صفحة الكاتب : د . مصطفى يوسف اللداوي

نتنياهو يستنكر الإرهاب ويدين الجريمة
د . مصطفى يوسف اللداوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
كأن الذي يقوم به رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وجيشه المحتل الغاصب ليس جريمةً ولا إرهاباً، ولا قتلاً ولا اعتداء، ولا شئ مما يستحق الإدانة والاستنكار، والشجب والرفض، وأن ما يقوم به جيشه ومستوطنوه في المناطق الفلسطينية وضد سكانها أعمالاً خيرية، وأنشطة إنسانية، وفعالياتٍ اعتيادية، وأنها ليست أعمالاً عدوانية، وممارساتٍ وحشية، واعتداءاتٍ مقيتةٍ، وسياساتٍ عنصريةٍ شاذةٍ، يدينها المجتمع الدولي، ويأبها القانون والإنسان، وترفضها الأعراف والمعاهدات، وكأنهم بجرائمهم يوزعون الحلوى والسكاكر، ويرحبون بالسكان والمواطنين، ويقدمون لهم المساعدات والمعونات، ويزيلون من أمامهم الصعوبات والعقبات.
غريبٌ جداً، بل هو مستنكرٌ ومستغربٌ ما قام به رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي عندما استنكر جريمة حرق الطفل الفلسطيني الرضيع علي سعد دوابشة، واصفاً الجريمة بأنها بشعة، وعملٌ سافرٌ وإجراميٌ وإرهابيٌ مدانٌ، وكأنه يبرئ نفسه وحكومته من الجريمة، ويتنصل منها ويرفض الاعتراف بالمسؤولية عنها، وكأن الذين ارتكبوها ليسوا مستوطنيه، ممن يحميهم بجيشه، ويدافع عنهم بسلطته، ويحول دون محاسبتهم أو معاقبتهم بقانونه، وأنهم ليسوا من المواطنين الخاضعين لحكمه، والمحكومين بشرعيته، والمستفيدين مما يتيحه لهم قضاؤه الذي لا يحاسبهم، ولا يوصف أعمالهم بأنها جرائم يحاسب عليها القانون.
أو كأنَّ جريمة حرق الرضيع الفلسطيني هي الأولى التي يرتكبها جيشه، أو يقوم بها مستوطنوه، وأنهم كانوا قبلها مسالمين أبرياء، لا يؤذون ولا يضرون، ولا يعتدون ولا يقتلون، لكن الحقيقة أنهم ارتكبوا مثلها وأكثر، وحرقوا أطفالاً في أسرتهم، وأخرجوا أجنةً من بطون أمهاتهم، ونزعوا صغاراً من بين أحضان والديهم، وأجبروا أمهاتٍ حوامل على الولادة قصراً في الشوارع، أمام الحواجز العسكرية، وفي حضرة المواطنين الممنوعين من المرور، دون أدنى إحساسٍ بالرحمة أو المسؤولية. 
الفلسطينيون لم ينسوا الطفلة الصغيرة إيمان حجو، ولا غيرها تلك التي فجروا رأسها، ولا محمد خضير الذي حرقوه حياً بعد أن صبوا في جوفه البنزين، ولا غيرهم ممن حرقوا بيوتهم، ودمروا منازلهم، وفجروا بقذائفهم جماجمهم، وبقروا بطونهم، ومزقوا أشلاءهم، وبعثروا أمعاءهم، ولا العشرات الذين اختلطت كتبهم ببقايا لحمهم، وصبغت دفاترهم البيضاء بدمائهم الحمراء، بينما كانوا عائدين من مدارسهم، أو ذاهبين إليها، وكأن حرب العدو الإسرائيلي هي مع أطفالنا، وثأرهم معهم، وكأنهم يعيدون تاريخهم القديم، الحاقد على الأطفال، والكاره للبراءة المحارب لها، وقد كانوا قديماً يقتلون كل طفلٍ من غير دينهم، ويعذبون أطفال الآخرين من المسيحيين الذين آووهم وأسكنوهم بلادهم، ومنحوهم الأمن والأمان في أوطانهم. 
إنها المنهجية الصهيونية القديمة، والعقلية الإسرائيلية الحاقدة التي تربوا عليها، والجبلة المقيتة التي يحفظها عنهم التاريخ، ولا تنساها الأجيال، إنهم يكررونها اليوم في فلسطين، ويرتكبونها بصورةٍ رسمية، ينفذها الجيش والمستوطنون، وتسكت عنها الحكومة والقيادة، وتباركها الأحزاب والهيئات السياسية، ويشجعون عليها جميعاً وإن استنكروها شكلاً، ويؤيدونها وإن شجبوها أمام الرأي العام والمجتمع الدولي.
لا تغرنا تصريحات نتنياهو فهو أستاذهم، ولا تخدعنا كلماته فهو مرشدهم وموجههم، إنه يخاطب بكلماته المسمومة المجتمع الدولي، يريد أن يستل غضبهم، وأن يوقف انتقاداتهم، وأن يمنعهم من ردات الفعل التي قد تؤذيهم وتكشف حقيقة وجوههم، لهذا كان استنكاره أمام الكاميرا، لكن سياسته ما زالت ذاتها للعامة والمستوطنين، وكأنه يدعوهم إلى المزيد من الجرائم دون خوفٍ من الملاحقة والسؤال، فالقانون يحميهم، والسلطة لن تطالهم، وأحداً لن يعرفهم أو يكشف عن وجوههم ويعلن أسماءهم. 
فهل يصمت المجتمع الدولي أمام هذا الخطاب المزدوج والخداع المقصود، وتنطلي عليه تصريحات رئيس حكومةٍ يرعى الإرهاب، ويرسل جيشه للدمار، ويطلق قطاع مستوطنيه للخراب، فما زال مستوطنوه يجوبون في رحاب المسجد الأقصى، يدنسون ساحاته، ويعتدون على باحاته، ويدخلون إلى صحن المسجد المقدس بأحذيتهم، ويدوسون القرآن بأقدامهم، ويمنعون الفلسطينيين من الدخول إلى مسجدهم والصلاة فيه، وكل هذا وغيره يتم في حضرة الجيش وحمايته، وبرعاية الحكومة وموافقتها، فكيف يصدق المجتمع رئيسها الذي يكذب متعمداً، ويزور الوقائع والحقائق قاصداً، ويستعين بغيره ليزين أقواله، ويصدق غضبه واعتراضه.
لعل جريمة نابلس التي طالعنا بها الإسرائيليون اليوم، ولطموا به وجه العالم الحر، وصفعوا بها المجتمع الدولي الذي ينافق بموافقه، ويداهن في سياسته، تكشف عن السلوك الدائم للمستوطنين الإسرائيليين في فلسطين المحتلة، فهم لا يتوقفون عن اقتحام البيوت الفلسطينية، وقذف سكانها بالحجارة، وطردهم منها عنوةً، وإخراج متاعهم منها ورميه في الشارع أمامهم، أو إشعال النار فيه وحرقه أمام عيونهم، أو إغلاقه بقضبان الحديد والصفيح السميك، وكثيرةٌ هي البيوت التي أخرجوا منها أصحابها وسكنوا فيها مكانهم، وقد سجلت وسائل الإعلام العديد من هذه الحوادث، وشهد عليها جنود جيش العدو الذين كانوا يراقبون ويحمون، ويقفون إلى جانب المعتدي ضد الضحية.
لعل أبلغ من الجرح ولو كان غائراً، جرحه من جديد، وأكثر من الحزن حزناً ولو كان قاسياً، بعثه بعد نسيان، وأشد من القتل ألماً مشاهدة الموت والإحساس به بطيئاً، وما يقوم به العدو الإسرائيلي تجاه شعبنا الفلسطيني بسياسته الغاشمة، وممارساته الاحتلالية القاسية، إنما يجرح جرحنا من جديد، ويبعث حزننا الكامن في نفوسنا من قديم، ويستعيد معاناتنا الباقية منذ زمن. 
فهل يسكت الفلسطينيون على الألم، ويعضون على الجرح، ويقبلون بما يصيبهم، أم يثورون على الضيم والقيد، وينتفضون على الذل والمهانة، ويردون على العدو بمثله، ويسكتونه بسلاحٍ يفهمه، وبقوةٍ يعلمها، وثورةٍ وانتفاضةٍ يخشاها، ويحذر نفسه وجيشه من مغبة اندلاعها، ونتائج انفجارها.
 
بيروت في 31/7/2015

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . مصطفى يوسف اللداوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/08/01



كتابة تعليق لموضوع : نتنياهو يستنكر الإرهاب ويدين الجريمة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net