صفحة الكاتب : عباس البغدادي

نعم لفتح النار على المال السياسي!
عباس البغدادي

 اِنبرى ممثل المرجعية العليا السيد أحمد الصافي في خطبة صلاة الجمعة الأخيرة (4/9/2015) لاستكمال الرؤية المرجعية في محاربة الفساد والفاسدين، ضمن مشروع الإصلاح الإنقاذي. وقد أشار الصافي الى محرّك حيوي لماكينة الفساد والإفساد التي تفتك بعافية العراق، حينما قال: "ان من أهم مظاهر الفساد في البلد هو تكاثر الذين أثرَوْا على حساب الشعب، واستحوذوا على المال العام بأساليب ملتوية وطرق غير مشروعة، مستغلين مواقعهم أو مستفيدين من مواقع معارفهم لتحقيق مآربهم. ومن الخطوات الأساسية للإصلاح هي البدء بملاحقة ومحاسبة الرؤوس الكبيرة من هؤلاء الفاسدين، وان تُسترجع منهم الأموال المنهوبة، وهذه في الدرجة الأساس مسؤولية هيئة النزاهة والسلطة القضائية. والكثيرون يتساءلون؛ هل هما على قدر هذه المسؤولية، وهل سيقومان بهذه المهمة من دون مزيد من التأخير والتسويف؟".
مكمن الخطر الداهم لا ينحصر فقط في الاستحواذ على المال العام من قبل أصحاب المواقع والمتنفذين في العملية السياسية ومن يدور في حلقات مصالحهم؛ بل الأخطر هو ما يتبع ذلك من تحويل ما تم نهبه الى مالٍ سياسي* بامتياز، تتعاظم دورة فتكه كلما ظلت دورة الفساد تتنفس وتستحكم منظومتها، وتعوّل من ثم بدورها على هذا المال السياسي باعتباره (حُكماً) أحد ركائزها في العراق، أو أي بلد آخر تنهشه أنياب الفساد ومخالب المفسدين!
بطبيعة الحال، وكجزء من مقومات الجريمة السياسية المنظمة، يتولى "بارونات" الفساد، أفراداً أو ضمن جماعات، تجيير المال المنهوب وضخّه في دورة المال السياسي، ليُحيل البلد الى مزرعة يتقاسم ثمارها هؤلاء، كلّ حسب موقعه ونفوذه وارتباطه بدوائر الفساد، أو تشعّب مصالحه معها!
لن يحتاج المال السياسي في الاستمرار بدورة الفتك والتخريب والاستحواذ سوى الى بيئة تضمنها عملية سياسية مهتزة الأركان، ودستور مهجور، وقوانين معطلة، ومصالح فئوية وحزبية ضيقة، وتدخلات خارجية مرحّب بها، وأزمات مرّحلة من حكومة الى أخرى، ومن مجلس نواب الى آخر، إضافة الى انتهازيين متنفذين، و"ديموقراطية" مشوهة، وإرادة وطنية حقيقية مكبوتة، وإرهاب يتغذى على كل ذلك ليهيئ المسرح لهذا المال السياسي بأن يعاضد الفساد، فيسند كلاهما الآخر ويمدّه بسبل البقاء!
ليست الخطورة القصوى تكمن في أموال عامة نُهبت من هذا القطاع الرسمي، أو تلك الميزانية الإدارية، أو ذلك المشروع الحكومي؛ إنما البلاء المبرم حينما يضخ ما تم نهبه في منظومة المال السياسي الذي يعيد إنتاج الفساد والمفسدين بقفازات ناعمة، ويثبّت مواقع هذا الفساد وأركانه في العملية السياسية والواقع الرسمي، ويتلبس الشرعية المصطنعة، وربما "الوطنية" أيضا، مثلما يتحول الى معول لتهشيم أية بوادر تصحيحية، أو نهضوية وتنموية حقيقية، كما يزاول عمل "كاتم الصوت" ضد كل وطني شريف، ضمن الطبقة السياسية أو في باقي مساحات خدمة الوطن والمواطن! أي باختصار، نحن أمام وحش برأسين، المال السياسي والفساد.
لقد أسفرت الـ 12 عاماً المنصرمة بعد التغيير عن فرز واضح لتوحش دور المال السياسي في الواقع العراقي، وكيف ساهم في صعود طبقة سياسية فاسدة ومفسدة، وأحال الانتخابات الى بورصة للمضاربة ووكالة للصفقات، وبالمال السياسي تم شراء الذمم وتكميم أفواه الشرفاء أو تعطيل دورهم، والهيمنة على مساحة كبيرة من وسائل الإعلام ومؤسسات صناعة الرأي العام، وبيعت الممتلكات العامة جهاراً، وترسّخت الرشوة (تعدينا مرحلة التفشي) وأصبحت قانوناً تحت الطاولات كما غدت لها تسعيرات معروفة، وتجذرت المحسوبية من أصغر موقع الى أرفعه حتى حدود الكارثة، عبر تقديم الأمي والانتهازي وتأخير الأكفأ والمخلص، ونجح المال السياسي في تشويه دور مؤسسة القضاء بعد أن أقتطع مساحة كبيرة من قرار هذه المؤسسة لصالحه بأساليب مافيوية، وأسهم أيضا في تلاشي المشاريع التنموية الحقيقية، التي اُستعيضت بصفقات السمسرة وغسيل الأموال، أو الاكتفاء بمراسيم "وضع حجر الأساس" لمشاريع وهمية مصحوبة باحتفاليات التوقيع تمهيداً لابتلاع الميزانيات والموارد، كما ساهم المال السياسي (بكفاءة شيطانية) في تبخير مشبوه لمليارات الدولارات من ميزانية الحكومة جهاراً، وبرع في تنشيط هجرة العقول وتفريع البلد من الكفاءات الأكاديمية، وتفنن في وأد فرص الاستثمار الأجنبي الحقيقية التي لم ترضخ لـ"شروطه"، مما افقد العراق فرصاً تنموية كبيرة كانت ستسهم في حل معضلة البطالة الى حدّ ما! وعمل المال السياسي على ربط شبكة مصالحه بأجندات دول داعمة وراعية للإرهاب في المنطقة، كقطر والسعودية ونظام أردوغان، ولم يتوانى هذا المال السياسي عن تقوية مواقع دواعش السلطة، والتمهيد للمدّ الإرهابي بأساليب "ناعمة" لم تعد خافية، أفضت الى إشعال الحريق في الوطن وأن يجثم الارهاب التكفيري على مساحات واسعة يدنسها بهمجيته، لتتجسد صورة المشهد، بأن الارهاب والمال السياسي مع الفساد الرسمي، يكمل بعضهم بعضاً، بصورة مباشرة أو بطرق ملتوية، ولكن المآل واحد؛ اعتلال عافية الوطن، وتهديد وجودي يستهدف المواطن والمقدرات.

تطول جردة الحصاد المرّ للزرع الخبيث الذي رعاه المال السياسي معاضداً للفساد والمفسدين، وظهيراً طبيعياً للإرهاب، ولا بد من الحذر أكثر في هذه المرحلة التي تشهد حراكاً شعبياً باتجاه الإصلاح الشامل، لأن شراك المال السياسي وأذرعه الأخطبوطية تنشط أكثر من ذي قبل في هذه المرحلة، للتوجس الفطري لمن يقفون وراء هذا الغول من خطر الإطاحة بهم وبمنظومتهم الفاسدة من قبل شرفاء العراق، الذي لا يوفرون لا الدماء في جبهات المقارعة ضد الارهاب، ولا الجهود في ساحات الإطاحة بالفساد والمفسدين، ومتاريسهم التي يتمترسون فيها.
وفي ظل الحرص المطلوب لصون جهود الحراك الشعبي المبارك، وضرورة محاصرة وتجريم المال السياسي وتوحشه الذي يرفده المال العام المنهوب، بعدما تبينت مكامن مخاطره، نعيد إشارة ممثل المرجعية الى ضرورة تطمين هذا الحراك عبر خطوات عملية حقيقية تتصدرها: "محاسبة الرؤوس الكبيرة من هؤلاء الفاسدين، وان تُسترجع منهم الأموال المنهوبة، وهذه في الدرجة الأساس مسؤولية هيئة النزاهة والسلطة القضائية. والكثيرون يتساءلون؛ هل هما على قدر هذه المسؤولية، وهل سيقومان بهذه المهمة من دون مزيد من التأخير والتسويف؟"، سؤالان يتصدران الأحداث الجارية، فهل ستكون الإجابة العملية لصالح الحراك والمطالب الشعبية الحقّة المدعومة بالمرجعية العليا؟ نأمل ذلك بالطبع، فما زال في قوس الحق والوطنية مَترَع.
 

*موضوع ذو صلة للكاتب: "خنجر المال السياسي في خاصرة الوطن".
http://kitabat.info/subject.php?id=49584
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عباس البغدادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/09/04



كتابة تعليق لموضوع : نعم لفتح النار على المال السياسي!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net