صفحة الكاتب : فالح حسون الدراجي

ياطيور الطايرة مـُرِّي بهلي..
فالح حسون الدراجي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

عندما خرج الشاعر الكبير زهير الدجيلي من (نگرة السلمان) بعد عام من نجاح ثورة الرابع عشر من تموز، تلك الثورة المضيئة التي قادها الشهيد الخالد عبد الكريم قاسم، إنغمر في أنشطة الحياة المختلفة، شعراً وصحافة وسياسة وحباً، لا سيما وأن الدجيلي وقتها فتى وسيم، مكتنز بالشباب والموهبة والوطنية العالية، لكن الرجل غادر الى الكويت هارباً بعد سنوات قليلة، أثر الإنقلاب البعثي الدموي في الثامن من شباط عام 1963 الذي دمر البلاد والعباد، فأستقر زهير في الكويت، وراح يعمل في مؤسساتها الإعلامية المختلفة. لكنه لم يبق طويلاً في الكويت، فقد مكث فيها سنوات معدودة لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، ليعود الى بغداد، مستثمراً أول فرصة إنفراج سياسي تحصل في العراق..

إن الشيء الذي أردت قوله هنا، أن الدجيلي الذي لم يستغرق زمناً في هذه (التغريبة) أكثر من خمس سنوات، كتب فيها أروع ما كتب، وقيل في غنائيات الغربة، وفي لهفة الشوق والحنين الى الوطن والأهل والأحباب. لقد كتب زهير الدجيلي في الكويت رائعته الخالدة: (ياطيور الطايرة مُري بهلي) التي منحها الكبير كوكب حمزة بعداً جمالياً وإنسانياً وفنياً عالياً، فسكب في مفاتنها كل ما في روحه من حب عارم، وإبداع موسيقي تلحيني كبير، وكل ما حمل وجدانه العاشق من شوق لعراقه الأحلى والأغلى.. فكان مطلع السبعينيات من القرن الماضي موعد إنطلاق (طيور) زهير الدجيلي نحو سماء أهله، وهو أيضاً موعد شروق شمس كوكب حمزة التي (ضوَّت) البيوت الفقيرة الطيبة. وكان لسعدون جابر موعد مع هذه الطيورالبيض، ومع هذه الشمس الحمراء. إن أغنية (ياطيور الطايرة) ملحمة مذهلة من ملاحم الجمال، والصياغة الشعرية الفنية المختصرة، وهي سمفونية شعبية ناطقة من سمفونيات الوجد العراقي المترجم بموسيقى، وإيقاعات ومناخات، وخيالات مدهشة. وفي ذات الوقت فهي قصة من قصص الشجن والبوح العاطفي المجنون لكل ما في دواخل الإنسان من ظمأ لماء بلاده، وضوء بلاده، وعشق دياره البعيدة، وهي لوحة سريالية مجنونة، يصعب رسمها حتماً، من قبل أي رسام آخر غير زهير الدجيلي، أو كوكب حمزة!!

في زبدة المقال أقول: إذا كان زهير الدجيلي قد كتب الطيور الطايرة بكل وجعها، ودموعها، وعشقها، وشوقها الجنوني، أثر غربة خمس سنوات لا أكثر، وفي أرض الكويت التي لا تبعد عن البصرة، أو الناصرية اكثر من (شربة جگارة)، فماذا سيكتب من (طراگيع)، لو جاءنا اليوم ورأى هجرة أبنائنا الى (أي بلاد كانت)، وفي أية وسيلة كانت، وبأي ثمن كان.. وماذا سينزف من أغنيات ذابحة، لو رأى كل هذه العذابات، والهجرات المجنونة التي باتت منقذاً وحيداً للشباب اليائس من الوطن والحكومة..

وهنا أتذكر طرفة حدثت لوالدي وعمي اللذين (هاجرا) من ديارهما في مدينة العمارة، الى ناحية كميت، في منتصف ثلاثينيات القرن الماضي، وقد كانت هذه (الهجرة) قسرية، بسبب ظروف الحياة والعمل في ذلك الزمن المعيشي المُر، وهنا تنقل عمتي رحمها الله هذه الطرفة التي لها معنى عظيم في نفوسنا، حيث تقول بأن والدي، وبعد مرور شهر واحد فقط على (لجوئهما) الى ناحية كميت قد إختلف مع عمي على قضية معينة، وأراد أبي أن يقسم لأخيه يميناً عزيزاً عليهما، فقال له: شوف خويه أكريم:-

وحگ هاي غربتنه الزرفت چلوتي زرف.. مارحت لفلان ولا شفته وداعتك!!

لاحظ عزيزي، كيف يقسم والدي بغربتهما التي (زرفت چلوته زرف)، وكأن هذه الغربة قد حصلت لهما منذ عشرات السنين، او كانهما مهاجران الى بلاد الواق واق الأسطورية البعيدة، وليس الى ناحية كميت التي لا تبعد عن (موطنهما) العمارة أكثر من شبرين ونص، وأربع سنتمترات !!

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


فالح حسون الدراجي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/09/09



كتابة تعليق لموضوع : ياطيور الطايرة مـُرِّي بهلي..
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net