بمن نحلف ؟
مصطفى الهادي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 أذا تمكنت المفاهيم الجاهلية من إنسان فإن الخلاص منها أمر صعب للغاية، خصوصا إذا شبَّ وشابَ عليها . والخليفة الثاني عمر بن الخطاب من هذا النمط الذي بقيت المفاهيم الجاهلية متغلغلة في أعماقه حتى بعد اسلامه ، فكان مثلا ينوح على قتلى المشركين في بدر، وكان يتغنى بشعر الجاهلية حيث ينقل ابو حامد الغزالي (أ) بأن عمرا شرب الخمر وقعد يبكي وينوح على قتلى بدر من المشركين ثم أخذ (فك) بعير وضرب عبد الرحمن بن عوف فشج رأسهُ شجّةٌ منكرة. فخرج رسول الله ص يجر ردائه غضبا فضرب عمر بن الخطاب ، علما ان عمر بن الخطاب سمعَ رسول الله ص وهو يقول : (لايدخل جنة مدمن خمر).
ومن أعمال الجاهلية أيضا التي استمر عليها عمر بن الخطاب أنه كان كثير الحلف بأبيه وهي من العادات الجاهلية التي حاربها الرسول ص ففي صحيح البخاري ـ كتاب الأيمان والنذور قال : (عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدرك عمر بن الخطاب ـ وهو يسير في ركب يحلف بأبيه فقال: (ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت).

والنهي الذي صدر من النبي لعمر هو بسبب أن عمر كان يستخدم طريقة الجاهلية في اليمين كما نرى ذلك واضحا فيما أخرجه النسائي في باب التشديد في الحلف بغير الله تعالى فقال: عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله، وكانت قريش تحلف بآبائها، فقال: لا تحلفوا بآبائكم). فقد كانت قريش تحلف بالاصنام (اللات) وغيرها او تحلف بآبائها وهكذا استمر عمر به الخطاب بهذه اليمين على رغم اسلامه.

وقد اتفق العلماء على أنه لا تنعقد اليمين بغير الله تعالى، وهو الحلف بالمخلوقات، فلو حلف بالكعبة، أو بالملائكة، أو بالأنبياء أو بأبيه لم تنعقد يمينه، ولا يشرّع له ذلك، بل يُنهى عنه، إما نهى تحريم، وإما نهى تنزيه. فإن للعلماء في ذلك قولين. والصحيح أنه نهى تحريم. حيث نُقل عن النبي (ص)أنه قال: (من حلف بغير الله فقد أشرك).

وفي هذه الأيام أيضا كثيرا ما نسمع الناس يحلفون بهذه الطريقة ولا يعلمون أنها طريقة جاهلية حيث يقول احدهم لصاحبه (وروح امي) أو (وروح خالي) أو (وروح المرحوم ابوي). واليمين هذه قد لا تدخل صاحبها في الحرام لأنه لا يحلف بهم اشراكا منه بالله تعالى ، بل من باب الاعتزاز بالأب وحرمته. وهذا النوع من (الحلف) أو الأيمان لا كفارة عليه إنما الكفارة تكون على اليمين الغموس أي التي تُغمس صاحبها في الإثم مثل الحالف بالله تعالى كذبا كما قال تعالى في سورة المائدة : 89 : (لا يؤاخذكم الله باللغو في إيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمالن فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم). وقد قال العلماء بأن المقصود (باللغو) هو الحلف بغير الله تعالى فهذا مما لا كفارة عليه.
واما في الكتاب المقدس فقد منع أيضا من الحلف بغير الله فقال (والحالفين بالرب وبملكوم).(2)

وقد بالغ الكتاب المقدس في كفارة اليمين بشكل افرد لها فصول كاملة ونهى الحالف من الحلف لأن بيته سوف يمتلئ بالنوائب كما في سفر يشوع بن سيراخ 23: 9 (لا تعود فاك الحلف، الرجل الحلاف يمتلئ إثما، ولا يبرح السوط من بيته. وإن حلف باطلا لا يبرر، وبيته يملأ نوائب).

واما عن شكل كفارة اليمين (الحلف) في الكتاب المقدس فهي كما بيّنها سفر اللاويين 5: 4 : (إذا حلف أحد بشفتيه للإساءة في اليمين، فهو مذنب يأتي إلى الرب بذبيحة لإثمهِ عن خطيته التي أخطأ بها أنثى من الأغنام نعجة أو عنزا من المعز، ذبيحة خطية، فيكفر عنه الكاهن وإن لم تنل يده شاة، فيأتي يمامتين أو فرخي حمام إلى الرب، أحدهما ذبيحة خطية والآخر محرقة. وينضح من دم ذبيحة الخطية على حائط المذبح، والباقي من الدم يعصر إلى أسفل المذبح. فيصفح عنه وإن لم تنل يده يمامتين أو فرخي حمام فيأتي بقربانه عشر الإيفة من دقيق، قربان خطية. لا يضع عليه زيتا، لأنه قربان خطية. فيصفح عنه. ويكون للكاهن كالتقدمة ـــ هدية ــ).

فغاية الكفارة في الكتاب المقدس هي ان يستفيد الكاهن من الكفّارات فيتم ترضيته لكي يصفح عن صاحب اليمين. بينما في الإسلام فإن الكفارة تعود بالنفع على عشرة من ضعفاء الناس وفقرائهم ومن دون تمييز.

المصادر:
1- مكاشفة القلوب تأليف الشيخ الفيلسوف ابي حامد الغزالي الباب الحادي والتسعون طبع دار البشائر.

2- سفر صفنيا 1: 5 . يقولون في تفسير هذا النص : الحالفون بملكوم هم الذين مزجوا عبادة الرب بعبادة البعل أو ملكوم. وكلمة ملكوم تعني ملك فهم ملَّكوا الآلهة الوثنية على قلوبهم واضافوا في قَسَمِهم بالله الحيَّ اسم أو أسماء آلهة وثنية .

الموضوع السابق هجرة بدوافع نفسية

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat