صفحة الكاتب : عبد الرحمن اللامي

القول المسؤول في نزاهة عِرْض الرسول
عبد الرحمن اللامي

صار موضوع النيل من عِرض الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في هذه الأيّام ملازماً لذكر الشيعة أو التشيّع، فكلما ذُكر التشيّع أو الشيعة قالوا بهتاناً أنّ الشيعة يلوّثون عِرض الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
والحقيقة أنّ الشيعة في عقائدهم أنّ أعراض الأنبياء (عليهم السّلام) بعيدة عن كلّ ما يدنّسها ويلوّثها، ويظهر الأمر جليّاً في خاتم الرسل وسيّدهم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهذا أمرٌ مطّردٌ ومسلّم عليه في جميع الأنبياء، وما ذُكر من امرأة نوح وامرأة لوط اللتان قال فيهما القرآن (فخانتاهما) فأهل البيت (عليهم السّلام) يروْن أن الخيانة كانت بالدين والعقيدة لا بهذا الظاهر.
ولكي يتبيّن الأمر أكثر نعرضه على ثلاثة من كبار علماء المدرسة الإماميّة:


إذ يقول العلامة السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي في أجوبته على مسائل جار الله:
من الشبهات التي يثيرها النواصب في تكفير الشيعة الإمامية أنهم يطولون ألسنتهم على السيدة عائشة، ويتكلمون في حقها من أمر الإفك ـ والعياذ بالله ـ ما لا يليق بشأنها.. إلى آخر إفكهم وبهتانهم.
والجواب: أنها عند الإمامية وفي نفس الأمر والواقع أنقى جيباً وأطهر ثوباً وأعلى نفساً وأغلى عرضاً وأمنع صوتاً وأرفع جناباً وأعزّ خدراً وأسمى مقاماً من أن يجوز عليها غير النزاهة، أو يمكن في حقها إلاّ العفّة والصيانة، وكتب الإمامية قديمها وحديثها شاهد عدلٍ بما أقول، على أنّ أصولهم في عصمة الأنبياء تحيل ما بهتها به أهل الإفك بتاتاً، وقواعدهم تمنع وقوعه عقلاً ولذا صرّح فقيه الطائفة وثقتها أستاذنا المقدس الشيخ (محمد طه النجفي) أعلى الله مقامه بما يستقل بحكمه العقل من وجوب نزاهة الأنبياء عن أقلّ عائبة، ولزوم طهارة أعراضهم عن أدنى وصمة، فنحن والله لا نحتاج في براءتها الى دليل، ولا نجوّز عليها ولا على غيرها من أزواج الأنبياء والأوصياء كلّ ما كان من هذا القبيل.
قال سيدنا الإمام الشريف المرتضى علم الهدى في المجلس 38 من الجزء الثاني من أماليه ردّاً على مَن نسب الخنا الى امرأة نوح ما هذا لفظه: إنّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يجب عقلاً أن ينـزهّوا عن مثل هذه الحال لأنّها تعرّ وتشين وتغضّ من القدر، وقد جنّب الله تعالى أنبياءه عليهم الصلاة والسلام ما هو دون ذلك تعظيماً لهم وتوقيراً لكلّ ما ينفّر عن القبول منهم... الى آخر كلامه الدال على وجوب نزاهة امرأة نوح وامرأة لوط من الخنا، وعلى ذلك إجماع مفسّري الشيعة ومتكلميهم وسائر علمائهم.
نعم ننتقد من أفعال أمّ المؤمنين خروجها من بيتها بعد قوله تعالى «وقرن في بيوتكن» وركوبها الجمل بعد تحذيرها من ذلك، ومجيئها الى البصرة تقود جيشاً عرمرماً تطلب على زعمها بدم عثمان، وهي التي أمالت حربه وألّبت عليه وقالت فيه ما قالت، ونلومها على أفعالها في البصرة يوم الجمل الأصغر مع عثمان بن حنيف وحكيم بن جبلة، ونستنكر أعمالها يوم الجمل الأكبر مع أمير المؤمنين، ويوم البغل حيث ظنّت أنّ بني هاشم يريدون دفن الحسن المجتبى عند جدّه صلى الله عليه وآله وسلم، فكان ما كان منها ومن مروان، بل نعتب عليها في سائر سيرتها مع سائر أهل البيت عليهم السلام.
والنواصب الكاذبين بلغوا في عداوة الشيعة الى حدٍّ لا يبلغه مسلم، وتجشّموا في بغضائهم مسلكاً لا يسلكه موحّد، اذ وصموا الإسلام وأهله بما افتروه في هذا الوجه على الشيعة وهم نصف المسلمين، وصمة أقرّوا بها عيون الكافرين وفروا بها مرائر الموحدين وظلموا أمّ المؤمنين وجميع المسلمين، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم.
 

ويقول العلامة السيد محمد حسين الطباطبايي في تفسير الميزان ج15، من تفسير سورة النور:
طهارة نساء النبيّ ثابتة بالدليل العقلي، والقول بشكّ النبيّ صلى الله عليه وآله بأهله غير صحيح.
أقول: والرواية مرويّة بطرق أخرى عن عائشة أيضاً وعن عمر وابن عباس وأبي هريرة وأبي اليسر الأنصاري وأم رومان أم عائشة وغيرهم وفيها بعض الاختلاف: وفيها إنّ الذين جاءوا بالإفك عبد الله بن أبيّ بن سلول ومسطح بن أثاثة وكان بدريّاً من السابقين الأولين من المهاجرين، وحسّان بن ثابت، وحمنة أخت زينب زوج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم. وفيها أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم دعاهم بعد ما نزلت آيات الإفك فحدّهم جميعاً غير أنّه حدّ عبد الله بن أبيّ حدّيْن، وإنّما حدّه حدّيْن لأنّه مَن قذف زوج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كان عليه حدّان.
وفي الروايات على تقاربها في سرد القصّة إشكال من وجوه: أحدها: أنّ المسلم من سياقها أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كان في ريب من أمر عائشة بعد تحقّق الإفك، كما يدلّ عليه تغيّر حاله بالنسبة إليها في المعاملة باللطف أيام اشتكائها وبعدها حتى نزلت الآيات، ويدل عليه قولها له حين نزلت الآيات وبشّرها به: بحمد الله لا بحمدك، وفي بعض الروايات أنّها قالت لأبيها وقد أرسله النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ليبشّرها بنزول العذر: بحمد الله لا بحمد صاحبك الذي أرسلك، تريد به النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وفي الرواية الأخرى عنها: أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لما وعظها أن تتوب إلى الله إن كان منها شيء وفي الباب امرأة جالسة قالت له عائشة: أما تستحي من هذه المرأة أن تذكر شيئاً.
ومن المعلوم أنّ هذا النوع من الخطاب المبنيّ على الإهانة والإزراء، ما كان يصدر عنها لو لا أنّها وجدت النبيّ في ريبٍ من أمرها. كلّ ذلك مضافاً إلى التصريح به في رواية عمر ففيها: "فكان في قلب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ممّا قالوا".
وبالجملة دلالة عامة الروايات على كون النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في ريب من أمرها إلى نزول العذر ممّا لا ريب فيه، وهذا ممّا يُجلّ عنه مقامه صلى الله عليه وآله وسلم. كيف؟ وهو سبحانه يقول: "لو لا إذ سمعتموه ظنّ المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً وقالوا هذا إفكٌ مبين" فيوبّخ المؤمنين والمؤمنات على إساءتهم الظنّ وعدم ردّهم ما سمعوه من الإفك.
فمن لوازم الإيمان حسن الظنّ بالمؤمنين، والنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أحقّ مَن يتّصف بذلك ويتحرّز من سوء الظنّ الذي هو من الإثم وله مقام النبوّة والعصمة الإلهية.
على أنه تعالى ينصّ في كلامه على اتّصافه صلى الله عليه وآله وسلم بذلك إذ يقول: "ومنهم الذين يؤذون النبيّ ويقولون هو أذنٌ قل أذنُ خيرٍ لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم، والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم": التوبة: 61.
على أنّا نقول: إنّ تسرّب الفحشاء إلى أهل النبيّ ينفّر القلوب عنه، فمن الواجب أن يطهّر الله سبحانه ساحة أزواج الأنبياء عن لوث الزّنا والفحشاء وإلا لغت الدعوة، وتثبت بهذه الحجّة العقلية عفّتهن واقعاً لا ظاهراً فحسب، والنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أعرف بهذه الحجّة منّا فكيف جاز له أن يرتاب في أمر أهله برميٍ من رامٍ أو شيوعِ من إفكٍ...

ويقول الشيخ محمد حسّون في معرض ردّه على هذه الشبهة:
إنّ الشيعة تعتقد - وهذه كتبهم في متناول الجميع ـ أنّ نساء النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بل نساء الأنبياء قاطبة منزّهات عن الفواحش التي تمسّ الشرف والعرض، فإنّ ذلك يخدش بمقام النبوّة، ولكن لا يعني ذلك أنّ نساء النبيّ معصومات عن سائر الأخطاء، بل جاء في القرآن ما يدلّ على أنّ امرأتين من نساء بعض الأنبياء مصيرهما النار، وهما امرأة نوح وامرأة لوط، كما قال الله تعالى: ((ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً وقيل ادخلا النار مع الداخلين)) (التحريم:10).
وأمّا نساء النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فهنّ وإن كنّ لسن كسائر النساء كما تحدّث القرآن عنهن، لكن لا يعني ذلك العصمة لهنّ، وإنما اختلافهن عن سائر النساء في الثواب والعقاب فيضاعف لهنّ الثواب إذا جئن بالحسنة، كما يضاعف لهنّ العقاب إذا جئن بالسيّئة قال تعالى: ((يا نساء النبي مَن يأت منكنّ بفاحشة مبيّنة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيراً * ومَن يقنت منكنّ لله ورسوله وتعمل صالحاً نؤتها أجرها مرّتين واعتدنا لها رزقاً كريماً)) (الاحزاب:30 و 31), وذلك لمكان قربهن من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وجسامة مسؤليتهنّ عند الله وعند الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
ولعلّ اتّهام الشيعة بهذه المسألة يشير إلى قضية الإفك التي تحدّث عنها القرآن الكريم في قوله تعالى: ((إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولّى كبره منهم له عذاب عظيم)) (النور:11) وقد ذكرت القصّة مفصلة في (صحيح البخاري) وغيره، والمراد بالإفك هو الكذب العظيم أو البهتان على عائشة أو غيرها من أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كما سيأتي بيان ذلك. وجوابنا عن ذلك:
أولاً: أنّ هذه القضيّة وقعت في زمان النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وتحدّث عنها القرآن الكريم، وإذا كان الشيعة لم يوجدوا بعد ـ كما يدّعي أهل السنّة ـ فأيّ علاقة بين هذه القضية وبين الشيعة.
ثانياً: أنّ بعض الصحابة قد تورّط في هذه القضيّة ومنهم حسّان بن ثابت ذكر ذلك البخاري (أنظر صحيح البخاري 3 / 39) وابن داود وغيرهما، وكان لحسّان في ذلك شعر يعرض فيه بابن المعطّل المتهم في هذه القضية وبمَن أسلم من مضر، فإذا كان الامر كذلك، فكيف نحكم على أنّ جميع الصحابة كانوا على العدالة والاستقامة الأمر الذي يثبت ويؤكّد أنّ الصحابة حالهم كحال سائر الناس.
ثالثاً: انّ هذه القضيّة محلّ خلاف بين المؤرّخين، فذهب بعض السنّة إلى أنّ عائشة هي المتّهمَة، كما ذكر ذلك البخاري في صحيحه والترمذي والبيهقي وأحمد بن حنبل وغيرهم، وذهب بعض علماء الشيعة وجمع من علماء السنة أن المتّهم في هذه القضيّة هي مارية القبطيّة جارية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمّ ابراهيم، ويستدلّ الشيعة بروايات وردت عن أئمّتهم (عليهم السلام)، وقد ذكر علي بن ابراهيم القمي تلك الروايات في تفسيره للآية الشريفة (انظر تفسير القمي: 2 / 99، مؤسسة دار الكتاب، ـ قم ـ ايران).
وأمّا مَن قال بهذه المقالة من علماء السنة كمسلم في (صحيحه: 8 / 119 النسخة المشكولة، والحاكم في مستدركه: 4 / 39، وابن الأثير في كامله: 2 / 313، وابن سعد في طبقاته: 8 / 154، والطبراني في اوسطه ـ مجمع الزوائد: 9 / 161 عن الطبراني في الاوسط ـ، والسيوطي في دره المنثور: 6 / 140، وغيرهم)، فقد ذكروا روايات أيضاً تدل على أنّ مارية القبطية هي المتّهمة في قضية الافك.
رابعاً: أنّ من العجيب حقاً والملفت للنظر أن نجد في الروايات السنّية أنّ ممّن اتّهم مارية القبطيّة عائشة نفسها، وانّها قد أصابتها الغيرة الشديدة!! حتى أنّ ابن سعد في طبقاته يروي عن عائشة قولها: ((ما غرت على امرأة الاّ دون ما غرت على مارية …)) ( الطبقات الكبرى لابن سعد: 8 / 212 راجع أيضاً أنساب الأشراف: 1 / 449 )، وهي التي نفت الشبه بين ابراهيم وبين الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كما ذكر ذلك السيوطي في (الدر المنثور)، ويقول ابن أبي الحديد المعتزلي عن موقف عائشة حين مات ابراهيم: ((… ثم مات ابراهيم فأبطنتُ شماتةً وإن أظهرتُ كآبة …)) ( شرح نهج البلاغة: 9 / 195 ).
هذا ما يذكره بعض علماء السنة حول القضيّة وأنّ لعائشة دوراً كبيراً في إثارة التهمة ضدّ ماريّة، كما ذكرت ذلك المصادر السنية، فقل بربك هل يسوغ اتّهام الشيعة بأنّهم يقذفون نساء رسول الاسلام؟! ألا يقتضي التثبّت والتروّي أن يبحث الإنسان في كتب الروايات والتاريخ عن هذا الأمر ليقف على الحقيقة بنفسه، بدلاً من بثّ الدعايات المغرضة التي لا طائل من ورائها غير إيقاع الفتنة بين الناس.
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبد الرحمن اللامي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/08/23



كتابة تعليق لموضوع : القول المسؤول في نزاهة عِرْض الرسول
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net