صفحة الكاتب : نزار حيدر

في تَأبينِ الفَقيدِ الموسَوي
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

   بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

   قال العظيمُ في محكمِ كتابه الكريم، بسم الله الرحمن الرحيم: {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ* أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} صدق الله العلي العظيم.

   لولا أنّي أَعْلَمُ انّ موقفي هذا يُعبّر عن قليلٍ جداً من الوفاء للفقيد الراحل، المرحوم المغفور له الفقيد السعيد السيد الحاج عبد الكريم الموسوي (أبو احمد) الذي قضيتُ معه قُرابة ربع قرنٍ من الاخوّة الصّادقة والصُّحبة النّادرة والزّمالة العميقة، لما تجرّأت على ذلك، فتأبين المرء لصديقهِ أمرٌ صعبٌ للغاية، اذ لم يخطر على بالي ابداً انّي سأقفُ في يومٍ من الايام مثل هذا الموقف، مؤبّناً أخي وصديقي الذي احببتهُ وأحبّني، وثقتُ به ووثقَ بي، أسررتُهُ وأسرّني، استشرتهُ واستشارني، تواصلت معه وتواصلَ معي، اذا همّ بسفرٍ كنتُ آخرَ من يتّصل بي ويحدّثني، واذا حضرَ كنتُ أوّل مَن يتّصلُ به، واذا هممتُ بسفرٍ كان آخرَ من اتّصل بهِ وأُحدّثه، واذا حضرتُ كان أَوّلُ من اتصل به، حتى شاءَ الله تعالى ان أَكون آخر من يزورهُ قبل رحيلهِ الى الدار الاخرة، بعد معاناةٍ من مرضٍ عضالٍ المّ به، والتي وصفها رب العزة بقوله: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} لينعمَ بمغفرةٍ واسعةٍ من ربٍّ غفورٍ، في {جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا} {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ}.

   فرحمكَ الله تعالى أيّها الفقيد السعيد السيد الحاج ابا احمد، الذي افتخرُ بأخوّتهِ وصداقتهِ وزمالتهِ، فلقد كان لي نِعمَ الاخ القريب والصّديق الصّدوق الذي صحبتهُ فزانَني، واستشرتهُ فصدقني الرأي، وأسرّني فأتمنَني.

   لقد عرفتهُ مصداقاً لقول أمير المؤمنين الامام علي بن ابي طالب عليه السلام الذي يقول فيه {وَامْشُوا إِلَى الْمَوْتِ مَشْياً سُجُحاً} من خلال سيرة عطرةٍ عَمادها الايمان والجهاد والعمل الصالح والصدق والمحبة والتواضع، حتى ختمها بالذّكر الطيّب على لسان كلّ من عرفهُ وصحبهُ وعاشرهُ وتعامل معهُ، وصدق الله العظيم الذي قال في محكم كتابه الكريم {وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ} والمُراد به، كما ورد في التفسير، أن يجعل الله له ذكراً جميلاً و ثناءً حسناً بعده إلى يوم القيامة، وهو المعنى نَفْسَهُ الذي قصدهُ امير المؤمنين (ع) بقوله؛ {وَلِسَانُ الصِّدْقِ يَجْعَلُهُ اللهُ لِلْمَرْءِ في النَّاسِ خَيْرٌ لَهُ مِنَ المَالِ: يُورِثُهُ غيرَهُ} وهو (لسان الصّدق) ثمرةُ الحياة الصّادقة، والتي لا تتحقّق الا بالاخلاق والمناقبيّات، ولذلك لم يصف ربّ العزّة نبيّه الكريم (ص) بالعظمة الا في اخلاقهِ، فقال تعالى {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} فحتى الرسول الذي يُوحى له من السماء، ما كان لينجح في تبليغ رسالته للناس لولا اخلاقه، فقال تعالى {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} وهو القائل (ص) {أدّبني ربّي فأحسن تأديبي} وقوله (ص) {تخلّقوا باخلاق الله} فكان الفقيدُ يسعى دائماً لتحقيق معنى هذا الحديث الشّريف، فكان صبوراً كريماً محباً للخير للآخرين كما يحبُّ الخير لنفسه، وكان يوازن بين واجباته فلا يفرّط في جانب لحساب آخر، وكان يفيضُ الحبّ من جوانبه، يحبّ أسرته وأصدقائه وجيرانه، وكان مصداق قول رسول الله (ص) الذي يقول {عامِلوا النّاس بأخلاقِكم ولا تعاملوهُم بأخلاقِهم} وكان بشوشاً مبتسماً دائماً لم يصادفه احدٌ مغموماً او مهموماً ابداً، اذ كان {لاَ يَشْكُو وَجَعاً إِلاَّ عِنْدَ بُرْئِهِ} على حدّ وصفِ امير المؤمنين (ع) وكان {بِشْرُهُ فِي وَجْهِهِ، وَحُزْنُهُ فِي قَلْبِهِ، أَوْسَعُ شَيْء صَدْراً، وَأَذَلُّ شَيْء نَفْساً، يَكْرَهُ الرِّفْعَةَ، وَيَشْنَأُ السُّمْعَةَ} على حد وصف الامام امير المؤمنين (ع).

   فرحم الله الفقيد العزيز، وأخلف على اهله وذويه، واسكنه فسيح جنانه مع جدّه رسول الله (ص) واهل بيته الطيبين المعصومين، والهمَ أهلهُ وذويه وأصدقائه ومحبيه الصبر والسلوان.

  {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}.

  *ملخص الكلمة التي ألقيتها مساء امس (الاحد) في مجلس التأبين الذي اقيم على روح الفقيد السعيد، في منطقة العاصمة الأميركية واشنطن.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/09/29



كتابة تعليق لموضوع : في تَأبينِ الفَقيدِ الموسَوي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net