صفحة الكاتب : صالح الطائي

السياسة وبدعة صيام العاشر من محرم الحرام
صالح الطائي

 يصوم أبناء بعض الفرق الإسلامية يوم العاشر من المحرم باعتبار أنه سنة نبوية بالرغم من كونهم على يقين تام أنه صيام ذو بعد سياسي بحت، وخال كليا من المضمون الديني، ولا علاقة له بالين لا من قريب ولا من بعيد، وأنه سن في زمن متأخر جدا عن عصر البعثة، وتحديدا بعد أن قتلوا ابن بنت نبي الإسلام؛ لكي يلهوا الناس بأمر يجعلهم يسهون عن ذكر جريمة قتل الحسين وأصحابه، هذه الواقعة البشعة التي تخالف كل سنن الحياة.

إن الذين يلتزمون بصيام يوم العاشر من المحرم، يستندون إلى رواية وردت في كثير من كتب الحديث، ومنها مسلم الذي نقل عنه محمد الشقيري في كتابه السنن والمبتدعات ما أخرجه عن ابن عباس، قال: صام رسول الله يوم عاشوراء[أي يوم العاشر من محرم]، وأمر بصيامه.
قالوا: يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى.
فقال رسول الله: فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا التاسع.
قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله.
وفي رواية له أيضا قال: قال رسول الله: "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع". وقال الشقيري:هذا هو الصحيح.

وأنا هنا لن أناقش مضمون الحديث الذي يدل على أن النبي كان يضع لهم سنن تعبدهم مثل الصوم والصلوات وغيرها من عنده، بدون وحي، فيأمرهم بصوم يوم كانت تعظمه اليهود والنصارى، وحينما يعلموه بذلك يتراجع، وينوي أن يصوم في العام القادم يوم التاسع بدلا عنه، ولكنه يموت قبل ذلك، فيبقي المسلمون ملتزمين بقوله الأول، ولا يعدلوا عنه بالرغم من أنه كما يتبين من الحديث كان قد نوى أن لا يصومه في ذلك اليوم، ولن أناقش قولهم: "إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى" والجميع يعرف درجة اختلاف عقائد اليهود عن عقائد النصارى، فكيف يتفقان على صيام هذا اليوم بالذات وهو يخص مناسبة يهودية؟ ولكني سأناقش جوانب أخرى عسى أن تتضح الصورة الحقيقية لهذا الصيام الطارئ الدخيل على عقيدة الإسلام، والذي تسبب بزرع الفرقة والفتنة بين فئة تصومه فرحا وسرورا وفئة تقتل نفسها فيه حزنا على استشهاد الحسين (عليه السلام).!

فهل يعقل أن يترك النبي تعليمهم صيام هذا اليوم بالرغم من فضائله؛التي تحدثوا عنها كثيرا، وقالوا: "إن صيامه يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده" إلى ما قبل وفاته بأشهر معدودات، أي لغاية السنة العاشرة من الهجرة، لو كان حقا صياما شرعيا، وفيه كل هذه الفضائل؟
يقول الحديث الذي أوردوه: إن النبي أمرهم بصيامه، ويعني هذا أنه تشريع إلهي ملزم، فكيف ينوى تركه وتغيير تاريخه إلى يوم آخر كيفيا؟
ويبدو من حديث أخرجه البخاري عن السيدة عائشة، جاء فيه: "كان رسول الله أمر بصيام يوم عاشوراء فلما فرض رمضان، كان من شاء صام ومن شاء أفطر" أن النبي أمرهم بصيام هذا اليوم قبل السنة الثانية للهجرة، لأنهم يقولون أن صيام شهر رمضان سن في السنة الثانية للهجرة، فلماذا لم يخبروه في حينه، وانتظروا إلى سنة عشر للهجرة ليخبروه؟!

ومن خلال قول للنووي يتبين أن النبي كان يصوم هذا اليوم قبل الهجرة؛ في مكة المكرمة، ولكنهم لم يذكروا المناسبة التي دعته إلى صومه، قال النووي: "كان النبي يصومه بمكة، فلما هاجروا، وجد اليهود يصومونه فصامه بوحي أو اجتهاد لا بإخبارهم" فلماذا لم يأمر المسلمين بصيامه إلا في المدينة؟ وهل يكفي تمنطق ابن رجب في إقناعنا بصحة صيامه؟ يقول ابن رجب: "ويتحصل من الأخبار أنه كان للنبي أربع حالات:
كان يصومه بمكة ولا يأمر بصومه.
فلما قدم المدينة وجد أهل الكتاب يصومونه ويعظمونه وكان يحب موافقتهم فيما لم يؤمر فيه فصامه وأمر به وأكد.
فلما فرض رمضان ترك التأكيد.
ثم عزم في آخر عمره أن يضم إليه يوماً آخر مخالفة لأهل الكتاب، ولم يكن فرضاً قط على الأرج". ألا توحي هذه الحالات وكأن النبي كان يسن للمسلمين سنن دينهم كيفيا واعتباطيا دون أن ينتظر نزول الوحي؟!
ومع قولهم إن النبي أمر المسلمين بصيامه " كما في بعض الروايات: قال لأصحابه: "أنتم أحق بموسى منهم فصوموا"، وهذا أمر مباشر لا غبار عليه. ومع قولهم الآخر إن النبي كان يتحرى أي يتابع قدوم ذلك اليوم ليصومه، لكي يجبر ويشجع المسلمين على صيامه؛ كما في حديث ابن عباس الذي أخرجه البخاري: "ما رأيت النبي يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم، يوم عاشوراء"، إلا أنهم احتاروا بين كونه واجبا أم مستحبا، فقال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري: "نقل ابن عبد البر الإجماع على أنه الآن ليس بفرض، والإجماع على أنه مستحب". وهذا مخالف لقوله تعالى في سورة الحشر: {وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} فمجرد أن النبي أمرهم بصيامه، فذلك يعني أنه أصبح حكما واجبا ولم يعد مستحبا.! ومجرد قول ابن رجب: "فصامه وأمر به وأكد" يعني الوجوب لا الاستحباب، فلماذا اختلفوا في هذا الحكم؟ ثم متى كان المسلمون يسألون النبي عن أوامره لهم: أهذا واجب أم مستحب لكي يعرفوا حكمه؟!

وماذا نسمي تعللهم بأن النبي كان في بداية الهجرة يوافق أهل الكتاب، كما ورد في قول ابن رجب: "فلما قدم المدينة وجد أهل الكتاب يصومونه ويعظمونه، وكان يحب موافقتهم فيما لم يؤمر فيه". ثم مخالفته لأهل الكتاب في آخر أيامه، كما في قول ابن رجب الآخر: " ثم عزم في آخر عمره أن يضم إليه يوماً آخر مخالفة لأهل الكتاب"؟ ألا يعني هذا القول أنه كان يخافهم في بداية أمره وكان يجاملهم على حساب عقيدته، وهذا خلاف ما كان عليه النبي؟! كم يفهم من قول آخر لابن حجر العسقلاني ما يثبت أن النبي كان يخاف اليهود ويتعبد ببعض ديانتهم لإرضائهم على حساب الإسلام، وأنه بعد فتح مكة حينما ازدادت قوته كشف لهم عن وجهه الحقيقي ولم يعد يخشاهم أو يخافهم، قال ابن حجر: "وقد كان النبي يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء، ولاسيما إذا كان فيما يخالف فيه أهل الأوثان، فلما فتحت مكة واشتهر أمر الإسلام أحب مخالفة أهل الكتاب أيضا كما ثبت في الصحيح، فهذا من ذلك، فوافقهم أولا، وقال: نحن أحق بموسى منكم، ثم أحب مخالفتهم فأمر بأن يضاف إليه يوم قبله ويوم بعده خلافا لهم".

إن كل أقوالهم وتعليلاتهم وتأويلاتهم هذه تتعارض مع ما أخرجه البخاري في صحيحه من أن النبي لم يكن يعرف هذا اليوم أساسا، ولم يكن يعلم إنْ كان اليهود يصومونه أم لا مطلقا، وانه بعد أن علم بذلك أمر المسلمين بصيامه، والحديث عن ابن عباس، قال: "قدم النبي المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، فنحن نصومه تعظيما له".
ومثل تخبطهم في وجوب أو استحباب صوم هذا اليوم، وتخبطهم في وقته، اختلفوا وتخبطوا بأمر المناسبة التي سن لأجلها هذا الصيام، وجميع أقوالهم تعتمد على وتستند إلى خرافات وأساطير جاهلية؛ ما أنزل الله بها من سلطان، وهي تعتمد على بعض سنن الديانات القديمة، بالرغم من قولهم: إن رسالة الإسلام نقضت الرسالات السابقة، وجاءت بدين كامل؛ لا يجوز أن يعتمد على ما جاء في الديانات السابقة.!  ومن تلك الخرافات الغريبة العجيبة؛ التي تعللوا بها ليصوموه، قولهم:
ـ إنه اليوم الذي دحى الله تعالى فيه الأرض... ولا يوجد في العقيدة اليهودية أن اليهود يصومون يوم دحو الأرض، وهذا تكذيب للحديث.
ـ إنه اليوم الذي أنجى الله تعالى فيه يونس من بطن الحوت... ولم يعر اليهود يوم إنقاذ يونس أهمية، ولا يعرفون متى وقع هذا الأمر، ولا يصوموه.!
ـ إنه اليوم الذي رست فيه سفينة نوح على اليابسة... نوح أبو البشر الثاني وتاريخ رسو سفينته أمر لا يعرفه إلا الله تعالى، فكيف عرفه اليهود وصاموه؟! وجوابا على ذلك يدعون أن موسى كان يصومه فرحا بنجاة نوح.!
ـ إنه اليوم الذي أنقذ فيه الله تعالى إبراهيم من النار... فرية أخرى لا دليل لهم عليها، واليهود لا يصومون هذا اليوم ولا يعرفون تاريخه.!
ـ إنه اليوم الذي أنقذ الله تعالى فيه موسى من فرعون... لا يوجد في الديانة اليهودية المعاصرة ما يثبت أن اليهود يصومون هذا اليوم، وجل ما نعرفه عنها أن الأحاديث التي سنت هذا الصيام الغريب أوردتها.!

أما الاعتراض المنطقي الأخير على هذا الأمر، فهو أن المدارس الإسلامية تتفق على أن النبي(صلى الله عليه وآله)، وصل إلى يثرب قادما من مكة المكرمة في شهر ربيع الأول وليس في المحرم، فكيف وجد الناس صياما كما تقول الروايات؟ هل توهم اليهود فصاموا في شهر ربيع الأول بدل المحرم؟ أم أن لليهود تقويما يختلف عن التقويم الذي كان معمولا به بالمدينة وهو يشبه التوقيت القمري، أي متحرك الأيام مثل اختلاف وقوع المناسبات؛ الذي يقع بين التاريخين الهجري والميلادي، ولذا لم يوافق محرمهم أيام محرم العرب ولكنه وافق شهر ربيع الأول؟
إن هذا الصيام فرية أخرى صنعتها السياسة وأدخلتها إلى العقيدة فتعبد بها البعض جهلا، وهي لا تغادر كونها قد جيء بها لكي تغطي على جريمتهم النكراء في ذبح الحسين بن علي بن أبي طالب وجميع أصحابه لكي يصفو الأمر ليزيد.!
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


صالح الطائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/10/25



كتابة تعليق لموضوع : السياسة وبدعة صيام العاشر من محرم الحرام
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net