صفحة الكاتب : فادي كمال يوسف

من يحاسب السلطة القضائية ؟
فادي كمال يوسف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

تتوالى خلال الأيام القليلة الماضية وعلى وقع التظاهرات الصاخبة، محاولات تنظيف أجهزة الدولة ومؤسساتها من رموز الفساد والمفسدين، وان بدت إعلاميا جبارة، ألا أنها للمتابعيين لا تزال خجولة، لا تتعدى سن بعض القوانين والمصادقة عليها، فيما ينتظر الشعب المنتفض خطوات جريئة تحاسب وتدين من سرق أموال الشعب طيلة السنوات الماضية. 

  وبالطبع الذي سيقوم بهذه المهمة بعد توفر الإرادة الصلبة من مراكز صنع القرار السياسي، هي السلطة القضائية، وكما نعلم فمنذ تسعينات القرن الماضي، انحرفت تلك السلطة عن مسارها، وأخذت كفة ميزان العدالة تميل بتأثير قوتي المال من جهة، والخوف من الحاكم من الجهة الاخرى، فكانت القوتان  تتحكمان بمصير الأبرياء والجناة، فيما ترك القانون كتابا مغبرا على رفوف المحاكم. 

وفي بلد اختزلت السلطات الثلاث " القضائية، والتشريعية، والتنفيذية" في شخص واحد، كان لابد ان تسقط السلطة القضائية وهي الأكثر حساسية في الحفاظ على الدولة ومؤسساتها من الفوضى الانهيار، فكان سقوطها في مستنقع الرشوة والخوف ايذانا بنهاية الدولة وتفكك عقدها الذي يربط المواطن بوطنه وحكومته . 

بعد سقوط النظام في 2003، وفي ظل غياب مطلق لمظاهر الدولة، وفشل ذريع لمؤسساتها وقياديها الجدد في بناء ما تم تدميره سابقا، وعدم وجود خطط ومناهج دقيقة للإصلاح، وتفشي المحسوبية والطائفية والشللية، كل ذلك شجع على انتشار الفساد بشكل أبشع وأوسع من ذي قبل، وانتشر في جسم القضاء كما المؤسسات الأخرى. 

اظافة لذلك فكان استمرار خنوع القضاء وبشكل ملفت للحكومة ورؤسائها، واتجاه قراراتها الى جانب السلطة ومراكز القوى، فكان رؤساء الوزراء حين يحاولون الالتفاف على الدستور أو الديمقراطية، أو عندما يحاولون تسقيط خصومهم السياسيين، فهم عادة ما يلجئون الى تلك السلطة التي دأبت على توفير مختلف الأغطية لتلاعباتهم تلك، من اتهامات جنائية جاهزة، وتفسيرات دستورية ملائمة لاهوائم وقراراتهم،  فيبرأ المفسدون بصفقات وتنازلات سياسة تصب جميعها في مصلحة السلطة الأقوى، وعندما كان المال والخوف من ألي الأمر، هو شيمة القضاء كما أسلفنا، فان الانحرافات والفساد هيمن مرة اخرى على الدولة وإسقط مؤسساتها، فحلت محلها الفوضى العارمة.

واليوم بعد ان علا صوت الإصلاح وانتفضت الجماهير ضد الفساد والمفسدين، وتبنى رئيس الوزراء تلك الدعوات، حملت السلطة القضائية هي الأخرى معولها للمشاركة في الحرب القادمة، وجني غنائم انتصار الكفة الأقوى، فهي كما اعتادت ذيل الحكومة تتجه دائماً الى جهتها.

  ان الاصلاح الحقيقي لن يتم باعفاء وزير هنا ومحاسبة اخر وسجنه هناك، لا بل وحتى بتديل الطاقم الحكومي بأجمعه واستيراد آخر "كامل مواصفات"، وسيعود الفساد ينخر بعظام التشكيل الجديد مرة اخرى. 

ان الإصلاح لن يكتمل بهكذا ترقيعات، إذ كان من يحاسب ويقاضي بين المتخاصمين، الدولة من جهة والفاسدون الحكوميون من الجهة الأخرى، هو نفسة غير نزيهة ومنحاز، لذلك ان إصلاح القضاء وإعادة الهيبة له ولمؤسساته هو الخطوة الأولى لانطلاق التغيير المنشود.

ان  الشروع بأعداد دراسة شاملة وبمساعدة اطراف خارجية، كمحكمة العدل الدولية، وشركات عالمية متخصصة، لتنظيم خطة عمل متكاملة لإعادة تأهيل القضاء وبناء مؤسسة قادرة على المحاسبة لا تخشى الحق ولا تغرى بالمال.

وان كان هذا الحل صعبا، ولا يمكن تحقيقه، فوضع تلك السلطة تحت مراقبة مؤسسة دولية أو شركة متخصصة، تتفحص كل أعمالها وقرارتها، وفي الوقت ذاته تعمل وبشكل مكثف على تطوير كوادرها بشكل يجعلها قادرة على العمل مستقبلا. 

ان بدون إصلاح القضاء، لن نتخلص من مشاكل الانحطاط الأخلاقي الحاصل في مؤسسات البلاد كافة، ولن نستطيع الشروع في إعادة البناء مرة اخرى، فالقضاء هو العمود الرئيسي الذي تستند اليه مفاصل الدولة، ونزاهته هي المؤشر الذي سيحدد كفائه عملية التغيير في البلاد، وإلا فالفشل هو حليف اي محاولة إصلاحية.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


فادي كمال يوسف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/08/17



كتابة تعليق لموضوع : من يحاسب السلطة القضائية ؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net