صفحة الكاتب : الشيخ محمد قانصو

 منذ سنوات غاب محمود وما عاد منسرحاً في ترامي القرية وجنباتها, خَلَت منه الأزقّة والحقول وافتقده رفيقاه الدائمان العشب والقشُّ , لم ندرك سرَّ تعلّقه بهما لكنّا ألفناه يقبض على القشِّ صيفا, وعلى العشب شتاء, وتلك أحجية غريبة تتجاوز حدَّ المعقول, وتضرب عمقاً في المجهول ..
مرت الأيام وتلاشت صورة محمود \"المجنون\", عرفنا أنَّ يداً محسنةً انتشلته من الشارع لتلقي به في المأوى, لعلّ الجسم المضنى يرتاح من وعثاء السفر, وتنتهي رحلة البحث عن الذات في دروب الضياع الطويلة !..
ذات صباح التقيت شابّاً طويل القامة, مُغبرّ الوجه رثَّ الثياب, يجول سريعاً بغير وجهة, يقبض بكفّه على قشٍّ, ويخبّئ وجهه بكنزته الممزقة, ثم يبتسم ابتسامة مبهمة!.
عرفته دونما تردّد, وقد تلبّس بعضاً من معالم الرجولة الأولى, إنّه محمود, ولكن لماذا يعود ؟
كانت الإجابة قاسيةً مُرّة, طُرد محمود من المأوى لأنّه لا يملك هوية, فأبوه من بلدٍ عربي وأمُّه من بلد عربي آخر, ورغم أنَّ \" بلاد العُربِ أوطاني\" فالقانون العادل يقضي بتشريده, ويحرمه حقَّ الحصول على هوية تثبت للبشر أنَّه رغم افتقاد العقل انسان!, هوية تسكنه المأوى و تدخله المشفى ! هوية ورقية  تحرّض دعاة الخير للعون والمساعدة ! هوية تعيد لمحمود بعضاً من الكرامة المهدورة على أرصفة العالم المأخوذ بالعولمة المفتون بالعظمة ..
عاد محمود مجدداً لتلتهم العيون  لحمه المذاب بحرِّ الشمس, وعادت الدمعة إلى خدِّ الأمِّ الممنوعة بهيبة الصكوك منح الجنسية لولدها المسكين. اللحم الحيّ وتلك الدمعة شاهدان على القسوة ودليلان على المهزلة ..
هوذا محمود أيا سادة افتضاح لإنسانيتكم الزائفة، و بصمة إدانة لذكوريتكم العتيقة !..
هنيئا لك يا محمود جنونك البريء في حضرة العقلاء .. وأراك العاقل جداً في الزمن المجنون ..

بقلم : الشيخ محمد أسعد قانصو 

Ch.m.kanso@hotmail.com


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ محمد قانصو
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2010/09/26



كتابة تعليق لموضوع : هوية محمود
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net