صفحة الكاتب : ادريس هاني

الحسين في ديوان العرب(13)
ادريس هاني
بعد مصرع الحسين تواصل الرثاء بلا انقطاع..من قرن إلى قرن..ومن جيل إلى جيل..الدموع تنساب في تواصل حزين..والقلوب تتوارث الحزن على مرّ الأجيال..وفي كل عصر لا بدّ أن يرثي الحسين كبير شعرائه..ومهما تمادى الشاعر في التقى أو المجون فهو في الحسين يرقّ قلبه وتهزم لذائذه ويصبح التقي كالماجن في مشجرة الحزن الحسيني على قدر كبير من الورع والسموّ..في الحسين يصبح الملحد ربّيا..والزنديق تقيّا..وهناك مثال عن ذلك ديك الجنّ الشاعر الحمصي وهو من فطاحل الشعراء الذين عاشوا في العصر العبّاسي ولكنهم نعوا الحسين نعيا صادقا..ديك الجن وقد عرف في بعض فصول حياته بالمجون، لم يكن على قرابة من الحسين لكن أحزنه ذلك حزنا شديدا.. لقد كان رثاء صادقا وتصويرا يغور في المأساة ومشاعر الحزن..انظر إلى قوله:
ما انت مني ولا ربعاك لي وطر+++ الهمّ امتلك بي والشوق والفكرُ
وراعها ان دمعي فاض منتثراً +++ ا اوترى كبدي للحزن تنتثر
اين الحسين وقتلى من بني حسن +++ وجعفر وعقيل غالهم عمر 
قتلى يحنُّ اليها البيت والحجر +++ شوقا وتبكيهم الآيات والسور
مات الحسين بأيد في مغائظها +++ طول عليه وفي إشفاقها قصر
لا درّ در الأعادي عندما وتروا +++ ودّر درك ما تحوين يا حفر
وصدق أبو العلاء المعري كما فعل في رسالة الغفران حين برّأ ديك الجن من تهمة الإلحاد..إنّ تهمة كهذه ترفع بمجرد أن نقرأ لديك الجن قوله هذا في الحسين وأهل البيت:
لما رأوا طرقات الصبر معرضة +++ الى لقاءٍ ولقيا رحمة صبروا
قالوا لانفسهم يا حبذا نهل +++ محمد وعلي بعده صدر
ردوا هنيئاً مريئاً آل فاطمة +++ حوض الردى فارتضوا بالقتل واصطبروا
الحوض حوضكم والجد جدكم +++ وعند ربكم في خلقة غير
ابكيكم يابني التقوى وأعولكم +++ واشرب الصبر وهو الصاب والصب
إنّ لسانا ينطق هذه الحروف..وقلبا يعبّر عن هذه الأحاسيس..وروحا تسموا رقّة وترقّي..تؤكّد أنّك مع شاعر مفعم القلب بالاعتقاد.. لقد جعل ديك الجن من هذا الحزن حالة من حالاته تكاد تكون دائمة..
في كل يوم لقلبي من تذكركم +++ تغريبة ولدمعي فيكم سفر
موتاً وقتلا بهامآت مغلقة +++ من هاشم غاب عنها النصر والظفر
كان تمجيدا بآل البيت على قدر كبير من الأهمية..مما يعني أنّ ديك الجن كان على ولاء للبيت الهاشمي..ففي أبيات أخرى أظهر من ذلك الكثير من الولاء الذي لا يظهر إلاّ عند من مال إليهم كلّ الميل..وأنشأ بيت أحزان من دموع على الحسين..يذكر ديك الجن جانبا مما يعبر عن ولائه ذاك في قوله:
يا عين لا للغضا ولا الكتب +++ بكا الرزايا سوى بكأ الطربِ
جودي وجدي بملأ جفنك ثمَّ +++ احتفلي بالدموع وانسكبي
يا عين في كربلاء مقابل قد +++ تركن قلبي مقابل الكرب
مقابـُر تحتها منابر من +++ علم وحلم ومنظر عجب
من البهاليل آل فاطمة +++ اهل المعالي السادة النجب
كم شرقت منهم السيوف وكم +++ رُويت الارض من دم سرب
نفسي فداء لكم ومن لكم +++ نفسي وامي واسرتي وابي
لاتبعدوا يا بني النبي على +++ ان قد بعدتم والدهر ذو نوب
يا نفس لا تسأمي ولا تضقي +++ وارسي على الخطب رسوة الهضب
صوني شعاع الضمير واستشعري +++ الصبر وحسن العزاء واحتسبي
فالخلق في الارض يعجلون +++ ومولاك على توأدٍ ومرتقب
أشعار ديك الجن في رثاء الحسين وأهل البيت شاهدا حيّا على استقامة اعتقاده..بل له فيه عمق وإكثار..شعر ينضح بالوفاء والولاء والاعتقاد:
يا طول حزني ولوعتي وتباريحي +++ ويا حسرتي وياكربتي
لهول يوم تقلص العلم +++ والدين بثغريهما عن الشنب
حزن ديك الجن ورثى الحسين بصدق ناذر حتى تألم :
اصبحت ملقى في الفراش سقيما +++اجدُ النسيم من السقام سموما
فالبكاء على الحسين وقصة أمطار من دموع مما وسمت به مصيبة الحسين..عبرات حرّى ولكنها غزيرة لم يحدث أن بكت أمة رجلا مثل هذا البكاء قط:
ماء من العبرات حرّى ارضه +++ لو كان من مطر لكان هزيما 
وبلابلُ لو انهن مآكل +++ لم تخطىء الغسلين والزقوما
يصف ديك الجن هول المأساة في كربلاء وكيف عملت سيوف آل سفيان في جسد الحسين من الإكثار في الطّعان..
ونظرت سبط محمد في كربلا +++ فرداً يعاني حزنه المكظوما
تنحو اضالعه سيوف امية +++ تراهم الصمصوم فالصمصوما
فالجسم اضحى في الصعيد موزعاً +++ والرأس امسى في الصعاد كريما
ويقول في مورد آخر:
جاؤا برأسك يابن بنت محمد +++ مترملا بدمآئه ترميلا
وكأنما بك يابن بنت محمد +++ قتلوا جهاراً عامدين رسولا
قتلوك عطشاناً ولما يرقبوا +++ في قتلك التنزيل والتأويلا
ويكبرون بان قتلت وانمآ +++ قتلوا بك التكبير والتهليلا
أثبت ديك الجن وفاء ينذر له نظير..وباح بولائه صراحا كما أعرب عن حزن وتأثر كبير بمصاب الحسين..وديك الجن هو من أشعر شعراء العصر العبّاسي..وعلى الرغم من قسوة الظرف وتشدد البيئة ضدّ من كانوا يحملوا مثل هذا الولاء، كان ديك الجنّ صريحا صادحا بالحق.. في رثائه ومديحه..يكفيه أنه القائل:
يا قبر فاطمة الذي ما مثله +++ قبر بطيبة طاب فيه مبيتا
عظم ديك الجن بشعره ولكنه هو وشعره عظم برثاء الحسين..لكي يعلم من لا يعلم أنّ الحسين أبكى معظم الشعراء العرب..فمن لم يرث حسينا كأنّه ما فعل شيئا

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ادريس هاني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/11/08



كتابة تعليق لموضوع : الحسين في ديوان العرب(13)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net