صفحة الكاتب : علي البدر

قصه قصيره زائر النهار
علي البدر
أيام ... طال انتظاري لصديق قديم عرف بالتزامه وجرأته ، وكم مرة اسمعني كلماته المعروفه " ايه ليش دا أخاف! هيه موته موته"  ولطالما انزعجت لهذه الكلمات:
ماذا دهاك يا أخي؟ كلما اراك تركز في عيني وتردد هذه الجمله؟ ألم تمل منها؟ وهل انت "عزرائيل" تذكرني بالموت كلما نلتقي وبعد أشهر طويله؟
-        لا تخف . هيه موته موته. رد علي متهكما وعلامات الأصرار بادية عليه.
   ومشاكلي مع “عباس" لا تحصى منذ طفولتي، لكنه جاءني ذات يوم شارد الذهن وبعد غيبة طويله تعد لحظاتها بسنين وكأنه في عالم اخر، فقد علمت سبب غيابه من زوجته بانه محجوز  بالقرب من ساحة الأندلس وسط بغداد لحاجتهم اليه لدقائق فقط. وهنا تذكرت كلماته التي لا احبها وكما يبدو قد نسيها أو تناساها.
-                  يا أخي. قال "عباس" ، لن تتوقع  ماحدث لي . تصور أول اسبوع من توقيفي في مديرية الأمن أشبعوني من شيء مفقود من الأسواق  وهو غالي الثمن حيث ادخلوني غرفة كئيبه رطبة الجدران  يتخلل الضوء اليها من نافذة صغيره وقال لي أحدهم انظر استااااذ هذا لك، وأشار لصندوق كتب عليه مالم أتوقعه. كل يوم نطعمك ما تتمكن عليه. لمده يقررها  السيد "العام".
-                  ومن قال لكم انني احب البيض لهذه الدرجه؟
-                  لم تأكله أيها الثرثار بل ستسبح به، وانهال علي ضربا وشتما حيث دخل صاحبه وبدأ يكسر على رأسي البيض بيضة بيضه.
-                  هاك ياابن الكلب يا عميل شلون تكول ماكو بيض وانته بين الناس . هذا شنو يا غبي . تريد تشوه سمعتنه واحنه بأيام حصار صعبه؟ 
-     ياأخي . أكلت نصف الصندوق في ليله واحده وبهذه الطريقه. وأخرجوني ولازالت رائحة البيض ملتصقه بشعري. لم يبق اي نوع من الصابون لم استعمله ابتداء من صابون الركي وانواع الشامبو وداعتك "ام محمد" فركت راسي بطين خاوه ومراحت الريحه.
-                  جيد فأنت محظوظ جدا لان هذا يفيد شعرك كثيرا. 
-                  كعادتك. رد منفعلا ، تحول الجد الى هزل وقد حذرتك مرارا بعدم اثارتي وانا بمواقف صعبه  أو تمزح معي هكذا.
-                  لا عليك. هيه موته موته. قلت متهكما،  لكنه رد متوسلا:
-                  المهم اريد منك طلبا.. وعليك تنفيذه.
-                  وهو؟
-                  أن تضربني بعكسك في خاصرتي  برفق عندما ابدأ بانتقاد النظام.
-                  حسنا . وكنت اعلم انه يضع راحة يده اليمنى على بطنه التي غار بها الحزام حيث يمسكه باصابعه ويسحبه نحو الأعلى و يأخذ نفسا عميقا ثم يتلفت يمنة ويسره ويقول: يا جماعه هالأأيام دجاج ماكو.. يا جماعه بيض ماكو.. وهكذا ..
                 وعندما خرج الطلاب لساحة المدرسه وقفنا قرب  شجرة معمره وكان الأستاذ "عباس" وسطنا حيث وضع راحة يده على بطنه وسحب حزامه للاعلى ونظر الى السماء وقال يا جماعه هالأيام........ وجاءته ضربه قويه على خاصرته فصاح : اخ هاي شسويت.. هلسنه مطر ماكو أي مطر ماكو. هاي شبيك!
                  صمت داخلي انتابني رغم ضحكات ومزاح زملائي والموقف المفاجيء مني بلكز زميلي بقوه املا مني باسكاته وكأن صندوق البيض لم يكن كافيا لاسكاته، تساءلت، ياترى مالذي دفعني لهذا التصرف؟ أهو
 خوف، قلق أم رعب يحيطني ويسري في عروقي ؟ أهو بسب الكبت الذي يسبب القلق والتوتر أم ألقلق والتوتر اللذان يسببان الكبت؟ من يسبب من؟
يا الهي ؟ لم احيط نفسي بدائرة الأوهام والمخاوف فها أنا ذا ازج نفسي بتساؤلات ربما اتعبت" فرويدFreud" أو :كارين هورنيK. Horney " وغيرهم من مؤيدي مدرسة التحليل النفسي. ماذا عملت أنا لكي أخاف وبشده من انتقاد الحاكم الذي جاء بغفلة من الزمن ليحكمني؟ مالسبب الذي يجعل الحاكم يكره اهل الرأي الذين لا يوالونه رغم انهم مسالمون؟ ولماذا نبقى في دوامة صراع المتناقضات العدائيه؟ اقتلك قبل أن تقتلني أو الغي و أقمع ما يحمله فكرك قبل أن تتهيأ لمعارضتي؟ والى متى تبقى مشكلتنا مع الأخ الكبير Big Brother وربما كان "جورج أورويلG. Orwell" يعرف جيدا ما توقعه. صور في كل مكان.. انصات وكلمات تافهه تمجد به نصفق لها، خوفا من عقاب اقله كما حدث الى "عباس". ثلاثة أشهر ورائحة البيض تملأ البيت! يعلقون الانسان وذراعاه الى الخلف  ليعترف. وبماذا يعترف ؟ قل لنا ماذا في مخك.  يغرون الطفل ويستدرجونه من أجل التصفيق للاخ الكبير ويفهموا ما يدور في البيت من حديث.
-                قل يا شاطر ماذا يقول ابوك في البيت عندما يتحدث الاخ الكبير بالتلفاز أو عندما يعاد الحديث وتلغى نشرة الأخبار أو البرامج التي تحبها أنت؟ قل وسأرفع درجاتك الضعيفة باللغة الأنكليزيية والرياضيات.
 أجل هذا ما حدث للطفل "مؤيد" الذي رجع لبيته ولم يجد أباه. 
-        أماه أين أبي؟ 
-        جاءت سيارة تحمل ثلاثة أشخاص وذهبوا به.
-        وأين يا اماه. كم اكره تلك السيارة التي اخذت اخي  الى الأبد.
-        لاتخف. سيرجع أبوك سالما فهو كاتب وأديب محترم ومعروف. اطمئن..
وكانت المفاجئه عندما دخل الأب متبخترا وعلامات الأنتصار بادية عليه.
-        الحمد لله. "عبد المجيد" قالت الام. 
-        كما ترين. كل شيء على ما يرام.
-        - قل لي بربك ماذا اراد منك الأخ الكبير؟
-        تصوري ابتسم بوجهي ورحب بي وقال: وأخيرا التقينا يا "عبد المجيد"... كيف الحال؟
-        كما ترى.. وماذا يهمك من رجل عجوز مثلي؟ قبل سبعين سنة كنت أفضل .قلت له.
-        وماهي قصة الحيوان الذي يربي  صغاره ويرعاهم ويأتي الدب ليأكلهم. تسائل وبهدوء.
-        أي دب؟ لا أفهم لانهم منتشرون في كل مكان. في الشمال والجنوب والوسط و.... 
-        ابتسم في وجهي لكنه سرعان ما أشار بسبابته الى الجريده التي امامه. ركز نحوي بنظرات حادة متسمره مرعبه ولا حظت وكأن شرارا يتطارير منها.
-        من هو الدب. اتعرفه؟ قل ولا تتردد فأنت ضيفي الان . اخبرني هل تقصد اننا نقتطف ما 
يعمله الاخرون؟ 
-        الان ضيفك وانا ممتن لهذا العرض الكريم وها أنا اشرب فنجان القهوة ولكن.
-        ولكن ماذا؟
-        ان تستمر الضيافه الى ان أخرج سالما.
-        تعجبني جرءتك،قال ذلك مبتسما وهو يرفع اضبارة بدت انها ممتلئه بالتقارير،  يا استاذ "عبد المجيد". هكذا انت منذ شبابك وحتى الان. أنت مواطن كردي لكن الدم العربي يعيش في عروقك. لم نشعر انك متعصب لقوميتك أو دينك ولم تكن لدينا اية اشارة سلبية عنك سوى بعض كتاباتك في الصحف وقصصك التي تنشرها في "العراق" .وهي صحيفه كل محرريها اكراد.
-        وسيادتكم تشرفون عليها وتدعمونها وهذا يدل باني اسير بنهج اتمنى ان لا يغضب احد. كما تعلم انا انسان مسالم ولكن قلمي حر وافتخر به لانه لم يكتب لاحد. وقد دعاني"الملا" وضيفني عدة ايام لاكتب سيرة حياته لكنني رفضت وبشده . لن أكتب لشخص ابدا وهذا قسم علي. أنا مواطن كردي وعشت وسط اخوتي العرب. عندما تسود العداله ويسود الحب ويمسك الطيبون الأمر يعيش الجميع بأمان.
-        كما هو الان.
-        اجل الان فانا بقربك على الأقل.
-         وان ابتعدت؟
-        لا أدري. أجل أجل لا ادري فقد تمر ليال اتوقع زائر الليل في كل لحظه.
-        اطمئن. هذا وعد.
-        شكرا.
        استمر حوارنا لاكثر من ساعه وكان دائم التركيز بنظراته الحاده على وجهي متحاشيا التركيز على لحيتي الكثة أو هندامي الذي لايليق بمقابلة شخص مثله. وقد أعجبتني هذه الالتفاته منه. 
-        أراك متشنجا فأنت حزين لان الدب أكل الصغار. نحن من اكل الصغار؟ أهذا ماكنت تعنيه؟ انتم تضحون ونحن نقطف الثمرة بدون جهد. 
-        لا لم اقصد ذلك انها مجرد قصه وللأطفال وليست للكبار وأشرت بيدي عليه حيث نهض من مقعدة مبتسما وكأنه يخفي لي شيئا وهنا تذكرت صاحبي الذي تفوح منه رائحة البيض وكلماته التي اعطتني شجاعة لم اتوقعها واحسست بارادة صلبه زادت من توتري وانفعالي وقد لاحظ ذلك وقال:
-        أنت عصبي لماذا؟
-        أبدا أبدا.
-        لاينبغي لك هذا فأنت الان ضيفي. ولكن لم يبق بعمرك شيء حاول ان تترك ما يتعبك . 
-        لا يتعبني شي سوى البحث عن العداله والأمان لي ولتلك الجموع التي تبحت وتناضل من اجل توفير لقمة العيش. العجب في بلادي اننا نحفر بئرا للماء فيظهر النفط تحت الارض والناس جياع فوقها. 
نعم جياع في الطرقات وعلى ابواب الجوامع . أخجل وأشعر بالحياء وانا ارى الفقر في كل مكان. يجب ان تتوزع الثروه بعداله . يا الهي لو كان الفقر رجلا لقتلته. ولنشرت الامان والخير في كل مكان..
-        أتكون عصبيا وانت أمامي؟ لاينبغي لك هذا.
-        عندماارسل "لينين" على "مكسيم غوركي" واصبح عصبيا متوترا امامه فان "لينين" لم يقل لماذا انت عصبي وانما سكت واستمع الى كل كلامه وكان متوترا من الداخل لكنه ابتسم أيضا.
-        وها أنا اسكت. اتقارنني بلينين؟ 
-        بالطبع لا .
-        ألا زلت شيوعيا؟ 
-        لا. اعتاد الناس والحكام اطلاق هذا الاسم على المثقف لانهم يربون رفاقهم على الثقافه.
-        من كلامك انت تناصرهم. ومعجب بطروحاتهم.
-        ليست كلها وانما بفلسفة "هيكل  Hegel" الى حد ما. 
-        تقرب مني ضاحكا وكنت اعلم انه مطالع جيد لفلسفة كارل ماركس K. Marks
-         ان صراع المتناقضات يسري في دمك أو ربما تود الأبتعاد عما تقوله حيث ذكرت "هيكل" بدلا من كارل ماركس. وهذه اوراقك تشير بانك شيوعي. 
-        أنا؟ لا. ابدا ابدا.
        وهنا ايقنت انها سيرة حياتي وبها الفترات التي قضيتها بالسجن والتقارير التي كتبت ضدي.
-        أنا لست كما تضنون ولكني معجب بكلا الفلسفتين واحترمهما.
-        لابد انك تعني الماديه والمثاليه. قال "الأخ الكبير" وأضاف: انك تجمع النقيضين. كيف يلتقي "ماركس" وفلسفته الماديه مع "هيكل" وفلسفته المثاليه. الماده أصل الفكر أم الفكر أصل الماده!!
-        وهل هناك فرق بان الماده اصل الوجود وما العقل الا نتاجها وبين  الايمان بان العقل اصل الوجود والماده نتاجها؟ نأخذ من هنا وهنا فأنا اجمع المتناقضات واتحمل الجميع . المهم النتائج .ان الله سبحانه اصل الوجود خلق الماده فهو العقل وهذا رأيي. ومن حقي ان افلسف الامور كما ارى. ثم نهض من مكانه وتقرب نحوي وقد لاحظت عمق نظراته .
-        أنت تعلم بالديمقراطيه التي صنعتها لكم منذ أن اختارني الشعب لقيادته واود ترسيخها وتعميقها لذلك ارسلت بطلبك.
-        وأنا اشكرك. وأشرت لفنجان القهوه .
-        أن نعمل حزبا نتعاون به لخدمة الشعب؟  قال ذلك لكنني لم اتوقع مثل هذا الطرح منه فقلت متسائلا:
-        نعمل حزبا؟ وكيف؟ وهل أبيع بقية عمري وأمسح ماضيا افتخر به؟ لقد اعترضتم على الدب الذي أكل صغار الحيوان ضمن قصة للأطفال فكيف اتعاون لتشكيل حزب لمن يتوجس من أية اشارة يفهمها ضده؟  مستحيل. هذا مستحيل. ان أكبل نفسي وأكتم انفاسي وأخدع الاخرين. لا لا لن استطيع ابدا.
-        والان دعنا من كل هذا.. أتملك سياره؟ لا. لا فأنا لا احب القياده.
-        ولديك بيت؟
-        أجل . صغير يضمني وابنائي واحفادي.
-         وراتبك التقاعدي؟
-        قليل لكنه يكفيني رغم اني لم اسرق من أحد أو أأخذا دينارا من أحد. هكذا هي حياتي .
-        تأمل بوجهي وركز على لحيتي البيضاء التي فارقها المقص فتره طويله ، وعلى ملابسي ثم عاد وحدق في عيني واشار لمرافقه وقال:
-        حسنا. انتهت الزياره..
-        الحمد لله على سلامتك. قالت الزوجه.
-        وسلامتك . نقتسم رغيف الخبز معا ونتأمل القادم من الايام. قال عبد المجيد ذلك بهدوء ولكن المفاجئه كانت أكبر، عندما سمعت طرقات على باب الدار بعد اقل من اسبوع حيث تأمل في وجوههم وقال:
-  أنتم!  تفضلوا فتشوا البيت وانبشوا اغراضه وبكل حريه. وخلصوني من قلمي ودواتي واوراقي..
- لأ استاذ . لم يكن لدينا أمر بما في بالك وانما وانما.... 
-        وانما ماذا؟
-        أن تأتي معنا.
-        ولأي شيء؟
قد تشرب القهوة ثانية .

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي البدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/09/28



كتابة تعليق لموضوع : قصه قصيره زائر النهار
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net