه وثلاثة من أطفاله ووالده، ومع ذلك، فقد جعل منه صفاؤه الواسع وضبطه لنفسه وخضوعه لله (الذي ورثه من والده)، إنساناً نادر العظمة.
لم يكن الموت سراً بالنسبة له، ولم يكن ليستدعي الألم. وهكذا، كانت إحدى أغنياته التي استلهمها غاندي منه تقول: 
أنا هذا البخور الذي لا يضوع عطره ما لم يُحرق..
أنا هذا القنديل الذي لا يشع ضوؤه ما لم يُشعَل.
لقد انعكست روحه هذه على مركز التربية شانتي نيكيتان (مرفأ السلام) الذي أسسه عام 1901، فأصبح بؤرة خلاقة للجمال، حيث تفتح فيه الشعر والرسم والموسيقى والرقص والمسرح والعلوم.

لقد فجّرت المعاني السامية للمحبة التي عبر عنها أملاً جديداً للإنسانية وهي غارقة في الحرب العالمية الأولى. وعندما كان طاغور يرتقب الموت مريضاً ببصيرة صافية، وكانت الحرب العالمية الثانية قد اندلعت، أعلن في يوم مولده الثمانين:
عندما أجول ببصري من حولي، أقع على أطلال مدنية مغرورة تنهار وتتبعثر في أكوام هائلة من التفاهة والعبث، ومع ذلك فلن أذعن للخطيئة المميتة في فقدان الإيمان بالإنسان؛ بل إنني سأثبِّت نظري نحو مطلع فصل جديد من فصول تاريخه، عندما تنتهي الكارثة ويعود المناخ رائقاً ومتناغماً مع روح الخدمة والتضحية.. سيأتي يوم يعاود فيه الإنسان، ذلك الكائن الأبيّ، خطّ مسيرته الظافرة على الرغم من كافة العراقيل، ليعثر على ميراثه الإنساني الضائع.
كانت فلسفة طاغور فلسفة الأمل والثقة بالإنسان، المبنية على تفتح روحه، وتطور وعيه، وتحقيق طاقاته. ولهذا فقد ارتبطت المثالية الإنسانية عند طاغور بالعمل والتطبيق، وكان هو نفسه مثالاً لكل مبدأ أعلنه أو فكرة نادي بها.
 
طاغور والمثالية الإنسانية
قال عنه غاندي إنه \"منارة الهند\"، والحق إنه صار منارة للشرق كله، ونداء الإنسانية والمحبة والجمال. كان مبدؤه البساطة والعمل؛ وهكذا فقد أضاء شمعة بدلاً من لعن الظلام، فسطعت وأضاءت في النفوس التوّاقة إلى الحق. لذا، كان ُيعدّ في حياته \"أكثر الشعراء صوفية وأكثر الصوفيين شاعرية\"؛ وفي ذلك دلالة على ما بلغته نفسه من نقاء وصدق وما وصلت إليه روحه من ارتقاء وحرية.
 
إنه طاغور الذي سحر الغرب بكتاباته، ثم انتشرت ترجماته في العالم كله، حتى استحق جائزة نوبل للأدب عام 1913 متجاوزاً الروائي العظيم ليوتولستوي الذي كان في قائمة المرشحين للجائزة.
لقد أبدع طاغور على مدى نحو ستين عاماً، فكان معلماً روحياً بالدرجة الأولى، ومجدداً أدبياً واجتماعياً، وفيلسوفاً وروائياً ومسرحياً ورساماً، وقبل ذلك كله شاعراً، كان ينهل من إرث روحي عريق في البنغال، ومن تجربة داخلية عميقة كانت ينبوعاً لا ينضب للإلهام والإبداع.
كان والده من كبار روحانيي البنغال، وكان يعيش في عزلة مستمرة لا يتركها إلا لضرورة الاستمرار وتجدد الحياة. كذا فقد نشأ رابندرانات طاغور في جو من الحساسية والشفافية، وكشفت له زيارتان قام بهما لوالده في الهمالايا عن آفاق جديدة وعن تجربة صوفية كان لها أثر كبير في حياته، ويمكن اختصارها بعبارتين: محبة الطبيعة، ومحبة الله.
لطاغور 12 رواية و11 مسرحية شعرية وموسيقية (فقد كان ملحنا ومجددا في الموسيقى البنغالية)، وثلاث مسرحيات راقصة، و4 مسرحيات ساخرة، وعددا من مجلدات القصة القصيرة، وعددا من كتب الرحلات، ومقالات متعددة في الأدب واللغة والتاريخ والفلسفة والتربية، و44 ديوانا شعريا، وعددا من قصص وأغاني الأطفال أكثر من ثلاثة آلاف أغنية، وحوالي 3 آلاف لوحة تشكيلية.
كل هذا أنجزه طاغور خلال عمره المديد الذي امتد للثمانين عاما، إذ ولد سنة 1861 وتوفي سنة 1941، وفيما عدا استراليا؛ فقد زار طاغور مختلف بلدان الدنيا، وحظي بشهرة عالمية تقارب تلك التي حازها المهاتما غاندي.
يعرف الكثير عن أدب طاغور، ويعرف بدرجة أقل مسرحه، وتندر معرفة طاغور كسينمائي أخرج فيلما واحدا ووحيدا هو «نيتير بوجا»، وعن قصة له أخرج «ساتيا جيت راي» فيلما هو «البيت والعالم»، لكن الجانب الخفي من جوانب هذا العملاق هو طاغور المصور والرسام؛ فقد بدأ مشروعه التشكيلي وهو في الثالثة والستين.
وفي خلال سنواته الثلاث والستين هذه كان طاغور مهتما بالفن التشكيلي، وخلال زيارته لليابان عام 1916 تأثر طاغور مباشرة بالفن الياباني، كما زار طاغور متاحف اوروبا وأمريكا في الفترة ما بين 1921- 1939 واحتك بشكل مباشر بمختلف تيارات الفن المعاصر في الغرب واستجاب وتأثر بها، ورغم أن طاغور قدم معرضه الفني الشخصي الأول في باريس عام 1930،إلا أن النقاد الفنيين يعتبرون عام 1924 هو عام بزوغ نجم طاغور الرسام / المصور.
درس طاغور لغة قومه،اللغة السنسكريتية وآدابها، ثم الإنجليزية التي تعرف من خلالها على آداب أوربا، وكان في شبابه الأول شديد الانشغال بأمور وطنه الأصلي البنغال، مهتما بكل ما يتصل بنهضته، كما كان في نفس الوقت مرتاباً من الإنجليز.وكان محقاً في ريبته، فقد وحد الإنجليز الهند والبنغال في مستعمرة ضخمة ألغت الوجود البنغالي، فأصبح طاغور موزعاً بين مشاعره كمواطن بنغالي، وبين ولائه للكيان الكبير الهند.
وقد كان عام1913 نقطة تحول في حياة طاغور، فقد صار نجماً يسعى إلى محاضراته جمهور المثقفين الإنجليز؛ وفي نوفمبر من نفس العام)بعد إعلان فوزه بجائزة نوبل) صار شخصية عالمية.وبالرغم من أنه لم يكن وطنيا بالدرجة الكافية ليرضى عنه أبناء جلدته، لم يكن مريحاً بالنسبة لنظام مجتمع الإمبراطورية الإنجليزية؛ فاستقر طاغور في الأذهان رمزاً حياً للهند.
 

 

أفما خالستْك النظر ، من قبل ، قصيدةٌ له منشورةٌ في مجلة أو ديوان ؟

بلى . وانك لتذكر معنىً نادراً إنسانياً عميق الغور قد نغش له فؤادك ورفّت اليه نفسُك ، وتذكر أنك أعجبت بطاغور ، وظللت ، بعد هذا ، تلوب على قصائده وكلماته ، لتلهج بها وتوسدها شغاف قلبك.

فاذا التمست عيناك صورة (طاغور)، مطلاً عليك بطلعته المهيبة، فإن في ميسور نظراتك أن تستشف وهي راكعة أمام خطوطها ، كل ما يزخر به قلب هذا الإنسان الشاعر من محبة وطيبة وحكمة.

وإنك لتراعي جُمّتَه ، تنزلق من قمة رأسه إلى قذاله وتنثال على كتفيه ، وحفةً بيضاءَ ، كأنها حزمةٌ من الأشعة طريةٌ ، ثم يلتقي بسبال لحيته وشاربيه وتحيط بوجهه الأسمر ، كإطار من غيوم ، لتعانقه ، لتحبوَ عليه ، لتستمدّ منه صفاءً جديداً ترفد به بياضها .

أما عيناه السوداوان الغائمتان بالحنان والرأفة فتبدوان في بهرةِ هذا البياض اللُجّي ، نبعي نورٍ يفيضان أغانيَ ومعانيَ ، تترفّقُ منسابةً إلى قرارة نفسك ، لتهب لك طمأنينةً سابغةً قريرة .

هذا هو الشعور الذي يخالجك ، إن اتفق لك أن تجيل طرفك في صورة (طاغور) ، فكيف كنت تشعر لو أن الحظ أسعدك فاجتمعت إليه ؟ لعلك كنت تردد ما أورده الكاتب الفرنسي (رومان رولان) الذي جلا لقاءه بالشاعر الهندي بهذه الكلمات:

\"حين تقترب من طاغور، يناسم نفسك شعورٌ انك في معبد ، فتتكلم بصوتٍ خفيضٍ، وإن أتيح لك، بعد هذا، أن تتملى قسمات وجهه الدقيقة الأبية، فإنك واجدٌ خلف موسيقا خطوطها وطمأنينتها ، الأحزان التي هيمن عليها ، والنظرات التي لم يداخلها الوهمً ، والذكاء الجريءَ الذي يواجه صراعَ الحياة في ثبات\".


***
بين رفيقات لي كثيرات ، كنت وحيدةً منصرفة إلى أعمال البيت اليومية الغامضة .
لِمَ اخترتني ، فاخرجتني من الملاذ الرطب ، ملاذ حياتنا المشتركة ؟ إن الحب المكتوم لحبٌ مقدسٌ ، إنه يتلألأ كجوهرة ، في غيهب القلب الخفي ويبدو على نور النهار الفاضح ، قاتماً جديراً بالشفقة .
آه لقد مزقت شغاف قلبي ، وجررت حبي إلى
بهرة الساحة المنفسحة ، محطماً إلى الأبد ، ركنه الظليل ، حيث كان يواري عشه .
وتظل النساء الأخريات كما هن دوماً .
لم ينفذ إنسان إلى أعماق ذواتهن وإنهن ليجهلن أنفسهن سرهنّ .
إنهنّ يبتسمن في رقة ، يبكين ويثرثرن ويعملن ، ويقصدن المعبد ويشعلن مصابيحهن ويجلبن الماء من النهر.
كنت أرجو لحبي الخلاص من خجله وهو يرتعش
وليس ثمة من يحميه ، بيد أنك جعلت تشيح وجهك عني .
أجل إن الطريق تمتد لاحبةً أمامك، ولكنك قطعت سبيل عودتي وتركتني عريانةً أمام الناس ، تحدّق إليّ عيونهم ، ليلَ ، نهار .
***


مهلاً . يا قلبي ، ليكن وقت الفراق عذباً .
لا تدعه يصبح موتاً بل تتمة .
ليحر الحب إلى ذكرى ، ولينقلب الألم إلى أغنيات .
ليتناه الرفيف في السماء إلى إنطواء الأجنحة حول العش .
لتكن آخر لمسةٍ من يديك رقيقة كزهرة الليل .
توقفي أيتها النهاية الرائعة ، لحظة ، واذكري ،
في صمت كلماتك الأخيرة .
إنني أنحني لك وأرفع سراجي لأنير لك الطريق .


***


تراه نداؤك الذي يوافي من جديد .؟
لقد أهلّ المساء ، وتشبث بي التعب كانه أذرع
الحب الضارعة . أتنادينني ؟
لقد منحتك نهاري كله ، يا سيدتي القاسية ، أتريدين
أن تنهبي مني ليلي أيضاً ؟ ومع هذا ، فإن لكل شيء
نهاية، وإن عزلة الظلام هي ملك كل إنسان . ولكن ،
أيجب على صوتك أن يمزقها ويلفحني ؟
أليس للمساء موسيقا نوم مهدهدة على بابك ؟
ألا تتسلق أجنحة النجوم الصامتة السماءَ فوق برجك
الجبار ؟
ألا يتهاوى الزهر على تراب حديقتك في ميتة ناعمة ؟
ألا يتعين عليك أيتها القلقة أن تناديني ؟
دعي عيون الحب الحزينة تسهر وتذرف الدمعَ دون
جدوى .
دعي المصباح يشتعل في الدار الموحشة .
دعي الزوارق ينقل الحراثين المكدودين إلى بيوتهم .
إنني أهجر أحلامي وألبي نداءَك .


***


- لِمَ انطفأ المصباح ؟
- لقد أحطته بمعطفي ، ليكون بمنجىً من الريح ،
ولهذا فقد انطفأ المصباح .
- لِمَ ذوت الزهرة ؟
- لقد شددتها إلى قلبي ، في شغف قلق ، ولهذا
فقد ذوت الزهرة .
- لِمَ نضب النهر ؟
- لقد وضعت سداً في مجراه لأفيد منه وحدي ،
ولهذا فقد نضب النهر .
- لمَ انقطع وتر المعزف ؟
- لقد حاولت أن أضرب عليه نغماً أعلى مما تطيقه
قدرته ، ولهذا فقد انقطع وتر المعزف .


***


أنا لا اظفر بالراحة .
أنا ظامئ إلى الأشياء البعيدة المنال .
إن روحي تهفو ، تواقةً ، إلى لمس طرف المدى
المظلم .
إيه أيها المجهول البعيد وراء الأفق ، يا للنداء الموجع
المنساب من نايك .
أنا أنسى ، أنسى دوماً أنني لا أملك جناحاً لأطير ،
وأنني مقيد دوماً بهذا المكان .
إنني متّقدُ الشوق ، يقظان ، أنا غريبٌ في أرضٍ
عجيبة .
إن زفراتك تتناهى إليّ ، لتهمس في أذني أملاً
مستحيلاً .
إن صوتك يعرفه قلبي كما لو كان قلبه .
أيها المجهول البعيد ، يا للنداء الموجع المنساب من نايك !
أنا أنسى ، أنسى دوماً أنني لا أعرف الطريق وأنني
لا أمتلك جواداً مجنحاً .
أنا لا أظفر بالطمأنينة .
أنا شارد ، أهيم في قلبي .
في الضباب المشمس ، من الساعات الضجرة ، ما
أبهى مرآك العظيم يتجلّى في زرقة السماء !
أيها المجهول البعيد ، يا للنداء الموجع المنساب من
نايك !
إنني أنسى ، أنسى دوماً ، أن الأبواب كلّها موصدة
في البيت الذي أفزع فيه إلى وحدتي
بهذا الكم الزاخر من الفن والادب والعطاء الجم والحكمة والفلسفة انتهت حياة طاغور مودعة الحياة ، وبقت اسرار حبه للخلود تشع ادب وحكمة طاغور وفلسفته وشعره وترك ذلك التراث الثر من الادب والشعر جمالا رائع الخلود...


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


خالد مطلك الربيعي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/06/24



كتابة تعليق لموضوع : طاغور... فيلسوف و حكيم زمانه ... شاعر الهند الكبير
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net