صفحة الكاتب : الشيخ ليث عبد الحسين العتابي

الترجمة و دورها في التبادل المعرفي
الشيخ ليث عبد الحسين العتابي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

   إن ممارسة عملية الترجمة قديمة تأريخياً , إذ أن للترجمة تاريخ طويل و متشعب بتشعب الفروع التي أوجدها الإنسان في حياته , و لقد تزامن عمر الترجمة مع عمر الكتابة , فالترجمة رافقت الكتابة كظلها , نعم كانت إن الترجمة كانت و في بدايتها قد أوجدتها الحاجة , و العفوية , و قضايا التبادل التجاري , لكنها و تدريجياً أصبحت حاجة ملحة , و ضرورة لا غنى عنها , و أصبحت مطلوبة في موارد كثيرة تعدت حاجزي ( الغاية )  , و ( النخبة )  .
فتأريخياً يذكر بأن أقدم ترجمة في العالم ( الغربي ) تعود إلى عام ( 240 قبل الميلاد ) , و ذلك حين قام العبد الأغريقي المعتوق ( ليفيوس أندرونيكوس ) بترجمة ( الأوديسة ) شعراً إلى اللاتينية . ثم تلتها محاولة المترجمان ( ناييفيوس ) , و ( إينيوس ) بترجمة المسرحيات الإغريقية إلى اللاتينية , ثم توالت الترجمة بعد ذلك من الإغريقية إلى اللاتينية و بالعكس  .
أما في التاريخ الإسلامي فالمحاولات الأولى كانت في عهد الرسول الأكرم ( ص ) من خلال إرساله الكتب إلى الملوك و بلغاتهم , و كذلك إرساله بالكتب و الرسائل إلى اليهود , و النصارى بلغاتهم , كما و أنه ( ص ) كان يكلم كل أهل لغةٍ بلغتهم .
ثم كان للعرب دور في تولي دفة حركة الترجمة من الأغريقية إلى العربية عن طريق اللغة السريالية , كما و تعد ( دار الحكمة ) في بغداد أو مدرسة للترجمة , حيث أسهمت بدور فاعل و رئيسي بنقل الفكر اليوناني إلى اللغة العربية , و من ذلك الفلسفة اليونانية , و ترجمة أعمال أرسطو , و أفلاطون , و هيبوقراط , و قالن , و غيرهم .
ثم تلتها حالة من الأنحدار , و الإنعكاس في نفس الوقت , حيث أنعكست حركة الترجمة من العربية إلى اللغات الأوربية , فأنتقل مركز الترجمة من بغداد  إلى طليطلة  فترجمت كتب و علوم عديدة , و من هذه الترجمات ما قام به ( روبرت دي ريتينيس ) إذ قام بأول ترجمة للقرآن الكريم و ذلك بين عامي ( 1114 ـ 1143 م ) , و من ثم بدأت الترجمة من الأغريقية إلى اللاتينية .
لقد ( كان للعرب أيام نشطت الترجمة في عصر المأمون مذهبان في نقل كتب اليونانيين إلى العربية ذكرهما البهاء العاملي في " الكشكول " عن الصلاح الصفدي فقال : و للترجمة في النقل طريقان أحدهما : طريق يوحنا بن البطريق , و أبن الناعمة الحمصي , و غيرهما , و هو طريق أن ينظر إلى كل كلمة مفردة من الكلمات اليونانية و ما تدل عليه من المعنى فيأتي الناقل بلفظة مفردة من الكلمات العربية ترادفها في الدلالة على ذلك المعنى فيثبتها و ينتقل إلى الآخرى كذلك حتى يأتي على جملة ما يريد تعريبه , و هذه الطريقة رديئة لوجهين ؛ أحدهما أنه لا يوجد في الكلمات العربية كلمات تقبل جميع كلمات اليونانية و لهذا وقع في خلال التعريب كثير من الألفاظ اليونانية على حالها . الثاني أن خصوص التراكيب و النسب الأستنادية لا تطابق نظيرها من لغة أخرى دائماً , و أيضاً يقع الخلل من جهة أستعمال المجازات و هي كثيرة في جميع اللغات .
الطريق الثاني في التعريب طريق حنين بن إسحق , و الجوهري , و غيرهما , و هو أن يأتي الجملة فيحصل معناها في ذهنه و يعبر عنها من اللغة الأخرى بجملة تطابقها سواء ساوت الألفاظ أم خالفتها . و هذا الطريق أجود و لهذا لم تحتج كتب حنين بن إسحق إلى تهذيب إلا في العلوم الرياضية لأنه لم يكن قيماً بها بخلاف كتب الطب , و المنطق , و الطبيعي , و الالهي فإن الذي عربه منها لم يحتج إلى إصلاح )  .
لكن و على الرغم من أعتراف بعض مفكري أوربا بتأثير التراث الحضاري الإسلامي على الحضارة الغربية , إلا أنه ساد إتجاه ناكر و متنكر لهذه الحقيقة التاريخية , و ذلك من خلال السعي نحو طمس هذه الحقيقة , أو التقليل من شأنها , و قد دعم و أيد هذا الأتجاه حركة الأستعمار الأوربي للعالمين العربي و الإسلامي , الذي أراد التأكيد على عجز العرب و المسلمين عن الأبتكار و الأبداع , و عن القدرة في الأسهام في ركب الحضارة الإنسانية , الأمر الذي يجعل من ( التغريب ) ( Westernization ) و الدعوات التغريبية ـ لدى المتأثرين ـ أمراً ضرورياً من أجل مواكبة تطورات العصر الحديث .
فتبجح الغرب أن مرجعيته الفكرية هي يونانية , أو رومانية , و أن النهضة و الإصلاح في أوربا , و في العالم الغربي قد أنطلقت من خلال الأرتباط المرجعي بالتراث اليوناني و الروماني ما هو إلا أول الكلام , فمن أين جاء اليونان و الرومان بمظاهر حضارتهم , و كيف طوروها , و ما هو أساسها أصلاً ؟
في الحقيقة الجواب هو الجواب  و كما تقدم من أن الفضل يعود للحضارات البابلية و المصرية و ما شاكلها من حضارات الشرق في تطور و تمدن الغرب المتمثل في ذلك الوقت بالحضارتين اليونانية و الرومانية .
لقد ( كان من شأن ترجمة النصوص العربية إلى اللاتينية أن يسهم إسهاماً قوياً في تطور الرياضيات في القرون الوسطى , إلا أن إسهام هذه الترجمات بعينه هو الذي راح يُطمس بإطراد في عصر النهضة , و عندما شرعت أوربا الغربية في ترسيخ فكرة أن اليونان القديمة هي أوربا المبكرة . و عندما زعم " ريجيومونتانوس " سنة 1463 ميلادي أي بعد عشر سنوات من سقوط القسطنطينية أن هناك مخطوطة لديوفانتوس تتضمن علم الجبر ؛ أُخفي بكل تأن إسهام العرب في تطور الرياضيات . و هكذا أمكن لجان بوريل في كتابه " لوجيستا " المنشور في ليون فرنسا سنة 1559 ميلادي أن يُقصي العرب و مدارس العدادين بإيجاز و اقتضاب واصفاً إياهم بأنهم مروجون جهلة , و أن يجزم بأن العناصر الرئيسية للجبر وجدت من قبل في الكتاب العاشر لأقليدس . هكذا حُذف اعتماد الرياضيين الغربيين على البحث العربي و الترجمة لصالح التواصل من غير انقطاع مع البدايات اليونانية )  .





 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ ليث عبد الحسين العتابي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/09/02



كتابة تعليق لموضوع : الترجمة و دورها في التبادل المعرفي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net