صفحة الكاتب : عماد يونس فغالي

أصدقاء الطفولة في المحكمة
عماد يونس فغالي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
اعتقلت الشرطة آرثور بوث في مدينة ميامي التابعة لولاية فلوريدا الأميركيّة بعد مطاردته وهو يقود سيّارةً مسروقة. وعلى أثر اتّهامه بارتكاباتٍ وجرائم، مثُلَ أمام المحكمة في المدينة. وها هي القاضية الرئيسة ماندي غلايزر تمعن النظر فيه، وتتوجّه إليه بالسؤال: "هل ارتدتَ مدرسة نوتيلوس؟" فصرخ للتوّ: "يا إلهي"، وأجهش في البكاء. 
في الواقع تعرّفت القاضية في المتّهم الماثل أمامها برفيق الدراسة وصديق طفولتها في المدرسة الإعداديّة. وصرّحت أمام الحاضرين: "كان أفضل ولد في المدرسة". وقالت له: "لطالما تساءلتُ عما حصل لَكَ". وأضافت: “كان هذا الشخص ألطف ولد في المدرسة .. اعتدت أن ألعب معه الكرة.." وتابعت: “من المحزن كم كبرنا”، قبل أن تنهي قائلة: “أتمنى لك الحظ الجيّد يا سيّدي وآمل أن تخرج من هنا وأنت بخير وتعود إلى حياة طبيعيّة بعيدًا عن المشاكل مع القانون". وفي النهاية فرضت القاضية على المتّهم كفالةً ماديّة بلغت ٤٣ ألف دولار. وانتهى الخبر كما ورد في الإنترنت.
بكى المتّهم. تأثّر المجرم بلقائه رفيقة الدراسة قاضيةً في المحكمة التي يمثل أمامها. كان في تلك المرحلة إنسانًا طيّبًا، أثّر بها، وبقيت تفكّر في ما قد يكون آلَ إليه. يومها استطاع أن يطبع فيها صورةً مميّزة، وكانا صديقَين، يلعبان معًا ويتفاهمان. ما جعلها تتعرّف إليه وتسأله عن ماضيه، وتهتمّ لإعلان مشاعرها الطيّبة تجاهه. طبعًا، لم تتمنَّ يومًا أن تراه في قفص الاتِّهام أمامها، ولم تتوقّعْ ذلك، أكيد. لكن ومن دون الإفصاح عن ذلك، ومن دون التساهل في لعب دورها وتطبيق القانون، وبالتالي الحكم عليه بما يجب، فعلت فيه فعلها الإنسانيّ. مسّت فيه الداخل. أعادت إليه مشاعره الحقيقيّة، بل حنينه إلى ماضيه الجميل، يوم كان جاذبًا لأحبّاء. 
في الواقع، قد يكون انحرافه نتيجة ظروفٍ اجتماعيّة قاسية، أو حاجة ماديّة قاهرة، دفعته لارتكاب المنكر. وهو لم يُرِد هذا قط. هذا اللقاء غير المتوقّع مع الرئيسة في المحكمة، وردّة فعلها حال تعرّفها به، أهاب فيه شنيع ذاته. وربّما أثار صحوةَ ضمير. حبَّذا إن لم يكن أكيد.
في الصورة التي ظهرت القاضية فيها ههنا، تتوقّع منها موقفًا كبيرًا يتخطّى لفظها الحكم وكفى! بتعبيرٍ آخر، إن كانت أسباب ارتكابات المتّهم، الصديق القديم، فاقةٌ وحاجة، أتصوّرها مبادرةً إلى دفع القيمة المتوجّبة أو مدبّرتها بطريقةٍ إنسانيّة. وإلاّ فهي متابعةٌ موضوع هذا الرجل حتى يعود إلى سابق بهائه. أما تمنّت له خروجًا "من هنا"، وعودةً إلى حياةٍ طبيعيّة بعيدة عن الخروج على القانون؟! أما تعتقدها تدفعه إلى هذا الخيار الذي تجلَّت بوادره في صرخته العفويّة: "يا إلهي"، وانفجاره بالبكاء؟ يمكننا الكلام على توبةٍ محتمَلة لهذا الرجل! يمكننا الاعتقاد أنّه لن يعود لحياة الانحراف.
في الواقع، من يقرأ الخبر كما فعلتُ، لا يمكنه إلاّ التعاطف معه، ولو لم يمكنه تبرير تعاطفه. فالرجل في تأثّراته يدفعكَ إلى تضامنٍ معه، ورجاءٍ باصطلاح. لم تقم القاضية بعملٍ خارق، ولا يظهر من تصرُّفها عبقريّةٌ أو خبرة في التعاطي مع المتّهمين. إنّها حالةٌ استثنائيّة لا تحصل دائمًا. ولا يصادفها أيٌّ كان. لكنّ الواقعة معبّرة، تعاملت معها بصدقٍ مميّز، يجعلكَ تحترمها وتقدّر موقفها. وهذا كان كافيًا في اعتقادي! 
رفيقان كانا على مقاعد الدراسة، وصديقين عاشا تلك المرحلة. وبقيا كذلك رغم بُعد السنوات وانحراف أحدهما، ليجد في ظرفٍ دقيق وموقفٍ حرج من حياته، تلك العلاقة الإنسانيّة البريئة تعيده إلى ما خسره عن غير قصد، ويستعيد كبَر شخصه يُهديه سواء السبيل.
في ٢٠ تمّوز ٢٠١٥

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عماد يونس فغالي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/07/29



كتابة تعليق لموضوع : أصدقاء الطفولة في المحكمة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net