صفحة الكاتب : د . صادق السامرائي

الشعب سندان والكرسي مطرقة!!
د . صادق السامرائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

في مجتمعاتنا العربية , يبدو مضحكا القول أن الشعب مصدر السلطات , وما هو إلا سندان تنهال عليه مطارق الكراسي بأحجامها وأوزانها المختلفة , لتطرق رأسه وتشكل حياته وفقا لهول ضرباتها ونيران كيرها اللهاب.

الشعب العربي لا يمكنه أن يكون مصدرا للسلطات , وإنما هو هدفها , ولابد أن تتجسد فيه آليات الخضوع والخنوع والتبعية والإمتلاك , أي أن الشعب ملك مشاع للأحزاب والفئات والعمائم والقوى المتسلطة الباغية , المتمسكة بمناهج الإذلال والإهلاك والحكم بالحرمان من الحاجات.

الشعب العربي لم يُمنحْ الفرصة لكي يكون سيّد نفسه ومقرر مصيره , وإنما تم تحويله إلى أرقام وموجودات فاقدة الأهلية لبناء وتطوير منظومة الحياة , فهو ممنوع من التعبير عن رأيه على مدى قرون , وتحفّه مخاطر الكراسي في صناديق الدول والأوطان , وتضربه على رأسه مطارق الحكام.

وكما هو معلوم , فقد إرتكبت سلطات الحكم في دوله أبشع الجرائم والآثام بحق الإنسان , وأذاقته أقسى صنوف التعذيب والترويع في السجون والمعتقلات , التي تتباهى ببنائها والإمعان بتطوير وسائل القهر فيها , وإستيراد أقذر أدوات التمثيل الجسدي بالبشر المغلوب على أمره والمسحوق بجنازير الحاكم بأمرٍ مُهان من ذوي المصالح والإرتهان.

الشعب العربي ما تنفس هواء الحرية , وما أن توهم بأنه سيقدر على التحرر من أصفاد ذوي السلطان , حتى وجد نفسه في خنادق لم تكن في الحسبان , فصار البشر في محنة الخوف من نفسه ومن أخيه المواطن الذي كان يعيش معه بمحبة وألفة وتحنان.

ومضت خمسة سنوات من العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين , والعربي متمحن في نفسه ومذهول بما أصاب أحواله , وكيف توافدت إليه العواصف الطائفية والمذهبية والفئوية والتحزبية والتكفيرية , وكيف إجتاحت وجوده الإنفجارات والدمارات والتخريب السائد في البلاد.

وكيف أصبح الفساد دستورا والمحسوبية قانونا , والنهب تقليدا , والخيانة والتبعية وطنية , والباطل حقا , والضلال دينا والنار لغةً , والموت مشاعا ومبتذلا , والتهجير ديدنا , والإستحواذ على حقوق الناس شجاعة وفخرا , وسفك الدماء من طقوس أديانهم أهواؤهم  , وكيف تعددت الآلهة وغاب الإله , وصارت العمائم تجهر بالسوء المباح!!

وكأن الشعب العربي لايمكنه أن يكون سوى مصدرا للدموع والأحزان , ولمسيرات اللطم والنواح والبكاء على القبور والأجداث الغابرات , ولا يمتلك قدرات أكون , وطاقات التحدي الإيجابي وصناعة المستقبل الحضاري , الذي يكفل مصالحه وأمنه وسلامة ذاته وموضوعه , ويحافظ على مسيرات أجياله المتعاقبة , التي عليها أن تتكاتف وتتآلف وتمتلك رؤية ذات أفق وسيع.

الشعب العربي لا بد له من كرسي وطني ينكر ذاته ويؤمن بموضوعه , ليأخذه إلى طريق الحياة والقدرة على البناء والعطاء الأصيل , وبعد أن يتعلم مهارات التعايش الوطني والفعل الحضاري النافع البنّاء , عندها فقط يمكنه أن يكون مصدرا للسلطات , لأنه في هذه الأحوال سيمتلك وعيا حيويا بالمسؤولية والواجبات , وما يجب عليه أن يقوم به ويفعله لصناعة حاضره وغده الأفضل.

أما ما تحقق في المجتمع من تفاعلات بذريعة الديمقراطية , فأنها تكشف عن غياب الشعور بالمسؤولية الوطنية والإنسانية , والتحول إلى طاقات سلبية مؤهلة لتدمير الحياة , وما يتصل بها من معاني ومستلزمات ومبادئ وصيرورات , وعناصر عزة وإقتدار , وهذا الحال من منابع الأحوال التي يتدفق ما فيها حولها , فتورق بذوررها وتتفتح براعمها التي حققت ما هو قائم وقاتم!!

د-صادق السامرائي



 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . صادق السامرائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/10/04



كتابة تعليق لموضوع : الشعب سندان والكرسي مطرقة!!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net