كثيرة هي الصور التي تتوالى على ذاكرتنا خصوصا لو اننا فقدنا شخصا عزيزا ومقربا لنا, لكن بعض الأحيان تبقى الذاكرة معلقة في حدث ما لا يمكن ان تتخطى تفاصيله ,
ذكرى أبوية ....
طالب علم متقد الذكاء طيب القلب هادئ جدا يسكن في بيت ايجار لديه ولد صغير اسمه "جعفر" لازال يتعلم خطواته الأولى فيتخبط في مشيته وهمهمته التي تمتزج بالاستغراب واستكشاف ما حوله من الأشياء ويتفرس في وجوهنا لتملئ ذاكرته الصغيرة ,والتي لا تميز سوى وجه ابيه من وجوه الجالسين حوله .والتمسنا درجة التقارب بين الولد وابيه حينما يجلس بين يديه ويلاطفه وامتناعه عن دعواتنا له لملاعبته فهو لا يعرف سوى وجه ابيه رغم ترددنا اليومي عليه وابتساماتنا التي نقابل بها جعفر حينما ياتي بمشايته الصغيرة ...لم يخطر ببال جعفر انه يوما ما سيصحو متفرسا الوجوه ولا يرى الوجه الذي الفه من يوم ولادته حين يقلبها بين وجوه ستعلوها الحسرة كلما نظرت اليه وتنهدات أنين تكاد تحرق الضلوع من جواها حين ترى جعفر يكبر شهرا بعد شهر ولا يجد يدا تمسك بيده او كلمات تناغي طفولته , صورة لا تفارق ذاكرتي ابدا .
ذكرى علمية....
صديقي العزيز الشهيد الشيخ حسن الكربلائي تركت لي ذكرى لا تفارقني كلما رأيت بعيني عمامة بيضاء وكلما حضرت الدرس اتفرس فيه وجوه طلبة العلم وكأن وجهك بينها متابعا ومتلهفا في نيل علوم اهل البيت عليهم السلام فانت الطالب المجد المواظب على حضور دروس البحث العالي تحت يد سيدنا استاذنا دامت بركاته وما اروع نقاشاتك العلمية والتي كنت بارعا في صياغة اسلوبها وخوض غمارها بالتفاتات لا يحسنها الا من ملك العلم والفهم ولازلت ارى في عينيك مدى الحب العظيم الذي ملئ خافقيك لسيدنا الاستاذ دامت بركاته ومدى تأثرك به وبأبحاثه العظيمة والرائعة ,يا صديقي العزيز كنت طلابا مثاليا لم تفرط في يوم من الايام بطلب العلم حتى جاء نداء المجد والخلود فلبيت دعوته صابرا شهيدا من شهداء العلم والعقيدة .
ذكرى بطولية ....
"مجيش " هذا ما كنت اطلقه على الشهيد الشيخ حسن الكربلائي رحمه الله لملاطفته وممازحته لكنه حقيقة كله اصرار وعزيمة لا تلين ... اول الواصلين لساحات التدريب ملتزم بخطة التدريب عنده تفاني في اداء الواجب ولم تكن مهمته تبليغية فقط بل كان مقاتلا في جبهات القتال انظم الى فرقة العباس عليه السلام القتالية اول ما تاسست مع معتمد المرجعية السيد البعاج ومشاركا ابناء ناحية سومر الابطال وقد اشترك في معارك جرف الصخر وسيد غريب مقاتلا ومبلغا ثم انتقل الى هيئة التوجيه العقائدي حيث كان له دورا تبليغيا مشرفا الى ان نال ما تصبو اليه نفسه وامنيته في الشهادة صادقا محتسبا لم يهب الموت يوما فهنيئا لك يا ابا جعفر ورحمك الله والى جنان الخلد.
ذكرى حزينة ..
بينما كنت اتصفح احد مواقع التواصل الاجتماعي وجدت صورة لم تكن غريبة عني نعم انه صديقي وزميلي الشيخ ابو جعفر الكربلائي لكن سرعان ما انهمرت الدموع متمنيا ان يكون الخبر غير صحيح وبين ترديد كلماتي هنيئا لك يا ابا جعفر هنيئا لك يا ابا جعفر هكذا علمت خبر نعيك يا صديقي العزيز مع صورة لا يمكن ان انساها ابدا فلك الرحمة والرضوان يا طيب القلب, فتلك صورا لا تنمحى من ذاكرتي .
ابو نور الحجازي
النجف الاشرف 1436
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat