صفحة الكاتب : د . حميد حسون بجية

قراءة في كتاب: بين الشيعة وأهل السنة
د . حميد حسون بجية

    تأليف: الدكتور سليمان دنيا| مدرس الفلسفة وعلم العقيدة بكلية أصول الدين وعضو الجمعية الفلسفية المصرية وعضو بعثة الجامعة الأزهرية إلى انكلترا

تقديم: محمد تقي القمي| السكرتير العام لجماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية

إعداد وتعليق: سيد هادي خسروشاهي| رئيس مركز البحوث الإسلامية

     يؤمن الأستاذ الدكتور سليمان دنيا بأن توضيح العقائد لأصحاب المذاهب الإسلامية (خطوة مباركة في سبيل التقريب، لأن أصحاب المذاهب، لو درسوا عقائد الآخرين، ومن المصادر الأصلية والمعتبرة عند علماء المذاهب الإسلامية، سيرفع كثيرا من الشبهات وستنجلي الحقائق...وهذه هي الخطوة الهامة في سبيل التقريب). وهذا ما يصبغ التحقيقات والمؤلفات التي قدمها الدكتور دنيا في هذا المجال. 

     والكتاب في الأصل ناتج عن فكر السيد جمال الدين الحسني الأفغاني في بحوثه التي كان يلقيها في جامع الأزهر، وأخذها عنه الشيخ محمد عبده، أحد أبرز تلامذته. 

   وقد نأى السيد الأفغاني بنفسه عن الخوض في المسائل الخلافية مثل الخلافة والإمامة لأنه كان ممن يتبنى الدعوة إلى الوحدة والتقريب.

  ويقول مقدم الكتاب الشيخ محمد تقي القمي عن فكرة التقريب أنها لم تكن تمتلك أسباب الظهور بقوة في بداية الأمر. لكنها مشت بخطوات وئيدة لأنها جاءت لوجه الله تعالى، لتقارب بين إخوة في الله كتابهم واحد ونبيهم واحد وقبلتهم واحدة وصلواتهم واحدة وحجهم واحد. لكنهم اختلفوا بشأن الولاية والخلافة. ولو بقي ذلك الخلاف ضمن دائرته المعقولة، لهان الأمر، لكن أهواء الحكام والأقلام المغرضة عملت عملها في بث السموم وتشويه الحقائق، فقطعت الأواصر، وتبودلت الاتهامات وأسيء الظن بين الفرقاء، (فجهل كل فريق بما عند الآخر جهلا مطبقا، جعل الشيعة يخلطون بين أهل السنة والنواصب، وجعل أهل السنة يخلطون بين الشيعة والغلاة). ومن أجل ذلك، جاءت محاولات التقريب.

    ويقول الدكتور دنيا أن ثمة طريقين لعلاج الخلاف بين الشيعة وأهل السنة: الأول عرض المشاكل عرضا علميا، والثاني التعريف بالمنهج السليم ليسلكه رجال الدين. وهو يفضل الطريق الثاني. وعنده أن الاتفاق على منهج من هذا القبيل من شأنه أن يقرب وجهات النظر من ناحية، ويتخذ من احترام الآراء مبدأ سائدا من ناحية أخرى. وعنده أن المنهج مبني على خمسة عناصر: جمع الكلمة وإباحة الاجتهاد والتوسعة على الأمة ومسايرة التطور وأخيرا تفويت الفرصة على أعداء الأمة.

    يستشهد المؤلف بأقوال من كتاب (أصل الشيعة وأصولها) للشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء. ويؤكد على أن ما تأباه طبائع الأشياء أن يكون ثمة اتفاق على رأي واحد يتبناه كل الباحثين على مر العصور. لكن التعويل يكون على ما تتبناه الجماعات الإسلامية من أمور مشتركة تتمثل في أصول الدين ومبادئه كالاعتقاد بوحدانية الله تعالى ونبوة الرسول (ص) وفرضية الصلاة والزكاة والصوم والحج والمعاد. يضاف إلى كون القبلة واحدة وكون القرآن مقدسا من الجميع. مع هذه الأمور الرئيسة، لا يضير الاختلاف في بعض التفاصيل، (بل أن هذا الاختلاف في الرأي مظهر من مظاهر النضج والحيوية واكتمال الشخصية والاعتداد بالرأي والوثوق بالنفس). 

    ويسوق الشيخ كاشف الغطاء ما يدل على أن باب الاجتهاد كان مفتوحا في زمن النبي(ص) وما تلاه، وهو لا زال مفتوحا لدى الإمامية لكونه ضرورة من ضروريات الدين والحياة. ثم يسوق أدلة على اختلاف فقهاء السنة في أمور كثيرة، لكن لا ضرر في ذلك(ما دام اجتهادهم بعيدا عن أصول العقيدة الإسلامية، ومنحصرا في دائرة الفروع). والشيعة تتسع صدورهم لما بينهم من خلاف. فإذا كان الأمر كذلك(فلماذا لا يتسع صدر أهل السنة للشيعة، ويتسع صدر الشيعة لأهل السنة)؟ 

  ويسوق مثلا للأمور الخلافية مسألة الرجعة التي يؤمن بها الشيعة ولا يؤمن بها أهل السنة. فهي-كما يقول الدكتور-(ليست ذات مكان ملحوظ بين عقائد الشيعة). فلا طائل من وراء التشنيع عليها غير زيادة شقة الخلاف. ولمنكري أمر الرجعة أن يقرأوا الآية الكريمة(ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت، فقال لهم الله: موتوا، ثم أحياهم)(البقرة| 243). ثم أن الشيعة يقولون(وليس التدين بالرجعة في مذهب التشيع بلازم...)، فلماذا هذه الجلبة؟

    ثم يفرق الكاتب-وهو يستشهد بما يقوله الشيخ كاشف الغطاء- بين غلاة الشيعة من الفرق الهالكة المنقرضة، والشيعة الإمامية وأئمتهم الذين (يبرأون من تلك الفرق براءة التحريم). فأئمة الشيعة يوصون أتباعهم : لا تقبلوا علينا حديثا، إلا ما وافق القرآن والسنة؛ اتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا وسنة نبينا(ص)؛ وقول الإمام الرضا(ع): (لا تقبلوا علينا خلاف القرآن، فإننا إن تحدثنا، حدثنا بموافقة القرآن، وموافقة السنة، إنا عن الله وعن رسوله نحدث، ولا نقول: قال فلان وقال فلان..).

    وفي مسألة زواج المتعة، يذكر الدكتور ما يقوله الشيخ محمد تقي القمي في مقدمة كتاب (المختصر النافع) بصدده: (ليس أساس الخلاف فيه التردد في أن الرسول(ص) شرعه، ولا أن من الأصحاب من عمل به على عهده، ولا أن بعضهم استمر يرى بقاء هذه المشروعية بعد وفاة الرسول، إنما الخلاف في أن هذا الحكم نسخ أم لم ينسخ. وثبت النسخ عند فريق، ولم يثبت عند الفريق الآخر). 

    أما عن مسالة الإمامة، فيقول الدكتور دنيا أن من يعتقد برأي الشيعة بعصمة الأئمة،(فهو مؤمن بالمعنى الأخص)، أما إذا اكتفي بالأركان الأربعة: التوحيد والنبوة والمعاد والعمل بالفرائض، (فهو مسلم ومؤمن بالمعنى الأعم).

     إن واجب المسلم أن يميز بين الشيعة الذين لا يختلفون عن أهل السنة إلا في بعض الفروع مثل نكاح المتعة والرجعة وعصمة الأئمة، وبين الشيعة القائلين بالحلول الذين يُخرجون الأئمة عن كونهم بشرا، وبين الملاحدة والكفار.

     ويرى أن من واجب أهل السنة الاطلاع على كتب الشيعة بدل الأخذ بالشائعات. وعلى الشيعة أن يعرفوا بمبادئهم. وبذلك يقترب الفريقان من بعضهما. فعقائد الغلو موجودة لدى الفريقين. وينقل الدكتور دنيا عن العلامة الأميني في موسوعة (الغدير) أنه ينقل مائة قصة من قصص الغلو عن أهل السنة نسجت حول أشخاص مثل معاوية. كما أن مسألة نكاح المتعة اختلفت حولها مذاهب أهل السنة فيما بينها(فلا معنى لأن يثير الخلاف فيها بين الشيعة وأهل السنة خصومة وحقدا). 

   ويلفت المؤلف انتباه المسلمين لما يقوم به خصوم الإسلام من نشاط عدائي ، كما يجري في انكلترا من تقريب الطائفة الأحمدية (القاديانية) التي تزوَد بالمال والجاه لغرض (إثارة الفرقة والشقاق بين المسلمين، وتشكيكهم في أصول معتقداتهم). 

    ختاما، فالكتاب، رغم صغر حجمه، جدير بالقراءة، لأنه حقا خطوة على طريق التقريب بين المذاهب. وما أحوجنا لذلك في زمن أصبحت فيه دماء المسلمين رخيصة، بعد أن دق بينهم أعداؤهم عطر منشم!


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . حميد حسون بجية
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/08/21



كتابة تعليق لموضوع : قراءة في كتاب: بين الشيعة وأهل السنة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net