صفحة الكاتب : باقر جميل

الإمام الحسين والحرب الإعلامية
باقر جميل

 بسم الله الرحمن الرحيم
كما  قالت السيدة زينب  عليها  السلام في مسألة ثورة الامام الحسين ومدى تأثيرها  وبقائها الى وقت طويل يستمر  لوجودنا  نحن الذي  نبعد عنه اكثر من الف سنة ، عندما  قالت للإمام السجاد عليه السلام ( وينصبون لهذا الطفّ عَلَماً لقبر أبيك سيد الشهداء ، لا يُدرَس أثره ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والأيام . ولَيَجتهدنّ أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلا ظهوراً ، وأمره إلا علوّاً .
فهذا الكلام يعني  ان الذي  قدم الى الخالق  تعال كل  شيء ، لا يمكن ان تناله تشويهات الاعداء واشاعات الحاقدين ، ولا محاولات الكافرين .
ولان الامام الحسين اعطى شيئا لله لا يمكن ان يصمد امام اعدائه ابدا ، فعطائه عليه السلام كالسيل  الجارف والبركان الثائر ، لا يقاوم امامه عازل ، ولا يهدأ  تحته عدو، مهما  حاول ان يغرز في البركان من اوتاد .
وصحيح ان يزيد ليس  كالعجوز والده اللعين معاوية بالذكاء  والدهاء والحيلة والغدر ، الا انه عمل  بشيء قام به معاوية بحروبه مع الامام علي والتي  خدع بها  جمع كبير من الناس ، الا  وهي (الاشاعة ، والاعلام الكاذب) .
ولصناعة هذا الاعلام الفاسد وتسويقه للناس  والتصديق  والعمل  به ، لابد من ان تتوفر  عدة عوامل لكي تنجح بصورة ساحقة ، وهذه العوامل  هي : (الاتباع الذين ينشرونها ، الاموال  ، جهل عند الناس ) .
حتى تنتشر  الاشاعة بصورة صحيح ويتأثر بها  الناس  لابد من وجود شخص متلون كالحرباء ، وهذا الامر  تمثل بوجود شخص مثل (عبيد الله بن زياد لعنه الله) .
اما  الاموال  فقد سيطر  عليها يزيد بقوة الحديد والنار ومهد لهذا الامر  منذ زمن الخلفاء وبالتحديد في زمن عمر بن الخطاب عندما  فرق بين عطاء  الناس  وجعلهم طبقات كطبقات اليونان وغيرهم ..!
ولقد لعبت هذه الاموال  دورا كبيرا في تخلف  الناس  عن نصرة الامام الحسين منذ دخول  مسلم بن عقيل للكوفة ، فقد قسم عبيد الله بم زياد الامور  بين اهل  الكوفة على  قسمين :
قسم مع مسلم ومصيره القتل ومصادرة امواله وممتلكاته ، وقسم ثانٍ مع عبيد الله بن زياد وله العطاء  الذي وصل  الى اربعة اضعاف  على ما كان عليه في  السابق ..!
فاتجهة بوصلة اغلب  الناس  من الخوف  الى الاموال البراقة والتي  يسيل لها  لعابهم بشدة .
اما  الجهل  فكان متوفرا ايضا وبكثرة غير  متوقعة ، فان اغلب اهل  الكوفة كان ممن يعتقد ان الامام الحسين  حاله كحال بن الخطاب  او كعثمان بن عفان وغيرهم ، هو خليفة قبلت به الناس  ودعته اليهم ، لا  انه امام من الله مفترض  الطاعة وانه معصوم بنص  القران ، ووجوده كوجود النبي  في زمانه ، لذى نرى بعض  الذين حظروا مع الامام عندما  جاءهم خبر  مقتل  مسلم بن عقيل وإنهاء محاولته بغدر اهل  الكوفة من أتباع يزيد له ، رجعوا  عن أمرهم وتركوا الإمام وقالوا (مالنا  والدخول  بين السلاطين) !
لقد عملت الإشاعة وأثرت على خذلان الإمام الحسين من قبل  من طلبوا منه القدوم على جند مجندة أيما  تأثير ، فقد عمل  يزيد بواسطة عبيد الله بن زياد على امور  أطلقها بين الناس نجحت بشكل  كبير في ما يصبو اليه ، ومن جملة هذه الأمور  هي :
الإشاعة بأن يزيد هو خليفة بحق ، وهو ولي  عهد أبيه ، وان كان هناك من يعترض فالرد يكون ، ان هناك من عمل  بها من قبله وهو (ابن ابي قحافة) عندما  سلم السلطة لعمر بن الخطاب بكل  ما فيها بدون قيد او شرط ..!
فالخلافة ليزيد شرعية ومفترضة الطاعة على الناس له . فلا  مجال للاعتراض في هذه النقطة .
 الامر  الاخر هو بث  الرعب  والخوف  في نفوس  الذين يريدون الالتحاق بركب  الامام،  وذلك بقدوم جيش عرمرم لا بداية له ولا  نهاية من ناحية الشام ، اعطى هذا الخبر الخوف الكبير من الخسارة في المعركة والقتل  المدمر  من قبل  هذا الجيش في اغلب اهل  الكوفة .
واشاعوا  ايضا بان الامام الحسين عليه السلام خارجي وبعيد عن الاسلام وليس بمسلم وخروج الخارجي لحرب  المسلمين، تكون محاربته واجبة والتصدي له امر ضروري ومن مقومات الاسلام التي  تتمثل  بالجهاد ضد الخوارج الذين يفسدون الدين ، ونرى هذا الامر  جليا عندما  قال  الامام الباقر عليه السلام في زيارة عاشوراء (اللهم العن العصابة التي جاهدت الحسين ، وشايعت وبايعت وتابعت على قتله) ، فالامة التي قتلت الامام هو جهاد بالنسبة لها ، واكد ذلك للناس  ايضا فتوة (شريح القاضي لعنه الله) عندما  افتى بان الحسين خارجي  ويجب  محاربته .!
كل  هذه الادعائات فندتها ثورة الامام الحسين عليه السلام بكثير من المواقف ، بداية بمسلم بن عقيل عندما امتنع عن شرب  الماء بسبب وجود الدم من ثناياه في الاناء ، لان المسلم يحرم عليه شرب  الماء  النجس ، وكذلك صلاته قبيل استشهاده من على قصر  الامارة عندما  طلب  منهم الصلاة ، فهو يأكد على الناس  بأنني  مسلم على دين محمد بن عبد الله وانكم تقتلون مسلما حرم الاسلام قتله ، وغيرها  الكثير  من المواقف .
فبعدما  انتهت المعركة باستشهاد الامام الحسين عليه السلام بقيت الماكنة الاعلامية ليزيد ومن على منهاجه تعمل  بالضد من ثورة الامام  ، حتى جاءوا بدعاية هي  الاقوى انتشارا بين اوساطهم ومازالت موجودة حتى وقتنا  هذا ، وهي (ان الامام الحسين قتل  من قبل  شيعته وانصاره من اهل  العراق والكوفة)
وهذا لو تفكر الانسان العاقل  به اقل  تفكير، بشرط ان يتجرد عن العنصرية والمذهبية والطائفية ، ويجعل الموضوعية هي  الغاية والهدف  المنشود ، لوجد ان هذا الامر واضح البطلان ولا يصمد امامه أي نسمة رد ، فلو صدقنا بهذا الكلام ، فبمجرد محاربتهم له قد خرجوا عن هذه التسمية وتحولوا  الى اعدائه ، والا فلماذا نطلق  على الخوارج هذا اللقب ؟ الم يكونوا  بصف الامام علي ومع الاسلام ، لكن عندما  خرجوا عن الدين وعن طاعة الامام المفترض  الطاعة ، لحقها  تباعا خرجوهم عن تسميتهم انصار  واتباع الامام علي ، حتى وصل  الحال  الى محاربته ونصب  العداوة له .
ولكن مع هذا سنقول ان اغلب علمائكم صرحوا  بخلاف  ما تدعون ، فهذا حميد بن مسلم وابي  مخنف  وغيرهم الكثير قد قالوا ان الامام الحسين قد خطب  بجيش  الشام وقال  بأعلى صوته (يا شيعة آل  ابي  سفيان) وهذه الكلمة تقطع كل  تصريح يفيد بان الحسين قتل  من قبل  شيعته .
وأضيف هنا  أمرا آخر  ذكره أهل  الكتب  والسير في أحوال من حظر في كربلاء .
(منهم ابن زياد قد تربى عند زوج امه شيرويه الذي يحمل الجنسية الفارسية وهو مجوسي العقيدة والمبدأ ، وكما هو معروف ومعلوم عند الجميع ان قائد الجيش الذي قاتل الحسين (عليه السلام) هو عمر بن سعد بن ابي وقاص وهو من الحجاز(السعودية ) ، وان شمر بن ذي الجوشن قاتل الحسين (عليه السلام) من الحجاز أيضاً وكلاهما يحملان الجنسية السعودية
بينما ان الوزير الاعلى لحكومة يزيد هو السير جون (سرجون)الرومي وانه ظل على الديانه المسيحية وهم من مكن يزيد بن معاوية على رقاب المسلمين وقد أشارت الحوراء زينب الى هذه الحقيقة بشكل واضح وصريح بقولها : ( وليعلم من سول لك ومكنك من رقاب المسلمين ) .
و ان الوزير الاول لحكومة عبيد الله بن زياد في العراق وبلاد فارس كان اسمه زاذان فروخ وهو اخ لكسرى اخر ملوك الإمبراطورية الفارسية، وكذلك المستشار الاول والحاجب (مدير المكتب) لابن زياد هو مهران الفارسي، ناهيك ان اللغة الرسمية لحكومة يزيد في الشام كانت الرومية واللغة الرسمية لحكومة ابن زياد في العراق كانت الفارسية،و ان شرطة عبيد الله بن زياد في الكوفة كانت تسمى الحمراء لأنها تتألف من الموالي (الروم ,الفرس ,الترك,الخ  )
لقد بينت التجارب  في كل  البلدان وفي كل  الأماكن والحروب والصراعات ، ان الاشاعة هي سلاح فتاك بحد ذاته ، وتتغير  معادلات الحروب  بين ليلة وضحاها من تأثيرها ، فلو ان هذه الاشاعات التي  حصلت في ايام الامام الحسين واستمرت بعد استشهاده عليه السلام لمدة اكثر من (الف سنة) بهذه القوة وهذه الإمكانية من الاموال ،  على شخصية وحركة وثورة غير حركة وثورة الامام الحسين لانتهت بسرعة البرق ولانطفأ عود حرارتها بأقصر وقت ممكن ، لكن نرى العكس هنا في  كل  شيء ، فمع اندراس  قبر  الامام  لعدة سنوات من قبل الدولة العباسية ومن قبلها  الاموية ، وحرث قبره الشريف وإغراقه بالماء ، ومنع من زيارته وقطع الأيدي وإسبال  العيون ودفع الغرامات وهدم الدور على أتباعه ومحبيه ، لم يزد ثورة الإمام الى علوا  وارتفاعا يوما  بعد يوم وساعة بعد ساعة ، وهذا ما  تحقق من قول  الحوراء  زينب  عليه السلام في بداية حديثنا ( سينصب بهذا ألطف عَلَم لقبر أبيك سيد الشهداء ، لا يُدرَس أثره ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والأيام . ولَيَجتهدنّ أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلا ظهوراً ، وأمره إلا علوّاً ) .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


باقر جميل
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/11/18



كتابة تعليق لموضوع : الإمام الحسين والحرب الإعلامية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net