صفحة الكاتب : د . يوسف السعيدي

العقل السياسي...والنظام السياسي
د . يوسف السعيدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 

تحولات النظم عملية مستمرة، وليس هنالك من بقاء لنظام لفترة معقولة... اما السبب فهو عندما يكون العقل السياسي والنظام السياسي لا يتسعان لروح العصر ومتطلباته، ولا ينسجمان مع التحولات الاجتماعية.. فان النظام السياسي بدلاً من ان يتغير تبعا للمتغيرات فانه يتمحور حول ذاته، ويتحجر، ثم لا يلبث ان ينضغط فينهار.. واذ ذاك لا فائدة من البطش، واجهزة المخابرات مهما تعددت ومهما توفرت لها من حرية انتهاك حياة المواطن، وامكانات مادية فكل نظام يريد البقاء يجب ان يتصف بالداينميكية، ويستجيب للحاجات الاجتماعية في تصاعدها، وللظروف المحيطة بالبلاد في تصيرها الدائم...
واذا ما انهار النظام بقوة داخلية فهذا امر طبيعي ولكن حتى لو كان الانهيار بفعل قوة خارجية فان السبب هو كونه منخور من الداخل ولو لم يكن كذلك لاستطاع الصمود.. معظم الاحزاب عندما تكون في المعارضة... تتغنى بالشعب في شعاراتها وبياناتها وما يصدر عن قياداتها من اقوال.... ومعظم الاحزاب في المعارضة تشكو من ارهاب السلطة ومنهج القمع الذي تتبعه السلطة القائمة... ومعظم الاحزاب في المعارضة تشكو من الظلم والبؤس الذي يعاني منه الفقراء.. ومعظم الاحزاب في المعارضة تعد بالجنة... وتعد بالمساواة... وتدعو للديمقراطية والانتخابات النزيهة.. وتدعو لحرية العمل الحزبي... وتشكو من الرقابة وتدعو الى حرية الاعلام. وتشخص الفساد ورموزه وتطالب بتشريع قانون (من اين لك هذا)... وبالطبع فان معظم الاحزاب في المعارضة تطالب بالقضاء على الاقطاع وترفع شعار الارض لمن يزرعها.. والمعارضون يعدون انهم عندما يستلمون الحكم فسوف يصبح العمال المضطهدون في ظل الوضع القائم هم اسياد المصانع مستقبلاً. وستبنى المساكن، وتعبد الطرق، وتشيد الجسور، وتنهض ابنية المستشفيات، وترتفع الاجور... ولكن ما ان تستلم المعارضة الحكم سواء كانت حزبا او مجموعة احزاب... وتأتي الى المناصب الشخصيات (المناضلة) او (ألمجاهدة) في مصطلحات هذه الايام... فان اول ما تعلنه ان التركة ثقيلة، ويحتاج الاصلاح الى وقت، وعلى المواطن ان يتحمل... واول ما يحدث هو الصراع بين اطراف السلطة الجديدة، فالمشاركة مستحيلة اما الانفراد فهو الضروري.. وسيكون اول الضحايا هم اركان النظام الجديد انفسهم وبتهم شتى كالخيانة، والتآمر، والانحراف، وعدم النزاهة، الى غير ذلك من التسميات.
وما ان تنتهي (الثورة) وكل حكم جديد يسمي نفسه (ثورة) نقول ما ان تنتهي (ألثورة) من تصفية ابنائها حتى تتوجه الى حلفائها الذين يبدأون ينبشون بحثا عن الاخطاء.. ويحل (قانون الثورة) محل قوانين العقوبات المعروفة. وتلصق كلمة خائن او متآمر بكل معارض... وتتسع السجون القائمة لتحوي قدراً اكبر من المعتقلين... اما الجنة وما فيها من ثمار فهي في نظر (ألثوريين) ليست سوى نزعة استهلاكية، برجوازية. وعلى ذكر كلمة (برجوازية) فان بعض الحكام الجدد يتخلون عن اصحابهم القدامى ويعاشرون الطبقة الارقى، والطبقة الارقى لا تقبل الصحبة الا مقابل ثمن... ويصبح الثوري مطيعا لغرائزه، مدفوعاً بنوازع الكبت والحرمان امام جميلات يرتدين الميني جيب ويقدمن له كؤوس الطلى... وحتى زوجات الايام الخوالي يتحولن الى مربيات وطباخات ليس الا ولا يليق بالحاكم الا زوجة يشترط ان تكون شقراء فالشقرة والوجاهة صنوان. واما توزيع الارض فيتم على الحكام واذا كان الاقطاعي يمتلك 200 دونما مثلاً فان الحاكم الجديد يمتلك 600 اما من يفلح الارض فهم عمال في الدولة... وتحول مجاري الترع نحو ارض السيد الجديد... وأما العمال فهم مشاكسون ولا بد من نقابات لا تدافع عنهم بل تراقب المشاغبين منهم... واما الديمقراطية.. فهي حق الزعيم في ان يعدم، ويسجن، ويصادر، وينتهك الاعراض، ويعلي من يشاء ويخفض من يشاء... والدستور دستوره هو... والبرلمان ليس سلطة تشريع بل جوقة تصفيق...فوضويه.. وينسى من يحكمون انهم كانوا مضطهدين وبدلاً من ان يرفعوا عن الناس غائلة الظلم فانهم يثأرون لانفسهم، ولكنهم يثأرون من الشعب المغلوب على امره في كل عهد.. بقيت نقطة جديرة بالانتباه: وهي جوق المستشارين ومدراء المكاتب: هؤلاء يقدمون للحاكم ما يرضيهم اولاً ثم ما يرضيه ويزيده طربا... اما الحقائق المرة او التي تمس مصالحهم فتحجب عنه... وهكذا يطوف الحاكم على قشرة بصل ويظن انه المحبوب والمحترم جداً من قبل 40 مليون كوري مثل كيم آل سونغ، وان الناس تصلي له.. وان الشعب مرتاح لحكمه غاية الراحة في ظل حكمه اوليس هذا ما تقوله الصحف...؟ يروى عن خروشوف الزعيم السوفيتي الراحل انه زار احدى القرى الروسية النائية.. فسأل الناس الذين تجمهروا حوله: - هل انتم مرتاحون؟ واجابوا: - نعم في غاية الراحة ايها الرفيق وسألهم - وهل تصلكم الصحف؟ فاجابوا: - بالطبع ايها الرفيق والا كيف عرفنا اننا مرتاحون؟ اوليس من الصحف؟ --------------- في هذا العرض يظهر كم كنا مصبين: - عندما اعلنت جماهير شعبنا المظلوم ان تكون الانتخابات هي الحكم... - وعندما أقرت على مبدأ التبادل السلمي للسلطة... - وعندما اصرت ان يكون القضاء مستقلا... - وعندما ارادت ان يسري القانون على الجميع حاكما ومحكوما... اما النسج على نفس المنج فانظروا ما حدث لبلادنا، لقد خسر شعبنا الكثير، ولم ينفع استبدال حاكم بآخر سوى انه يزيد الامر سوء على سوء.. وكل نظام غدا سينهار غير مأسوف عليه اذا ما سار على نفس المنوال. 
 
الدكتور
يوسف السعيدي
العراق

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . يوسف السعيدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/06/06



كتابة تعليق لموضوع : العقل السياسي...والنظام السياسي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net