صفحة الكاتب : عقيل العبود

الدكتور عادل الشاهر حكاية لوجع سومري
عقيل العبود

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
المدخل: عندما تكون مهنة الطب جزء من كيان ينتمي الى الانسان، وعندما روح المخلوق هذه التي نفخ الخالق فيها من روعته، تغادر الحياة، كيف لهذا الوجود ان يحيا؟
 
طبيب الأطفال والباطنية، الأخصائي الذي وافته المنية مع زوجته ذات يوم اثر حادث دهس مروع في دولة عربية.
 
 لم يكن بارعا في الطب فحسب، بل أن براعته اشتملت موضوعات أخرى كالهندسة والتراث وتذوق الشعر والثقافة، لذلك تراها شخصيته تم استحضارها أسوة بقافلة المتميزين، ليحتفى بها أبان عصر أحرقته لغة السياسات الموبؤة بالخيبة والخذلان، ولعلها تلك الصفات تبقى معيارا للمقارنة بين حيوات هؤلاء الذين أثرتهم كراسي العروش فشحت لغة المروءات فيهم، وبين اولئك الذين قدموا عروشهم ثمنا لتلك المروءات،  لتبقى آثارهم حية تنبض بالمحبة.
 
 لم يكن طبيبا للأطفال والباطنية فحسب، بل معلما يجيد لغة التعامل مع مفردات الفضيلة، وصاحب ذوق رفيع في تعاطيه مع الفن والنحت، أنيقا حتى في إختيار الزوجة التي أبت إلا أن تموت معه، لترحل هي الأخرى مؤازرة له في عالمه الذي إستطاع ببراعة أن يشيده، ليبقى هكذا شاهد عيان لهرم يحمل في روعته تلك البصمات، التي عبرها يدنو الإنسان صوب مراتب العلو، لعله يتعلم معنى الخلود.
 
الدكتور عادل الشاهر الرجل الذي بقي مبتسما للعامل والفلاح ومنظف الشارع والصغير والكبير، كما أسرته وأولاده الذين تعلموا ذلك وفقا لأعراف التواضع واحترام انسانية الإنسان.
 
هو هكذا ببساطته المعهودة يقف مع الفقراء يصغي وبدقة إلى حكاياتهم بشتاءاتها وخريفاتها وصيفها، يبحث عن منفذ لمساعدتهم، يمد لهم يد العون دون ان يعلم به أحد، يعالج أطفالهم مجانا، يبقى معهم متواصلا، لكأنه تتلمذ على أيدي الفضلاء فتعلمّ طبائعهم، تلك التي تعاضدت وتوحدت مع حقيقة إنتمائه لخارطة التراث التي ارتبطت هي الأخرى مع عبق التاريخ والثقافة عبر موضوعات تكاد لا تخلو من ذائقة فنان أومهندس معماري.
 
 جلس ذات يوم يحاكي تأملاته عبر نافذة إطلالته على وطن الحضارة والفكر، العراق أنذاك قلب يخفق بالروعة والجمال، يدلك أويأخذ بخطاك من سومر أومدينة عشتار الى آشور ونينوى، هنالك حيث تلك البقعة من الضمير، إذ بينما السبعينات مطلع لمشاهد عامرة وحس جميل وخضرة وارفة، الثمانينات والتسعينات تراها إمتدادا لمشاهد وسيناريوهات تلك الحقبة من الزمان.
 
لذلك عبر تلك النافذة تحديدا، تبرز تلك الإطلالة على شاكلة قلعة ربما سومرية، أوآشورية تمتد حكايتها إلى عراقة أولئك الذين أرادوا بناء الحياة فدونوا لنا روعة آثارها القديمة.
 
هنالك عند اطراف مدينة جنوبية تنبض برائحة أور يطل عليك شاهقا بمظهره العامر بيته السومري، 
ذلك الذي لم يتم بنائه على شاكلة قصور هؤلاء الذين باعوا ضمائرهم اكراما لتلك المظاهر، بل على شاكلة أولئك الذين أرادوا أن ينعشوا انفاس الحياة بزخرفة لها علاقة بنشيد ماض عريق، لذلك بقيت جذوره عامرة ذلك البيت الذي لم يزل يحيا على نبضات رصيف جنوبي، ما زالت اطرافه تتشح بالسواد حزنا على صاحبه الذي فارق الحياة ثمنا وضحية لزمن ودعه الطيبون.
---------
نشرت على موقع النور بتاريخ:11/02/2014
نقحت من قبلي بتاريخ 11/2/2015

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عقيل العبود
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/11/03



كتابة تعليق لموضوع : الدكتور عادل الشاهر حكاية لوجع سومري
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net