صفحة الكاتب : د . عبد الحسين العطواني

المسؤولية .. وإدارة الخدمات
د . عبد الحسين العطواني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
هناك قول شائع يتردد على لسان معظم المسؤولين الذين يتولون المناصب في مؤسسات الدولة العراقية , مفاده انه كيف يمكن لمسؤول لم يمض على وجوده في المؤسسة سوى بضعة أشهر يستطيع أن يتغلب على معالجة سلبيات متراكمة ورثها من سوء إدارة ماسبقه في مركز صناعة القرار, ألم يشكل هذا التبرير اعترافا من المسؤولين بعدم فاعلية دورهم في إصلاح الأزمات التي يمر بها العراق , وتحمل مسؤولياتهم الوطنية نحو التطور والنهوض والتنمية , والذي يعني أيضا أن الدولة ضعيفة وغير قادرة على تنفيذ مشروعها التطويري . 
ولعل ذلك اتضح من خلال عجز الحكومة عن توفير الخدمات الكفيلة بتصريف مياه الأمطار التي اجتاحت العاصمة بغداد وبعض المدن الأخرى منذ أيام وتسببت في غرق غالبية مساكن المواطنين وأدت إلى تدمير ممتلكاتهم , بالوقت الذي كان فيه الشعب يأمل خيرا عن عدم تكرار الكارثة التي حلت بهم عام 2013بعد التصريحات التي أطلقها المسؤولون في الأمانة عن إكمال جميع الاستعدادات والتحضيرات لمواجهة أسوء الاحتمالات في التقلبات المناخية خاصة في زيادة كمية الأمطار الساقطة .
فمازال العراق يمر بمرحلة حساسة ومنعطف خطير تفاقمت فيه الأزمات وتعقدت في تراكمها وتداعياتها , فلابد من التعامل معها بمنطق عقلاني يساهم في إكمال التغييرات , وتجاوز الأزمات لإدارتها للوصول إلى العراق الجديد وفق ترتيبات سياسية واقتصادية تضعه في إطار الدول المستقرة والسائرة في اتجاه البناء والتجديد , لذلك يتطلب وضع صيغة واضحة لإعادة ترتيب إستراتيجية النظام الحاكم وفلسفته السياسية في بناء الدولة , مع تحليل موضوعي في المجالات الاقتصادية والاجتماعية المحددة لمستقبل العراق وفق معرفة فاحصة لمتطلبات المجتمع , ومدى فاعلية القوى الرسمية والأهلية , وتقديم رؤية معمقة في صيغة مسار العراق السياسي بعد التغيير من خلال التركيز على ممكنات التحول السياسي , بحجم التحديات التي تواجه العراق , وهنا لابد أن تستند هذه الرؤية إلى نتائج الدراسات العلمية لتخرج العراق من أزماته .
فمن أهم دلالات التباين في العراق تكمن في تباين القوى الاجتماعية والسياسية التي تسلمت السلطة بعد الاحتلال الأمريكي من حيث مشروعها السياسي وأيديولوجياتها , فقد حاولت إجراء تغييرات , وتحولات بنيوية ومؤسسية دون الاستناد إلى إستراتيجية واضحة , وما يجدر ملاحظته هو أن من أهم الأهداف التي تسعى الدولة إلى تحقيقها والتي يجب أن تحظى باهتمام المسؤولين , بوصفها أهداف النظام الحاكم ليست في درجة واحدة من الاهتمام , بل هناك ترتيب فيما بينها , يستدعي أن تكون على درجة من الوعي والبصيرة هذا أولا , وثانيا بأنها بحاجة إلى قوة واقتدار تحملي لممارسة الضغط لضمان حركة النهوض وتقدمه للوصول إلى الأهداف والمقاصد الأساسية من جهة , ومواجهة الموانع والمشكلات الداخلية والاعتداءات والتهديدات من قبل الأعداء في الداخل والخارج من جهة ثانية , وعدم التسليم للضغوط والعراقيل وأنواع الابتزاز الأخرى .
والملاحظ أن جميع الحكومات التي تعاقبت بعد 2003 كانت تتعمد الإهمال , أو التقليل من أهمية الخدمات اللازمة لبنية العراق التحتية على الرغم من المطالبة والتحذيرات التي أطلقها الشعب العراقي من خطورة هذا الموضوع وانعكاساته على حياة الشعب , إلا أن الحكومة تجاهلته , وهنا تبرز الحاجة إلى دولة قوية متماسكة قادرة على إيجاد فلسفة اقتصادية وسياسية لتحقيق نظام اقتصادي يتمكن من تشكيل سياسة مالية تحمي الأوضاع الاقتصادية من الفقر والديون , وتلبي طموحات الشعب .
فغياب المؤسسات القادرة على إدامة الخدمات العامة يدفع بالناس إلى التمرد وقلب موازين الأمور, وعجز الميزانية يثير هو الأخر شكوكا لاغبار عليها في مواجهة مشروع الإصلاح والأعمار المفترض في البنية التحتية وفي مقدمتها مشاريع الصرف الصحي, ومجاري تصريف المياه , وتوفير الماء الصالح للشرب, والكهرباء , فضعف الدولة في فرض وجودها القانوني والمؤسسي , وبالتالي وجودها الرمزي , أدى بالأفراد إلى الارتباط بالعصبويات التقليدية من اجل تحقيق متطلباتهم ومصالحهم , وأدى بهمم إلى البحث عن وسائل تمكين وضبط اجتماعي غير رسمي بدلا من وسائل الضبط الرسمي القانونية التي يجب أن تكون أهم آليات الدولة وسلطتها الحاكمة . فهنا لابد من فك الارتباط بين الدولة بطابعها الرسمي وجماعات الضغط بمنظوماتها العصرية التي شكلت عاملا للتدخل الاقليمي , لولوج العراق في الحداثة السياسية , وحكم القانون والممارسة الديمقراطية .
 
لماذا اخفق المسؤولين في مسارهم من بناء الدولة ؟ , ولماذا تنتكس تجاربهم في هذا الصدد؟ , وما ممكنات بناء الدولة وفق العوامل المتغيرة والثابتة في سياق مجتمعي يبرز فيه الخصوصية التاريخية عاملا تقل معه مجالات استيعاب التراكم الحضاري وخبراته الناظمة للدولة المنشودة ؟, وهنا يمكن القول أن الاستفادة اقتصاديا , واجتماعيا , وسياسيا من الدولة يكون عن طريق التنظيمات التقليدية العصبوية , والعلاقات الشخصية والقرابية , والمصالح المتبادلة , من خلال ما يوكل لها من مشاريع خدمية جل اهتمامها المنافع الشخصية , دون إعطاء أي قيمة للمقاييس الهندسية, وهنا كانت العقبة في عملية العبور , تلتها عقبات أخرى اصطنعتها النخب الحاكمة , ولم يكن في مجملها ترغب هذا المسار , لان واقعها السائد هو ما يمنحها استملاكما للسلطة والثروة وفق مرجعيات جهوية مفارقة لمنطق الدولة وآلياتها المؤسسية والقانونية .
 
ولتجاوز هذا المسار المضاد للدولة , والمتجاهل لحقوق الشعب ومستلزماته , لابد من إبراز الرشد السياسي لدى مختلف الكتل السياسية , وتعظيم المصلحة الوطنية , وذلك أن مفتاح الاستقرار والتطور في بلادنا مرهون ببناء الدولة , واعتماد نظام سياسي في إدارة الدولة ومشروعيتها الوطنية .والعمل على إعادة بناء البنى التحتية وتعميق الارتباط بها حتى تتخلص السلطة من وقوعها تحت طائلة المسائلة المجتمعية الذي برز فيه قصور فعل الدولة الخدمي , مع الحديث عن التنمية والتطور باعتبارها تغيرا شكلانيا مظهريا , مقابل واقع يزداد فقرا وحرمانا , وتتسع فيه المشكلات , ويزداد الاستقطاب بين مجموعة حاكمة وثرية , وملايين الشعب محكومة وفقيرة , تعاني من حرارة الجو وانقطاع الكهرباء صيفا , ومن الغرق وطفح المجاري شتاء , وتسلط المفسدين على ثرواتهم ظلما وإجحافا , دون هناك أي شعور أو اهتمام يمكن أن ينعكس بشكل جدي على إدارة الخدمات.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . عبد الحسين العطواني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/11/20



كتابة تعليق لموضوع : المسؤولية .. وإدارة الخدمات
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : ابو زهراء العبادي ، في 2015/11/21 .

د.عبدالحسين العطواني .
السلام عليكم .
شكل بعض ٱبناء العوائل الاستقراطية في فرنسا ٱيام حكم الملوكية .قوة ٱسموها .الفرسان النبلاء ؟ رفعت شعار لها .ٱسمته الواحد للكل .والكل للواحد .ليكون ميثاق شرف لعملهم وهو واضح القصد دون شرح .عند بناء العملية السياسية بعد التغير في العراق .شكلت كل طائفة من مكونات العراق ٱتلافات سياسية لدخول الانتخابات .وبعد ٱنتهاءها .تفرقت نحو المغانم ٱحادى لجني ثمار الموسم .حتى تحولت الى مايشبه تقاسم المغانم ودب الحسد بينهم .نتيجة روح الطمع التي تفشت بينهم ،.فكانت تلك الطريقة اللبنة الاساسية التي وضعت لبناء العراق وغلب عليها حب المصلحة الخاصة والانانية وفقدان روح ومنهج العمل الجماعي والتنافس نحو فعل الخير وترك بصمة في عملية البناء يشيد بها المواطن .فتقدمت المصلحة الخاصة على المصلحة العامة .فتحول العمل الحكومي الذي فقد برنامجه لصالحةبرامج الاحزاب في الاستيلاء على مايمكن الاستيلاء عليه من ٱموال الشعب المخصصة للخدمات .يقابلها ضعف القوانين الرقابية والردعية .فيما وفر القانون حماية وحصانة للاحزاب وشخصياتها من العقوبات .فبتدء مسلسل التخريب تدور حلقاته دون واعز من ضمير ٱو خوف من قانون ؟ الحكومات السابقة ونتيجة لعوامل الخلاف بينها وبسبب تفشي روح الطمع وسعي كل حزب لترتيب ٱوضاعه .والأنطلاق الى ٱمام بسرعة فائقة .وسعي كل جماعة لتسقيط غريمتها ..ساءت ٱحوال كل الوزارات وعمت الفوضى ٱرجاءها ليجد الفساد له بيئة مناسبة وينتشر من خلالها .فعشنا كساد عمل مقنع تحت عناوين كثيرة تبرر ذلك للشعب الخاسر الاكبر من تلك السياسات .فتوقفت الخدمات وسلبت الاموال ..وتقاذفت الاتهامات ذات اليمين والشمال .للضحك على الذقون ،.ومرت سنين من الفشل سببه التنازع والتصارع الذي ٱنتقل من ٱروقة الاحزاب الى العمل الحكومي .وشلت الحكومات وٱقعدت عن ٱداء واجبها ومسؤولياتها ..والمواطن ينتظر الى متى يتم التصالح وٱيجاد مخرج للازمات .والتي تنصل من مسؤولياتها الكل .وٱصبحت الازمات كالكرة تتقاذفها الاقدام في الساحة .فللاسف نقول .ٱننا في عهدة قوى وٱحزاب لاتفقه شيء من ٱدب السياسة وفنها وليس لديها رؤية بناء دولة وخاصة مع توفر في العراق ٱمكانيات ٱقتصادية كبيرة ناهيك عن خبرات ٱبناءه التي يشهد لها العالم بالبنان .بل ٱن الاحزاب ٱعتمدت على شخصيات ٱكل الدهر وشرب عليها وٱستوزرتها في مناصب حساسة كان لوجودها الاثر البالغ في تدني المستوى وغياب النفع منها ،




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net